عقوق الآباء.. انتكاسة للفطرة وآلام لها صدى تؤثر على الأبناء
اتفقت جمع الأديان والمجتمعات والأعراف على إطاعة الوالدين والإحسان إليهما، فقد أوصى الله سبحانه وتعالى ونبيه الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ببر الوالدين وحسن معاملتهما والدعاء لهما، وقد أمر سبحانه بالإحسان إلى الوالدين وقرن هذا الأمر بعبادته ليدلل على عظمته ومكانته، حيث قال تعالى في كتابه الحكيم: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وبينما الجميع منشغل حول كيفية الحد من عقوق الأبناء إلى آبائهم وكيفية التخلص من هذه الظاهرة الخطيرة أو منع ظهورها من خلال توفير ورش عمل مستمرة للوصول إلى أسباب ومسببات هذه الظاهرة، انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة مشابهة إلى ظاهرة عقوق الوالدين ولكن بمنظار معاكس.
وعقوق الآباء لأبنائهم ظاهرة يتجاهلها كثير من الآباء رغم أنها خطيرة جداً، فنجد أن بعض الآباء يكذب أمام ابنه الصغير وهو لا يبالي، والبعض الآخر لا يهتم بابنه إلا في المأكل والمشرب، ولا يسأل ابنه هل صلى في جماعة، أم كم حفظ من كتاب الله، ومن هم أصدقاؤه، والبعض الآخر يتشاجر مع زوجته أمام ابنهما. وهذا كله عقوق للأبناء بل وصل الأمر أن يدمن الوالد المخدرات وهو ما يؤدي إلى تحطيم الأسرة.
نعق أبناءنا دون أن ندري
قال الداعية الإسلامي الشيخ عمر عبدالكافي: أحياناً نعق أبناءنا دون أن ندري، وأول عقوق يتمثل في ألا نحببهم في الدين ولا نكون قدوة لهم في السلوك والألفاظ ولا نصلي أمامهم، والأم التي تبغض أبناءها في أعمامهم وأخوالهم أو الأخ الذي يقطع أولاده عن أهله.
وينشأ ناشئ الفتيان منا عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
ومن جانبه، قال الداعية الإسلامي الشيخ عثمان الخميس: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه وأنَّبَه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه، ويُحسن اسمه، ويُعلمه الكتاب (القرآن)، فقال الابن: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك: أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلاً "جعراناً"، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل، وقال له: أجئت إليّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.
وتابع الخميس: الآن صرنا نسمع عن عقوق الوالدين أي أن الوالد هو الذي يعق ويسألني بعض الأبناء ويقول لي إن أمي تدعو علىَّ ليلاًَ ونهاراً وأبي يظلمني ويأخذ أموالي لم نتعلم منهم شيئاً فصار بعض الأبناء يشكون عقوق الوالدين فعلى الآباء والأمهات أن يتقوا الله وأن يربوا أولادهم تربية صالحة لأن تربيتهم صلاح لهم وستكون البر طاعة مشيراً إلى أنه قد جاءه أحد الأبناء يشكو أباه ويقول إن أبي كذاب نمام يسب ولا يصلي ماذا أفعل؟
من أكبر مظاهر عقوق الأبوين قسوة عندما ينفصل الوالدان بالطلاق
وقالت الكاتبة في جريدة "الراية" القطرية ناهد العجب: يتكلم الجميع عن عقوق الأبناء لآبائهم وأمهاتهم ولكن لا يتطرق أحد لعقوق الآباء والأمهات لأبنائهم وبناتهم، نعم، هناك عقوق الوالدين للأبناء ففي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يَقُوت»، ويجب التأمل في هذا الحديث جيدا فإن كان المرء يقوم بكافة العبادات ولكنه ضيع أبناءه ولم يقم بواجبه تجاههم فقد ظلم، ومعروف عقاب الظالم يوم القيامة. من المهم على الوالدين معرفة حقوق أبنائهما عليهما فمنذ ولادة الطفل من حقه الرضاعة من والدته فيتوجب على الأم إرضاع صغيرها وعدم استسهال الأمر ورمي الطفل على المربية مع الحليب الصناعي لترتاح، وكذلك يتوجب على الأب توفير الأساسيات المادية التي يحتاجها ابنه من الملبس والمأكل وتوفير المأوى والعلاج والتعليم، والأهم منها التربية الدينية، فيعرف الابن والابنة أركان الإسلام وأركان الإيمان ويتربى على القيم الأخلاقية العليا للدين الإسلامي التي تنمي الخلق العام فيكون إنسانا صالحا بارا بوالديه وبأرحامه صادقا أمينا محبا للخير، مخلصا في عمله، متعاونا مع الناس، ومساعدا لهم. نرى للأسف صورا كثيرة لعقوق الآباء للأبناء، منها الإهمال في التربية والاعتماد والاتكال على الغير فالأب يتكل كليا على الأم، والأم تتكل على المربية!
