شتاء فوق الوجع.. خيام النازحين الهشة تغرق مع أولى موجات الأمطار في غزة
حلت أولى موجات
الشتاء على النازحين في غزة كضيف ثقيل، رغم ما تحمله الأمطار من خير وبركة على
الغزيين، حيث غرقت العديد من مخيمات النازحين في مدينة غزة، جراء السيول التي
داهمت المساحات التي تتواجد بداخلها خيام النازحين، ونتيجة لذلك، أجبرت مئات
العائلات على ترك خيامهم التي غمرت بالمياه، وباتوا في الشوارع بلا مأوى.
وشكل انهيار
البنية التحتية وتدمير الاحتلال «الإسرائيلي» شبكات الصرف الصحي، كارثة بيئية خطيرة داخل مدينة غزة، حيث يصعب تصريف مياه الأمطار عبر الخطوط الأرضية المخصصة
لها نتيجة الدمار الكبير، فيما ارتفع منسوب المياه في الشوارع، وانحدرت السيول
باتجاه المناطق السكانية ومخيمات النازحين، محدثة حالة من الهلع والتذمر في صفوف
المشردين، الذين لا يعرفون كيف سيقضون فصل الشتاء الذي يحل عليهم في ظل مثل هذه
المعاناة.
وتعجز بلديات
قطاع غزة عن تصليح الدمار الذي أصاب البنى التحتية في مختلف مناطق قطاع غزة، نتيجة
قلة الإمكانات، ومنع الاحتلال إدخال المعدات اللازمة لتصليح ما دمر، رغم المناشدات
التي تطلقها الطواقم الفنية منذ بدء وقف إطلاق النار، وهذا التأخير أدى إلى وقوع
كوارث إنسانية على السكان والنازحين، وعرقل حركة تنقل المواطنين بين المناطق نتيجة
غمر الطرقات بالمياه.
خيام ممزقة ومأوى مفقود
في منطقة مواصي
خان يونس جنوب غزة وحي الكرامة غربي مدينة غزة، حيث أنشئت في تلك المنطقتين مخيمات
كبيرة لإيواء النازحين، لكن فر عدد كبير من النازحين من داخل هذه المناطق، تاركين
خيامهم وأمتعتهم بعد يومين من الشتاء الغزير، الذي غمر الشوارع والطرقات وانحدرت
السيول الجارفة نحو تلك المناطق.
مراسل «المجتمع»
زار مخيمات النازحين ورصد معاناة آلاف النازحين الذين باتوا بلا مأوى بعد أن تمزقت
خيامهم بفعل الرياح والأمطار، وغرق فراشهم وملابسهم بمياه الأمطار التي اختلطت
بمياه الصرف الصحي.
يقول النازح
يحيي فريد: الحرب هَمٌّ وفصل الشتاء هَمٌّ ثانٍ بالنسبة للنازحين؛ لأن حياة الخيام
صعبة للغاية سواء في الصيف أو الشتاء، فخلال فصل الصيف تنتشر الحشرات بفعل الحرارة
المرتفعة داخل الخيام، أما في الشتاء الخيام تشتد بداخلها البرودة، والأمطار تدخل
إليها نتيجة عدم توفر شبكات صرف صحي.
ويشير، في حديثه
لـ«المجتمع»، إلى أنه في حي الكرامة غرب غزة، وفي ساعات متأخرة من الليل اشتدت
الأمطار، وبدأت سيول المياه تغمر أحد الطرقات الرئيسة التي تعرضت للقصف والتجريف
من قبل الاحتلال، وبعد ارتفاع منسوب المياه انحدرت السيول باتجاه المخيم، حيث دمرت
السيول أكثر من 90 خيمة بشكل كامل، عدا عن تراكم المياه داخل المخيم لعدم وجود
مصارف وتفريغها.
ولفت إلى أن حال
النازحين تطول في هذه المعاناة التي ستمتد لسنوات، في ظل فرض الاحتلال حصاراً مطبقاً
على غزة، ويمنع إعادة الإعمار والتنصل من اتفاق وقف إطلاق النار ومنع إدخال البيوت
المؤقتة، فالخيام غير مؤهلة للعيش بداخلها لفترات طويلة، فهي لا تحمي من الأمطار
والبرد، كما أن أشعة الشمس تُحدث تهتكاً بالخيام وتمزقها.
منع البدائل وإطالة الأزمة
ويتعمد الاحتلال
تكريس حياة النازحين من أجل دفع السكان إلى الهجرة، بعد التلكؤ في البدء بعملية
الإعمار، ومنع إدخال المنازل المؤقتة التي تؤوي النازحين وتحميهم من حر الصيف وبرد
الشتاء، فهو غير معنيٍّ باستقرار النازحين وتحسين ظروف حياتهم، بعد عامين من
التشريد والقتل.
في مقابل ذلك،
امتلأت المدارس والمرافق الصحية بآلاف النازحين؛ وهذا يعطّل إمكانية عودة الحياة
الدراسية المعطلة منذ عامين من جديد؛ نظراً لضيق الخيارات وعدم تمكن الجهات
المختصة من إيجاد بدائل النازحين.
وفي منطقة
المواصي جنوب غزة، التي يدعي الاحتلال بأنها منطقة إنسانية، لا يقدر مئات الآلاف
من النازحين على التكيف مع الوضع المعيشي الصعب داخل الخيام الهشة، حيث يعيش في
هذه المنطقة نازحون فروا من مدينة رفح التي مسحت بالكامل، ولم تعد خيامهم صالحة
لاستقبال موسم جديد من الشتاء، نظراً لتمزق الكثير منها عدا عن تجمع المياه داخل
المنطقة التي تصنف بالأساس زراعية ومنخفضة.
وداخل مخيم
النور بمنطقة المواصي، أجبر المواطن النازح صبحي عبدالعزيز على فك خيمته ونقل أغراضه
الذي تعرض للغرق بمياه الأمطار إلى منطقة أخرى، بعد أن عاش لحظات هي الأصعب في
حياته، بعد أن تجمعت مياه الأمطار في محيط خيمته، وخرج بصعوبة برفقة أسرته هرباً
من الموت غرقاً.
ويبين، في حديثه
لـ«المجتمع»، أن المخيم لم يعد هناك مجال للعودة إليه، نتيجة تراكم كميات كبيرة من
مياه الأمطار داخله، وبذلك خرجت آلاف العائلات تبحث عن مأوى آمن قبل دخول موجات
الشتاء والرياح القوية، لكن القليل من النازحين من وجد بديلاً، بينما الآخرون
يفترشون ساحات المستشفيات والمدارس التعليمية، إلى حين الحصول على بديل آمن.
ويستهجن النازح حالة
الصمت العربي والدولي من عدم وضع حد للغطرسة «الإسرائيلية» التي تستهدف المدنيين
العزل في غزة منذ بدء حرب الإبادة، على الأقل توفير مساكن آمنة، تحمي النازحين من
خطر الموت بالغرق والبرد وإدخال المساعدات.
ومنذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة، في أكتوبر 2023م، وتعمد الاحتلال تحويل مدينة غزة إلى مدينة خيام، حيث مسحت الطائرات بالبراميل المتفجرة المربعات السكنية، وعادت الجرافات خلال العملية البرية لهدم ما تبقى من منازل قائمة، وتحولت المدينة إلى تجمعات خيام.
اقرأ أيضاً:
سيول غزة.. حين يتحوّل المطر إلى كارثة على النازحين