شبهات حول الاقتصاد الإسلامي (2)

لا فرق بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية

د. أشرف دوابه

21 أبريل 2025

844

من الشبهات التي تثار حول الاقتصاد الإسلامي بصفة عامة والبنوك أو المصارف الإسلامية بصفة خاصة أنه لا فرق بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية.

وقد تأتي هذه الشبهة من عدم فهم لطبيعة عمل البنوك الإسلامية التي تختلف بصورة جذرية عن البنوك التقليدية، أو نتيجة سوء سلوك بعض البنوك الإسلامية وعدم مراعاتها للسمعة والمصداقية الشرعية، فهذه البنوك يقودها بشر منهم المصلح ومنهم المفسد، ويجب ألا نحاكم تلك البنوك بسوء سلوك بعض أبنائها، الذين يجب أن نقومهم إذا أخطؤوا، دون أن يُمس ذلك المنهج الذي تقوم عليه هذه البنوك.

شتان بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية في المنهج أو الأهداف أو الأولويات أو الوظائف أو آليات العمل

إنه شتان بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية، سواء في المنهج أو الأهداف أو الأولويات أو الوظائف أو آليات العمل، فمن حيث المفهوم تمثل البنوك التقليدية مؤسسات مالية تحقق الربحية من خلال الفرق بين الفائدة المدفوعة للمودعين والفائدة المتحصلة من المقترضين، بينما البنوك الإسلامية مؤسسات مالية تقوم بتجميع الأموال وتوظيفها وتقديم الخدمات المصرفية اللازمة وفق أحكام الشريعة الإسلامية.

من حيث النشأة:

يعد الربع الأخير من القرن السادس عشر الميلادي البداية الحقيقية لنشأة المصارف بصورتها المعاصرة، وارتبط ظهورها في البلدان الإسلامية بالاستعمار الغربي لها، بينما يعد العام 1975م التأريخ الحقيقي لميلاد المصارف الإسلامية، حيث تم إنشاء بنك دبي الإسلامي كأول بنك تجاري إسلامي، لتوفير البديل المصرفي الشرعي لجمهور المسلمين.

من حيث الهدف:

فإن البنوك التقليدية يقتصر هدفها على الربحية، بينما البنوك الإسلامية يتمثل هدفها في المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية جنباً إلى جنب مع الربحية.

من حيث المنهج:

فإنه بالنسبة للبنوك التقليدية وضعيّ نفعيّ ماديّ، بينما هو رباني عقائدي أخلاقي في البنوك الإسلامية.

من حيث سعر الفائدة:

فإنه أساس عمل البنوك التقليدية، حيث تتعامل به أخذاً وعطاءً، بينما لا تتعامل به البنوك الإسلامية أخذاً أو عطاءً باعتباره ربا.

من حيث الموارد المالية الداخلية:

فإنه يمكن للبنوك التقليدية إصدار أسهم ممتازة، تعطي صاحبها حق امتياز في الربح والتصفية ونحوها، وفي البنوك الإسلامية لا يمكن إصدار مثل هذه الأسهم التي تميز بين الشركاء في الشركة، ويقتصر فيها إصدار الأسهم على الأسهم العادية.

البنوك التقليدية مؤسسات مالية تحقق الربحية من خلال الفرق بين الفائدة المدفوعة للمودعين والفائدة المتحصلة من المقترضين

من حيث الموارد المالية الخارجية:

تعتمد البنوك التقليدية على الحسابات الجارية إضافة إلى الودائع التي تمثل قرضاً بفائدة يتم دفعها للمدخرين، بينما تعتمد البنوك الإسلامية على الحسابات الجارية وفقاً للقاعدة الشرعية «الخراج بالضمان»، فمن يتحمل أخطار شيء نتيجة ضمان الملكية يحصل على عائده، إضافة إلى حسابات الاستثمار وفقاً لنظام المضاربة الشرعية غنماً وغرماً مع المدخرين، ولا مجال لسعر الفائدة عطاءً في هذه الحسابات.

من حيث استخدامات الأموال:

فإن البنوك التقليدية لا يهمها إذا كانت تلك الاستخدامات حراماً أم حلالاً، وتتسم استخدامات الأموال وأساليب التمويل والاستثمار بالمحدودية؛ حيث تتجه أساساً نحو ثلاثة أساليب على سبيل الحصر، هي: الإقراض بفائدة، والحساب الجاري المدين، وخصم الأوراق التجارية.

أما استخدامات الأموال في البنوك الإسلامية فلا بد أن تكون في الحلال الطيب، وتتسم تلك الاستخدامات وأساليب التمويل والاستثمار بالتنوع، حيث تتجه استخدامات الأموال بصفة رئيسة نحو نوعين أساسيين من عقود الاستثمار؛ أولهما: عقود المعاوضات وما تتضمنه من البيع، سواء أكان بيعاً مطلقاً، أو مرابحة أو آجلاً، أو سلماً، أو استصناعاً، فضلاً عن الإجارة سواء أكانت إجارة أشياء أو أعمال، إضافة إلى الوكالة بالاستثمار، والجعالة، وثانيهما: عقود المشاركات وما تتضمنه من المشاركة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والمغارسة.

