صوت غزة في مهرجان البندقية
اتخذت نسخة
مهرجان البندقية السينمائي، إحدى أعرق الفعاليات السينمائية في العالم لعام 2025م،
طابعاً مأساوياً حزيناً مع العرض الأول لفيلم «صوت هند رجب»،
وقد سلط هذا
الفيلم الوثائقي الدامي، من إخراج المخرجة التونسية كوثر بن هنية، الضوء على الإبادة
الجماعية التي تمارس على أبرياء غزة منذ عامين من قبل جيش الاحتلال الصهيوني
العنصري الذي لم يشهد التاريخ مثيلاً لإجرامه وبشاعته.
ويكشف الفيلم،
من خلال قصة مأساوية لطفلة فلسطينية في السادسة من عمرها، عن إجرام وهمجية وبربرية
الاحتلال الصهيوني.
وقد شكّل
الاستقبال غير المسبوق للفيلم لحظة من الحزن الجماعي وتعبيراً سياسياً قوياً،
يُظهر كيف يُمكن للفن مواجهة الظلم العالمي والمطالبة بالمساءلة عندما تفشل
القنوات السياسية التقليدية.
355 رصاصة في جسد نحيل!
في 29 يناير
2024م، تحولت حياة الطفلة الفلسطينية هند رجب (6 سنوات) إلى مأساة حقيقية، كانت
هند وعائلتها يحاولون الفرار من مدينة غزة عندما تعرضت سيارتهم لإطلاق نار كثيف من
دبابة صهيونية في حي تل الهوى، أدى هذا الهجوم إلى مقتل 6 من أفراد عائلتها، لتصبح
هند الناجية الوحيدة والمحاصرة بين جثثهم.
لساعات طويلة،
ظلت هند في حالة رعب، محاطة بالدبابات «الإسرائيلية» التي كانت تقترب وتطلق النار،
لكن ما جعل قصتها تصل إلى العالم هو مكالمتها المؤثرة مع الهلال الأحمر الفلسطيني،
فقد اتصلت الطفلة بخدمات الطوارئ، وهي تتوسل المساعدة، بينما كانت ابنة عمها، ليلى
حمادة (15 عاماً)، تتحدث معهم قبل أن تُقتل هي الأخرى بالرصاص.
وصلت مكالمة هند
إلى الموظفة في الهلال الأحمر رنا فقيه، التي حاولت تهدئتها وطمأنتها بأن المساعدة
قادمة، في الخلفية، كانت هند تتوسل للمساعدة قائلة: «تعالوا وخذوني، أنا خائفة جداً،
أرجوكم تعالوا».
أرسلت جمعية
الهلال الأحمر الفلسطيني سيارة إسعاف على متنها المسعفان يوسف زينو، وأحمد المدهون
لإنقاذ هند، لكن الاتصال بهم انقطع، وبعد ساعات تم العثور على سيارة الإسعاف مدمرة
ومحترقة، وبداخلها جثتا المسعفين، وجثة هند وقد أطلق عليها وحدها 355 رصاصة.
وقد كشفت
تحقيقات لاحقة، من بينها تحقيق أجرته وكالة «Forensic Architecture» و«مؤسسة هند رجب»، أن سيارة الإسعاف أصيبت بمئات الرصاصات من
مسافة قريبة بالإضافة إلى قذيفة دبابة؛ ما يؤكد أنها استُهدفت عمداً.
في 3 مايو 2025م،
أعلنت «مؤسسة هند رجب» أنه حددت هوية المقدم بني أهارون كقائد لـ«اللواء المدرع
401» الذي شارك في قتل هند، وقد قدمت المؤسسة شكوى جرائم حرب ضده إلى المحكمة
الجنائية الدولية، متهمة إياه باستهداف المدنيين والعاملين في المجال الطبي بشكل
متعمد.
صوت هند رجب
كان عرض فيلم
صوت هند رجب للمخرجة التونسية كوثر بن هنية في مهرجان البندقية السينمائي لعام
2025م لحظة تاريخية ومؤثرة، لم يكن العرض مجرد حدث سينمائي، بل تحول إلى احتجاج
عاطفي وحزن جماعي، بعد انتهاء الفيلم، وقف الجمهور وصفق لمدة قياسية بلغت 23 دقيقة.
شكل الفيلم صدمة
للجميع، وانهمرت دموع الحاضرين، ومن بينهم الصحفيون ورواد المهرجان، وبشكل علني، ضجت
القاعة بصيحات الإشادة والتصفيق الذي اختلط ببكاء الجمهور.
وقد شكل ظهور
ممثلي الفيلم، ومنهم معتز ملحيس الذي جسد دور أحد المسعفين، على السجادة الحمراء
وهم يحملون صورة كبيرة لهند ويلّوحون بالعلم الفلسطيني لحظة كانت الأكثر رمزية، لحظات
طمست الخط الفاصل بين الفن والواقع، حيث نجح الممثلون في إعادة إحياء صدمة الجمهور
بواقع غزة الأكثر مأساوية في التاريخ الحديث.
لم يقتصر تأثير
الفيلم على القاعة، بل تجاوزها إلى المهرجان بأكمله، حيث شارك منتجون تنفيذيون
مشهورون، مثل خواكين فينيكس، وروني مارا، في الترويج للفيلم؛ ما أضفى على قضية هند
رجب ثقلاً عالمياً، وقد أظهرت ردود الفعل العاطفية للجمهور شعوراً متزايداً
بالإحباط من الحكومات التي لا تفعل ما يكفي لوقف الإبادة الجماعية لأبرياء غزة.
وهكذا لم يستضف
مهرجان البندقية مجرد عمل فني مؤثر، بل تحول لمنصة للضمير الإنساني، شاهداً على
قوة السينما في إيصال الأصوات المكبوتة والمطالبة بالمساءلة.
____________________
1- Forensic Architecture, The Killing of Hind Rajab, 2024.
2- Hind Rajab Foundation, War Crimes Complaint Filed
Against Israeli Officer, 2025.
3- Newsweek, A Letter Signed by Thousands of Film
Professionals Urging Venise Film Festival to Take a Stand Against Genocide,
2024.
تابعنا
