ضرورة ممارسة التحدي والتنافس في قاعة التدريب
نستكمل في هذا المقال عرض وسائل التدريب الآسرة للمتدربين، والجاذبة لانتباههم، ونضيف هذه الوسيلة:
- ممارسة التحدي والتنافس في قاعة التدريب:
على المدرِّب المتألق أن يثير حالة من التحدي والتنافس بين المتدربين؛ وذلك لتثبيت القناعات في أذهانهم.
مثال (1): في دورة «مهارات العرض والتقديم» لجامعة الكويت، في أبريل 2017م، تم تحدي المتدربين وتشجيع التنافس بينهم في ممارسة فن الإصغاء للآخرين، وتم عرض 20 سؤالاً مبهماً، وكل سؤال في ظاهره يحتمل أكثر من إجابة، ولكن السائل يقصد إجابة صحيحة واحدة، والأمر يحتاج إلى إصغاء شديد من المتدرب ليفهم ما يقصده السائل، وإليكم بعضاً من هذه الأسئلة لتوضيح المقصد:
- كم متراً مكعباً من الرمل موجود في حفرة طولها يساوي متراً واحداً وعرضها يساوي متراً واحداً وعمقها يساوي متراً واحداً؟
من المتدربين من يقول: مقدار الرمل في هذه الحفرة يساوي متراً مكعباً واحداً، ولكن الإجابة الصحيحة لمن أصغى جيداً هي صفر، لأن الحفرة –بحسب تعريفها– تكون فارغة من الرمل!
- مزارع جمع 4 كومات من العلف إلى 5 كومات أخرى من العلف أيضاً، وجمعها كلها في مزرعته، فكم مجموع الكومات التي أصبحت لديه في المزرعة؟
من المتدربين من يقول: إنها 9 كومات من العلف، ولكن الإجابة الصحيحة لمن أصغى جيداً هي كومة واحدة! لأن المزارع جمعها كلها في مزرعته في كومة واحدة كبيرة!
- طائرة جميع ركابها نمساويون، سقطت على الحدود بين النمسا وألمانيا، وكانت أقرب إلى النمسا منها إلى ألمانيا، أين يدفن الناجون بحسب قوانين الأمم المتحدة: أفي النمسا أم في ألمانيا؟
من المتدربين من يقول: إن الناجين يدفنون في النمسا؛ لأنها أقرب إليها، ولكن الإجابة الصحيحة هي أن الناجين لا يدفنون، بل نحافظ على حياتهم!
لذلك، طرح مثل هذه الأسئلة تبعث الحيوية والطاقة والنشاط في المتدربين أثناء الدورة.
على المدرب أن يثير حالة من التحدي والتنافس بين المتدربين لتثبيت القناعات بأذهانهم
مثال (2): في إحدى الدورات التدريبية للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، بعنوان «الذكاء العاطفي طريقك إلى الترقية»، في 22 ديسمبر 2021م، كنا نركز في هذه الدورة على أهمية التحكم بمشاعر الغضب وإدارتها، للمحافظة على العلاقات مع الآخرين، ومن الوسائل التي عرضت في هذا الأمر إحاطة المرء لنفسه بالهدوء لمدة دقيقة واحدة قبل التصرف، وإرغام نفسه على ذلك بالعد العكسي من 100 إلى 1.
تم تجربة ذلك عملياً من قبل بعض المتدربين في العد العكسي، وتحدى بعضهم بعضاً فيمن يضبط العد العكسي في دقيقة واحدة! كنت قدوة لهم في ضبط ذلك باللغتين العربية والإنجليزية!