من حيث آلية التمويل والاستثمار:

فإن البنوك التقليدية تعتمد على الغنم المضمون في سعر الفائدة الثابت، فالخسارة يتحملها المقترض وحده، بينما في البنوك الإسلامية يتم المشاركة في الغنم والغرم، وهذا هو قمة العدل.

من حيث الجدارة الائتمانية:

تركز البنوك التقليدية على جدارة العميل وما يمتلكه من ضمانات، بينما تركز البنوك الإسلامية على جدارة وجدوى المشروع ومراعاته للأولويات الإسلامية من ضروريات فحاجيات فتحسينات.

البنوك الإسلامية مؤسسات مالية تقوم بتجميع الأموال وتوظيفها وتقديم الخدمات المصرفية وفق أحكام الشريعة الإسلامية

من حيث النقود:

فهي في البنوك التقليدية، سلعة يتم الاتجار فيها، مما يخرجها عن وظيفتها ويحول بين الاستقرار النسبي لها، ويغذي التضخم، بينما هي في البنوك الإسلامية مقياس للقيم ووسيط للتبادل وحفظ للثروة وأداة للوفاء يتم الاتجار بها لا فيها، فهي ليست سلعة وليس لها قيمة زمنية إلا من خلال ارتباطها بالتعامل بالسلع بشروطها الشرعية.

من حيث وظيفة رأس المال:

فإن البنوك التقليدية تسعى من خلاله إلى تحقيق مصالحها الشخصية، وفي معزل عن مصالح المجتمع واحتياجاته الضرورية، بينما رأس المال في البنوك الإسلامية خادم لمصالح المجتمع.

من حيث الربح:

فإنه يتحقق في البنوك التقليدية من خلال الفرق بين الفائدة الدائنة والمدينة، ومن ثم تقرير أن النقد المصدر الوحيد للكسب رغم أن النقود لا تلد نقوداً، بينما البنوك الإسلامية يستحق الربح فيها إما بالمال (كالمبادلات وشركات الأموال)، أو العمل (كالإجارة وشركة الصنائع والمضاربة)، أو الضمان (كشركة الوجوه والقرض الحسن)، ومن ثم تقرير أن العمل هو مصدر الكسب.

من حيث الخدمات المصرفية:

فإن عمولتها في البنوك التقليدية لا تمثل تكلفة الخدمة ولا تحكمها طبيعة الخدمة بكونها حلالاً أم حراماً،  بينما العمولة في البنوك الإسلامية تمثل تكلفة الخدمة، ويجوز أن تحدد بأجر مقطوع أو بنسبة من محل الخدمة، وطبيعة الخدمة المقدمة لا بد أن تكون حلالاً لا حراماً، ومن ثم فلا مكان فيها لخصم الأوراق التجارية كما في المصارف التقليدية.

من حيث الخدمات الاجتماعية:

فإن البنوك التقليدية تستخدمها من باب الوجاهة والتسويق، ولا مكان فيها للقرض الحسن أو تجميع الزكاة والصدقات وإنفاقها في مصارفها أو تحقيق التكافل الاجتماعي، بينما البنوك الإسلامية من أولوياتها تجميع الزكاة والصدقات وإنفاقها في مصارفها من خلال تقديم القروض الحسنة من صندوق القرض، أو من صندوق الزكاة والصدقات، والمساهمة في المشروعات الاجتماعية ودعمها، وترسيخ مفهوم التكافل الاجتماعي.

من حيث الرقابة الشرعية:

فإنه لا وجود لها في البنوك التقليدية، بينما هي من أساسيات عمل البنوك الإسلامية للتأكد من كون معاملاتها تتم وفقاً للأحكام الشرعية.

من حيث المقاصد الشرعية:

فإنه لا وجود لها كذلك في البنوك التقليدية، بينما من الأساسيات الحاكمة لعمل ونشاط البنوك الإسلامية؛ مراعاة الأولويات الإسلامية والانفصام عن فقه الحيل المذمومة.

من حيث الالتزام بالقيم العقدية الأخلاقية:

فإنه لا يوجد أي اعتبار لها في البنوك التقليدية إلا ما لا يتعارض مع القانون، بينما البنوك الإسلامية تحكمها الجوانب العقدية والأخلاقية؛ فالمال استخلاف، ومن ثم فإن إعمار الأرض والالتزام بالأخلاق الإسلامية من أسس ومنهج عملها.

من حيث التوعية الادخارية:

فإن البنوك التقليدية تركز على كبار المدخرين دون صغارهم؛ ومن ثم لا تهتم بتنمية الوعي الادخاري في المجتمع، بينما البنوك الإسلامية توائم بين كبار المدخرين وصغارهم، وتفتح الباب أمام صغار المدخرين لاستثمار أموالهم، ومن ثم تولي اهتماماً ملحوظاً بتنمية الوعي الادخاري في المجتمع.

من حيث دعم البنوك المركزية:

نجد أن هذا الدعم للأسف الشديد قائم بقوة للبنوك التقليدية، في حين أنه يكاد يكون مفقوداً بالنسبة للبنوك الإسلامية، فلا استفادة منها كملجأ أخير للسيولة، كما أن نظام الاحتياطي القانوني وغيره من العديد من الأدوات والأساليب الرقابية للبنوك المركزية لا تتواءم مع آلية عمل المصارف الإسلامية.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة