شُكْر النِّعَم.. 10 طرق عملية لشكر الله

حين يتدبر
المسلم نِعَم الله التي تفيض عليه صباح مساء، من نَفَسٍ يتردد، وقلبٍ ينبض، وأمنٍ
يُظِلّه، ورزقٍ يسوقه الله إليه دون حولٍ منه ولا قوة، يدرك أن الشكر ليس كلمة
تُقال باللسان، بل عبادةٌ تُترجمها الجوارح وسلوكٌ يعبّر عن وعي القلب بمنعمٍ كريم،
حيث إنّ النعم إذا شُكرت استقرت، وإذا كُفرت تلاشت؛ (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ
كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم: 7).
ومن مظاهر شكر
النعمة ما يأتي:
1- الاعتراف بالنعمة وربطها بالمنعم:
بعض الناس حين
تأتيه النعمة لا يعترف بها، بل ينسبها إلى نفسه وعلمه وجهده، فقد قال قارون: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى
عِلْمٍ عِنْدِي) (القصص: 78)، على العبد أن يوقن أن النعمة من الله وحده لا
من غيره، قال تعالى: (وَمَا
بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (النحل: 53)، وفي سنن أبي داود عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَنَّامٍ الْبَيَاضِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ
بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ،
وَلَكَ الشُّكْرُ، فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ
حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ».
2- عدّ النعم وحمد الله عليها:
يتعبد المسلم
بأن يتذاكر ما أنعم الله به عليه، ويحمده عليها، قال تعالى: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ
مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (المؤمنون: 28)، وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ
اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ
عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا».
3- سجود الشكر:
روى أبو داود في
سننه عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ،
فَلَمَّا كُنَّا قَرِيبًا مِنْ عَزْوَرَا نَزَلَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا
اللَّهَ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ
يَدَيْهِ فَدَعَا اللَّهَ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا، ثُمَّ
قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا -ذَكَرَهُ أَحْمَدُ
ثَلَاثًا- قَالَ: «إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي وَشَفَعْتُ لِأُمَّتِي، فَأَعْطَانِي
ثُلُثَ أُمَّتِي فَخَرَرْتُ سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي
فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَخَرَرْتُ سَاجِدًا
لِرَبِّي شُكْرًا، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي، فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي
فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخِرَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي».
4- الإنفاق مما تحبه النفس:
النفس يزداد
شحها في وقت إقبال النعم عليها، وعلاجها بالإنفاق مرة بعد مرة حتى تسكن، سواء كان
ذلك في صورة صدقة أم هدية، ويدل على ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث كعب بن مالك أنه
قال: «فَآذَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِتَوْبَةِ
اللهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ
يُبَشِّرُونَنَا فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ
إِلَيَّ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِي، وَأَوْفَى الْجَبَلَ
فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ
صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي، فَنَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ
بِبِشَارَتِهِ، وَاللهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ
ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، فَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا، يُهَنِّئُونِي
بِالتَّوْبَةِ».
5- إعلان التواضع:
عندما دخل النبي
صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً، أعلن تواضعه واستكانته لربه سبحانه، فقد روى
الحاكم في المستدرك عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ وَذَقْنُهُ عَلَى رَحْلِهِ مُتَخَشِّعًا»، وعن
إِسْمَاعِيل بْن ذَكْوَان، قَالَ: دُخِلَ عَلَى النَّجَاشِيِّ فِي عَقِبِ نِعْمَةٍ
قَالَ: وَعَلَيْهِ أَطْلَاسٌ وَهُوَ مُرْسِلٌ رَأْسَهُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ:
أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَوَ لَمْ تُنَبِّئْنَا أَنْ قَدْ سُرِرْتَ؟ قَالَ: بَلَى
قَالَ: مَا هَذِهِ الِاسْتِكَانَةُ؟ قَالَ: إِنِّي قَرَأْتُ فِيمَا أَوْحَى
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِذَا أَنْعَمْتُ عَلَيْكَ نِعْمَةً فَاسْتَقْبِلْهَا بِالِاسْتِكَانَةِ
أُتِمُّهَا عَلَيْكَ»(1).
6- كثرة العبادة:
يشكر المسلم ربه
بكثرة عبادته له، وبخاصة قيام الليل، ففي صحيح البخاري، ومسلم عن المغيرة بن شعبة قال:
قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَرِمَتْ قَدَمَاهُ،
قَالُوا: قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ:
«أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»، فاستقبال النعمة بهذه الأعمال سيكون له -بمشيئة
الله- دور كبير في عدم السماح للنفس بالاستعظام والشعور بالتميز عن الآخرين، بل قد
تكون هذه النعمة بمثابة وسيلة للقرب من الله عز وجل(2).
7- استعمال النعمة في طاعة الله وتجنب معاصيه:
ليس من الوفاء
أن ينعم الله على عبده بالنعمة ثم يستخدمها العبد في المعصية، بل إن أعظم الشكر أن
يستعمل العبد ما أنعم الله عليه به في طاعته سبحانه، فشكر المال بالإنفاق، وشكر
العلم بالتعليم، وشكر الجاه بنصرة الحق، وشكر الصحة بالطاعة والعمل الصالح، أما من
استخدم نعمة الله فيما يغضبه فقد كفر بها، فعن مَخْلَدَ بْنَ حُسَيْنٍ، قال: كَانَ
يُقَالُ: «الشُّكْرُ تَرْكُ الْمَعَاصِي»(3).
8- التحدث بالنعمة دون كِبْرٍ ولا مباهاة:
قال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
فَحَدِّثْ) (الضحى: 11)، أي تحدث بها شكرًا لله لا فخرًا على الناس، وينبغي
الانضباط هنا أيضاً بألا يكون في حديثه ما يجرح غيره ممن يفقدون هذه النعم، كأن
يتحدث عن لذة الصحة أمام مريض، أو نعمة الأولاد أمام عقيم.. وهكذا، كما يمتنع عن
الحديث إذا تيقن من وجود الحساد.
9- مداومة العمل الصالح:
الشكر لا يكون
بمجرد ترديد كلمة الشكر، بل يكون بالحرص على العمل الصالح والمداومة عليه، حيث قال
الله تعالى عن آل داود: (اعْمَلُوا
آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) (سبأ: 13)، فدل على أن الشكر يكون بالعمل لا بالقول
فقط.
10- القناعة والرضا بما قسم الله:
من شكر النعمة
أن يرضى المسلم بما قسم الله، ويوقن أن الخير فيما اختاره الله له، حيث إن بعض
الناس يتطلع دائماً إلى ما ليس في يده، فإذا أوتي الخير؛ فإنه لا يرضى به، بل يطلب
ما عند غيره، فعلى المسلم أن يعلم أن ما ساقه الله إليه من نعم إنما هي رزقه،
فيحمد ربه ويشكره، وهنا يزيده الله تعالى، حيث قال: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
__________________
(1) التواضع
والخمول: ابن أبي الدنيا، ص 122.
(2) حطم صنمك
وكن عند نفسك صغيراً: د. مجدي الهلالي، ص 140- 141.
(3) الشكر: ابن
أبي الدنيا، ص 11.