مثال (3): في إحدى الدورات التدريبية لمركز ابن الهيثم للتدريب أثناء الخدمة، بعنوان «المدرب المعتمد»، في 3 فبراير 2019م، تم تحدي المتدربين بتمرين الإلقاء المعتدل، حيث أعطي كل متدرب فقرة مكتوبة في ورقة، وطُلب منهم إلقاؤها أمام الجمهور بالسرعة التي قد تعوّدوا عليها، وتم إخبارهم سابقاً بأن أفضل سرعة في الإلقاء الذي تطرب له الآذان تتراوح بين 120 إلى 140 كلمة في الدقيقة، أما إذا انخفضت عن هذه السرعة أو زادت عليها؛ فإن الآذان قد تستوعبها، ولكن لا تطرب لها، فهناك فرق بين الاستيعاب والإطراب.
هناك من المتدربين من تجاوزت سرعات إلقائهم 200 كلمة في الدقيقة، فكنا نقول لهم: خفف من سرعة إلقائك، فإن الجمهور سوف يصاب بالحيرة والدهشة من هذه السرعة، وهناك من المتدربين من قلّت سرعاتهم عن 100 كلمة في الدقيقة، فكنا نقول لهم: زد من سرعة إلقائك، فإن الجمهور سوف يصاب بالضجر والملل من هذه السرعة!
ثم بعد ذلك، طلبنا من الذين رصدوا سرعة في الإلقاء قريبة من 130 كلمة في الدقيقة أن يلقوا بكلمتهم أمام الجمهور؛ ليعرفوا معنى الاعتدال في الإلقاء، ولكي أكون لهم قدوة، طلبت من أحد المتدربين أن يستعمل ساعة الميقات لديه ليقيس سرعة إلقائي، فوجدوها 123 كلمة في الدقيقة!
من الرؤساء الذين يجيدون الإلقاء المعتدل الرئيس الأمريكي (الأسبق) باراك أوباما، حيث ألقى كلمة في الأزهر الشريف عام 2009م، وكانت سرعة إلقائه 228 كلمة في الدقيقة.
ومن الرؤساء الذين لا يجيدون سرعة الإلقاء المعتدل الرئيس الأمريكي (الأسبق) جون كنيدي، حيث ألقى كلمته في أمريكا عام 1961م، وكانت سرعته 328 كلمة في الدقيقة؛ استوعبتها الآذان، ولكن لم تطرب لها.
تكليف المتدربين بتمارين فيها تحدٍّ يجعلهم دائماً متحفّزين ونشطين طوال أيام الدورة
مثال (4): إن من أقوى الطرق في حفر المعلومات بأذهان المتدربين ممارسة التنافس، وتكليفهم بمهمات فيها تحدٍّ.
ما زلت أتذكر اليوم الذي كلفني فيه رئيس مجلس إدارة الصانع للاستشارات الإدارية والقيادية في الكويت بمهمة فيها تحدٍّ كبير، وكان ذلك في عام 1996م، حيث كلفني بالسفر إلى مدينة نيويورك للالتقاء بثلاثة أشخاص من شركة «كوبر لايبراند»، لاعتماد دراسة في جدوى بناء جامعة للبنات في مدينة أبو ظبي.
غادرت الكويت إلى مدينة نيويورك يوم الخميس صباحاً، وصلت إليها الساعة 3 عصراً، بت ليلة واحدة في فندق ذي خمس نجوم، ثم غادرت الفندق في صبيحة اليوم التالي الساعة 9، ثم دخلت ناطحة للسحاب وهي مقر شركة «كوبر لايبراند»، وعقد اللقاء الساعة 10 صباحاً في الطابق 72 ولمدة ساعتين، ثم اعتُمدت الدراسة، وانتهت المهمة، ولم أجد طائرة ترجعني إلى الكويت إلا في مساء اليوم التالي، وصلت إلى الكويت صباح يوم الأحد.
رحلة فيها تحدٍّ كبير لي، وما زالت محفورة في ذهني، وكلما شعرت بفتور في همتي، تذكرت تلك الرحلة، كي أستعيد علوّ همتي!
وهذا ما يجعل المدرب المتألق يهتم بتكليف المتدربين بتمارين فيها تنافس وتحدٍّ، ليجعلهم دائماً متحفّزين ونشطين طوال أيام الدورة وساعاتها.