عامان من الإبادة.. غزة بين انهيار مقومات الحياة وسقوط الأخلاق والقوانين الدولية

أتمت
الحرب على غزة عامها الثاني في 7 أكتوبر 2025م، وخلال عامي الإبادة المستمرة تحولت
مناطق واسعة من القطاع إلى ركام، وانفجر وضع إنساني واجتماعي وقانوني لا يُشبه أي
شيء شهدته المنطقة منذ عقود؛ من انهيار مقومات الحياة الأساسية، وتفكك واسع
للروابط الاجتماعية، واتِّساع دائرة الاتهامات بانتهاكات صهيونية جسيمة للقانون
الدولي الإنساني.
انهيار مقومات الحياة
في خضم
الأزمات الممتدة، لم يعد انهيار مقومات الحياة مجرد خطر مستقبلي، وإنما واقع يومي
يعيشه السكان بكل تفاصيله، الغذاء والماء والدواء والمأوى، ركائز البقاء الأساسية،
باتت جميعها مهددة أو منهارة؛ ما جعل أكثر من مليوني شخص يواجهون معركة قاسية من
أجل البقاء، صورة قاتمة عن حاضر يزداد قسوة؛ من سوء تغذية متفاقم، ووصول شبه معدوم
إلى الغذاء والماء والدواء، ومنظومة صحية عاجزة، وموجات نزوح لا تهدأ، هذه ليست
أرقاماً جامدة، وإنما حياة مهددة، وأجيال بأكملها تقف على حافة الانهيار.
1- الغذاء
والتغذية: برامج الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية وثقت معدلات انعدام الأمن
الغذائي الحادة وتزايد حالات سوء التغذية بين الأطفال، وتقييمات رسمية تشير إلى أن
مئات الآلاف ومنهم أعداد كبيرة من الأطفال دون الخامسة يواجهون مستويات حرجة من
نقص التغذية الحاد، مع تسجيل ارتفاع واضح في حالات الدخول إلى المستشفيات لأسباب
متعلقة بسوء التغذية خلال عام 2025.
2- المياه
والصرف الصحي: الوصول إلى الماء الآمن انهار بعد 7 أكتوبر 2023م، حيث كان متوسط
استهلاك المياه يصل إلى نحو 80–85 لتراً للفرد يومياً؛ أما خلال الحرب فاضطر سكان
غزة إلى الاكتفاء بكميات طوارئ لا تتجاوز مستوى الحد الأدنى للمعايير الإنسانية
(15 لتراً للفرد يومياً)؛ ما أثر على الشرب والنظافة والصحة العامة ورفع خطر
الأمراض المنقولة بالمياه.
3-
الخدمات الصحية: البنية الصحية تعرضت لتدمير ونقص مستمر في الأدوية والمستلزمات؛ ما
أدّى إلى انهيار قدرات الاستجابة الطارئة والوقاية والعلاج (حالات الولادة الآمنة،
ورعاية الأطفال، وأمراض مزمنة)، إضافة لجرحى الحرب، والمستشفيات العاملة تعمل فوق
طاقتها وتفتقر إلى الكهرباء والسولار والأكسجين والمستلزمات الأساسية والطبية.
4-
المأوى والنزوح: نزوح داخلي واسع وحالات تهجير قسري جعلت نسبة كبيرة من السكان في
الخيام، مع تراجع القدرة على العودة أو إعادة الإعمار بسبب الدمار الواسع ومنع
دخول المواد.
انهيار أخلاقي واجتماعي
الحرب
الطويلة وضغط الحصار والفقر الشديد تركت آثاراً اجتماعية عميقة؛ من ارتفاع معدلات
الفقر والبطالة والجوع، وتزايد حالات العنف والجريمة، واضطرابات نفسية واسعة لدى
الأطفال والبالغين، وتآكل شبكات التكافل والنسيج الاجتماعي التقليدية، وأسر فقدت
القدرة على تلبية أبسط حاجاتها، ونزاعات داخلية على الوصول إلى المساعدات، وأطفال
محرومين من التعليم والخدمات النفسية، هذه الظواهر ليست طبيعية، وإنما انعكاس
لانهيار منظومات متكاملة تحمي المواطنين في الأوقات العادية.
انهيار القوانين الدولية والفضاء الأخلاقي الدولي
تزايدت
حدة النقاشات الدولية حول المساءلة القانونية في الحرب على غزة، لتأخذ منحى أكثر
جدية مع صدور اتهامات موثّقة من منظمات حقوقية وأممية بارتكاب دولة الاحتلال
انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، لم يعد الحديث مقتصراً عن انتهاكات عابرة، بل وصل
إلى توصيفات مثل «جرائم حرب»، و«جرائم ضد الإنسانية»، و«إبادة»، وهي مصطلحات تحمل
ثقلاً قانونياً وسياسياً كبيراً.
