عامان على «طوفان الأقصى».. ملحمة المقاومة وعودة الوعي للأمة

مدير التحرير

07 أكتوبر 2025

43

في السابع من أكتوبر 2023م، لم يكن فجر «طوفان الأقصى» حدثًا عسكريًا عابرًا، بل كان زلزالًا أعاد رسم خريطة الوعي الإسلامي والعالمي تجاه القضية الفلسطينية، وهزّ أركان الغطرسة الصهيونية التي طالما ظنت أن الأمة قد نامت عن قدسها، وأن المقاومة لفظت أنفاسها الأخيرة.. واليوم، ونحن نطوي عامين على تلك الملحمة، لا نحتفي بذكرى معركةٍ فحسب، بل نستحضر روحًا نهضت من قلب الجراح لتقول للعالم: ما زال في الأمة خيرٌ لا يموت.

منذ اللحظة الأولى لـ«الطوفان»، تهاوت الصورة الأسطورية للجيش الذي لا يُقهر، وارتبك الكيان في مواجهة مجموعة من المؤمنين الذين آمنوا بقوله تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) (البقرة: 249).

فكانت تلك العملية فاتحة فصل جديد من الصراع، أعادت للأمة ثقتها بذاتها، وللمقاومة مكانتها في الوجدان، ولفلسطين حضورها في الضمير الإنساني بعد عقود من التزييف والتطبيع والتناسي.

لقد كشفت أحداث العامين الماضيين أن «الطوفان» لم يكن معركة ميدانية فحسب، وإنما مشروع حضاري في وجه مشروع استعماري استيطاني، أعاد توجيه البوصلة نحو القدس، وفضح من يهرولون إلى التطبيع تحت شعارات «السلام والازدهار».

انكشفت الأقنعة، وسقطت دعاوى الحياد الإنساني المزيّف، وظهر الحق بأبهى صوره في صمود أهل غزة الذين صنعوا من ركام البيوت منابر للكرامة والإيمان.

ورغم فداحة المجازر التي ارتكبها الاحتلال، ومحاولات الإبادة والتجويع والتهجير، فإن روح المقاومة لم تنكسر، بل ازداد الوعي الشعبي العربي والإسلامي تجذرًا وإصرارًا على دعم فلسطين بكل السبل الممكنة، ولهج الملايين من المسلمين بالدعاء لغزة ولعن الصمت الدولي المتواطئ.

لقد وحدت غزة الأمة كما لم تفعل القمم السياسية ولا البيانات الرسمية.

وفي العامين الماضيين، تبلورت حقيقة لم يعد يمكن تجاهلها: أن معركة «الأقصى» ليست شأنًا فلسطينيًا داخليًا، بل هي معركة الأمة بأسرها، هي معركة الهوية والعقيدة، معركة العدالة والكرامة، معركة بين مشروع تحرير ومشروع هيمنة.

من هنا، جاءت وصايا العلماء والمفكرين والدعاة لتؤكد أن دعم المقاومة واجب شرعي، وأن نصرة المظلوم فريضة، وأن الأمة إن تخلّت عن أقصاها فقدت روحها ومكانتها.

لقد علّمنا «الطوفان» أن القوة ليست فقط في السلاح، بل في الإيمان والوعي والإرادة، وأن العدو مهما امتلك من تكنولوجيا ومخابرات، يظل هشًّا أمام صاحب العقيدة الصادقة، كما أثبتت التجربة أن الإعلام الحرّ والمقاوم صار سلاحًا لا يقل أثرًا عن البندقية، وأن الكلمة الصادقة والصورة الصادمة هزّت ضمائر الملايين وكسرت احتكار الرواية الصهيونية.

واليوم، بعد عامين من «الطوفان»، لا يزال السؤال قائمًا: ماذا بعد؟

الجواب في وعي الأمة المتجدد، وفي وحدتها التي بدأت تتشكل رغم التحديات، فالمعركة لم تنتهِ، لكنها انتقلت من الميدان إلى كل قلبٍ وعقلٍ عربي ومسلم.

مسؤولية المرحلة القادمة هي تحويل الزخم العاطفي إلى مشروع حضاري متكامل؛ في التربية، والإعلام، والسياسة، والاقتصاد، لدعم الصمود وإحياء الأمل.

سيظل «طوفان الأقصى» علامة فارقة في تاريخ الأمة، مثل يوم «بدرٍ»، و«حطين»، و«عين جالوت»؛ لأنه أيقظ في النفوس معنى قوله تعالى: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7).

وبين ركام غزة، تولد أجيال تحفظ القرآن على ضوء الشموع، وتتعلم أن طريق القدس مفروش بالصبر والتضحية، وأن الأمة التي لا تنسى شهداءها، لا تموت قضيتها.

إنها ملحمة الإيمان في وجه الطغيان، ورسالة الأمة للعالم: «الأقصى» لنا، والقدس لنا، والحق لا يُستردّ إلا بالجهاد والصبر والثبات.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة