عالمية القضية الفلسطينية

الحمد لله الذي بارك في أرض الشام
للعالمين: (وَنَجَّيْنَاهُ
وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:
71).
وهي أرض المحشر والمنشر، وبها مجمع
الناس، وبها ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام، وبها يهلك الله الكذاب الدجال.
إن الملامح الإنسانية والعالمية واضحة في
أرض الشام، ويشاء الله أن يجعلها عالمية يورثها لعباده الموحدين الصالحين
المجاهدين الذين لا يخافون في الله لومة لائم.
فها هي معركة «طوفان الأقصى» قد نقلت
القضية الفلسطينية إلى العالمية، بعد أن كانت محصورة في المحلية القُطرية
والإقليمية، ويأبى الله تعالى إلا أن تتصدر العالمية.
فمنظمات حقوق الإنسان العالمية أصبحت
توثق الانتهاكات التي تُمارس بحق الفلسطينيين، والحوارات والنقاشات السياسية في
دول العالم تجعل القضية الفلسطينية حاضرة حية في تلك النقاشات السياسية العالمية.
وتقوم منظمات حقوق الإنسان بدور حيوي في
توثيق الانتهاكات المستمرة التي تُمارس بحق الفلسطينيين؛ إذ تُعد هذه المنظمات
مصدراً موثوقاً للمعلومات حول عمليات القصف والتهجير والتعذيب في السجون.
ومع تطور وسائل الإعلام الاجتماعية،
تزداد سرعة انتشار هذه المعلومات؛ ما يُعزز النقاش حول حقوق الإنسان، ويُبرز ضرورة
إنهاء الاحتلال؛ فمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، على سبيل المثال، قدمت تقارير دقيقة
حول الانتهاكات المستمرة؛ ما يعزز وجود القضية الفلسطينية في النقاشات السياسية
العالمية. (لؤي
صوالحة).
دول متعددة على مستوى العالم الغربي تشهد
مظاهرات وتجمعات واحتجاجات استنكاراً لما يقوم به الكيان الصهيوني بحق أهل غزة من
قتل وتجويع وترويع وتهجير، بل تجاوز ذلك إلى طلاب الجامعات، متحملين الأذى والطرد
جراء رفع العلم الفلسطيني، ومقاطعة كل زائر وضيف صهيوني، ويذكرونه بأنه مشارك في
الإبادة البشرية في غزة مع مجرمي الحرب الصهاينة.
لقد تشكل وعي جمعي عالمي لدى أجيال
العالم، أن الكيان الغاصب الصهيوني يشكل خطراً على السلم العالمي والتعايش
الإنساني، بإصراره على الاحتلال والإبادة والتجويع والترويع والتهجير.
وكذلك القرارات العالمية التاريخية التي
اتخذتها مجموعة دول غربية بالاعتراف بدولة فلسطين دليل على التحول العالمي نحو
مؤشر العالمية للقضية الفلسطينية.
وكان يستعد ناشطون من نحو 44 دولة لأكبر
تجمع بحري عالمي نهاية أغسطس 2025م، لكسر الحصار غير القانوني الذي يفرضه الكيان
الصهيوني الغاصب على غزة؛ (انْفِرُواْ
خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ
اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة: 41).
إن هذه العالمية للقضية الفلسطينية جاءت
بعد تضحيات جسام من الشعب الفلسطيني، وتحمّل للبأساء والضراء وشدة البأس وزلازل
البلاء؛ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن
تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن
قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ
الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ
اللّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214).
هذه العالمية التي تلاشت معها كل مظاهر
الإعلام الصهيوني الكاذب المزوَّر عن أحقية الصهاينة في أرض الإسراء والمعراج،
الأرض العربية المسلمة المقدسة التي بارك الله فيها للعالمين؛ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى
بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى
الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
البَصِيرُ) (الإسراء: 1).
هذه العالمية تحتم على المسلمين في مشارق
الأرض ومغاربها التعاطف والتعاون والمؤازرة لنصرة فلسطين وتحرير المسجد الأقصى
المبارك؛ (فَإِذَا جَاء
وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ
فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً) (الإسراء: 5).
هذه العالمية منطلق لنصرة القضية
الفلسطينية لدى كل مسلم؛ فإذا تعاطف العالم وتداعى لنصرة غزة فمن باب أولى أن
يتداعى المسلمون لهذه النصرة المستحقة.
إن العالمية للقضية الفلسطينية ممكن أن
تتحول إلى مشروع سلام عالمي إذا تضافرت الجهود العالمية لدحض السرديات الصهيونية
عن الأحقية بالأرض العربية المسلمة التي لم يرَ العالم منها إلا الدمار والخراب
والعنصرية والإرهاب؛ وبالتالي لا بد من تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني ورد الحقوق
إلى أهلها بوقفة إنسانية عالمية، بها يعرف الصهاينة حجمهم وجرائمهم وتاريخهم
الحقيقي بعيداً عن الكذب والبهتان والخرافات، ومن خلال عالمية القضية الفلسطينية
يتعرف العالم على رسالة الإسلام العالمية، رسالة السلام والرحمة؛ (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا
رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).
والحمد لله رب العالمين.