وفي
موازاة ذلك، تم فتح تحقيقات وإجراءات قانونية على مستويات مختلفة؛ شكاوى وإجراءات
أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتحقيقات لجان أممية، وعمل هذه المؤسسات واجه
هجمات سياسية ودبلوماسية، ومرّ عبر مسارات إجرائية معقّدة (طلبات مذكرات اعتقال
أمام المحاكم، ومناقشات حول الاختصاص، وضغوط دبلوماسية).
ورغم
التبعات السياسية المتباينة، فإن وجود مسار قانوني دولي فاعل يعكس إدراكاً
متزايداً لوجود مسائل تستلزم مساءلة جنائية أو على الأقل توثيقاً رسمياً، يعكس
وعياً متنامياً بضرورة وضع حد لثقافة الإفلات من العقاب، وإيجاد إطار رسمي يضمن
التوثيق والمحاسبة في مواجهة أخطر الانتهاكات.
مسارات المسؤولية والعدالة
1-
التتبع القانوني: المسار أمام المحكمة الجنائية الدولية ومسارات الشكاوى الأممية
والعُرفية الدولية مستمرة؛ بعض دول العالم اضطلعت بمواقف داعية للتحقيق أو سحبت
دعمها السياسي عن سياسات معينة لدولة الاحتلال، فيما عملت دول أخرى على مقاومة أي
إجراءات سياسية وعسكرية، الاستجابة القانونية لن تكون سريعة أو تلقائية، لكنها
تفتح أبواباً للوثيقة، وللمساءلة الجزئية أو الكاملة على المدى المتوسط والطويل.
2- الضغط
الدولي والسياسي: منظمات حقوقية رائدة ودول عدة طالبت بإنهاء الحرب والحصار فوراً،
وفتح كل المعابر أمام المساعدات، والضغط الشعبي والدبلوماسي أدى إلى وقف تصدير
أسلحة وصفقات للاحتلال قد تسهم في استمرار الإبادة.
أرقام حقيقية مفصلّة
تُظهر
المؤشرات الميدانية والبيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة وتقارير الأمم المتحدة حجم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي يعيشها قطاع غزة منذ السابع من
أكتوبر 2023م، فقد تجاوزت أعداد الضحايا عشرات الآلاف بين شهداء وجرحى، فيما
تزايدت أعداد النازحين داخلياً ليشملوا نسبة كبيرة من السكان الذين وجدوا أنفسهم
في حاجة ماسّة إلى المساعدات الإنسانية، ولم يقف الأمر عند النزوح وفقدان المأوى،
بل امتد إلى تهديد مباشر للحياة عبر تفاقم أزمة الغذاء وسوء التغذية، خصوصاً بين
الأطفال، حيث كشفت المسوحات عن نسب حرجة تجاوزت مستويات الطوارئ المعترف بها
دولياً، هذه الأبعاد المتراكبة تُبرز صورة مأساوية لانهيار شامل يطال الجوانب
الأساسية للبقاء.
- الوفيات
والإصابات: تقديرات وزارة الصحة في غزة والتقارير الموحدة تشير إلى أعداد قتلى
فاقت 70 ألفاً ومئات الآلاف من الجرحى.
- المتأثرون
والنازحون: أكثر من نصف سكان غزة اعتمدوا على المساعدة الإنسانية، ومئات الآلاف
نزحوا داخلياً بشكل متكرر.
- سوء
التغذية: سجّلت مسوحات الأطفال ارتفاعاً حادّاً في نسب سوء التغذية الحادّة، مع
مناطق أبلغت عن نسب تفوق حدود الطوارئ
توصيات أساسية
- فتح
ممرات إنسانية آمنة وفورية للإغاثة الطبية والغذائية والمياه، دون شروط تعجيزية،
وبآلية تضمن التوزيع الموصول والشفاف.
- حماية
المدنيين وفق القانون الدولي ووقف أي أوامر أو سياسات تُسهم في تهجير قسري أو
حرمان من وسائل البقاء.
- دعم
إعادة الإعمار واستعادة الخدمات الأساسية مع إشراف دولي مستقل للتحقق من فعالية
الوصول والإنصاف في التوزيع.
- تحقيقات
قضائية فعّالة وشفافة لتوثيق الانتهاكات وملاحقة المسؤولين عن جرائم الحرب
الصهاينة والانتهاكات الخطيرة، مع ضمان حماية الشهود والضحايا.
غزة
بعد عامين ليست مجرد بقعة جغرافية مدمرة؛ هي منطقة إنسانية محطمة وشروط عيش مفككة،
وامتحان ضمير دولي وقانوني.
إن ما
يجري يتجاوز المأساة التقليدية للحرب إلى أسئلة جدّية عن انتهاك المعايير الأساسية
لحماية البشر وفق القانون الدولي، وإن الحلول الإنسانية العاجلة والمتابعة
القضائية الضرورية هما وحدهما ما يمكن أن يخففا جزءاً من هذا الدمار ويمنعا
تكراره.