وتابعت العجب: نرى صورا من حب التملك فنجد الأم تتوعد بالغضب من أبنائها ليقوموا بما تريد حتى وإن كان ذلك ضد رغبتهم، ناهيك عن إمكانية التدخل في الشؤون الأسرية للابن وزوجته ومحاولة السيطرة واستغلال محبة الابن وخوفه من الله ورغبته في إرضاء والدته في التضييق على زوجة الابن والتي تصل في بعض الأحيان للطلب من الابن تطليق زوجته! ومن الصور أيضاً تبرير العنف اللفظي والجسدي ضد الأبناء بالخوف عليهم وتربيتهم والذي لن يؤدي إلا لضعف الشخصية والتحطيم النفسي وما له من أثر سلبي على الشخص وعلى تعاملاته مع الغير.
وأضافت العجب: من أكبر مظاهر عقوق الأبوين قسوة عندما ينفصل الوالدان بالطلاق، فيتجرد الأب من أبوته ويتخلى عن الأبناء ويهمل رعايتهم والإنفاق عليهم فتوكل المهمة للأم التي ستواجه الحياة مع تركة أبناء يجب عليها أن تقوم بكامل المسؤولية تجاههم وهي تشعر بالظلم لأنها يجب عليها ذلك وفي المقابل تجد الأب يتزوج من أخرى ويقوم بإنجاب أبناء يقوم برعايتهم ونجد بأنه في معظم الحالات يفرق الأب بين أبنائه من الزوجة الأولى والزوجة الثانية ليس فقط ماديا بل أيضا معنويا، فأي عقوق هذا! ويجب أن تعرف الأم أيضاً بأنها آثمة إن لم تقم بدورها وتؤجر إن قامت بالعكس، فلا يجب أن ينشأ الأبناء على عقدة ذنب ويعاقبون ويلامون على قرار ليس لهم دور به، وهو زواج والديهم وطلاقهما فهم ثمرة زواج اثنين يجب عليهما تحمل مسؤوليتهما وعدم معاملتهم كابتلاء بعد الطلاق إن هذه الأمور يجب أن يقوم رجال الدين والخطباء بالمساجد بالتطرق لها وتوعية الوالدين ببر أبنائهما والاهتمام بهم وبتربيتهم التربية السليمة المبنية على الحب والاهتمام والرعاية الجسدية والنفسية والأخلاقية وتحمل المسؤولية حتى في حالة الانفصال والطلاق، فبالعكس يجب على الوالدين أن يقوما بدور أكبر لتعويض الأبناء عن عدم النمو في بيئة طبيعية تتكون من أب وأم.
سوء الأخلاق أمام الأبناء
فيما قال مستشار العلاقات الاجتماعية د. جاسم المطوع: من خلال معايشتي لقصص كثيرة لمشاكل الآباء مع أبنائهم جمعت 6 أسباب تؤدي لخسارة علاقة الأب مع أبنائه، وهذه الأسباب هي: أولها البخل، فعندما يكون الأب الميسور بخيلاً على ابنه ولا يعطيه مصروفاً أو يشتري له احتياجاته الأساسية من لباس وأدوات تعليم وترفيه وغيرها، وبالمقابل يرى الابن والده يصرف على نفسه في الأمور الضرورية والكمالية بإسراف شديد، فينشأ الابن كارهاً لوالده معتمداً على أمه أو جدته في المصروف أو أحياناً يلجأ للسرقة أو الأخذ من أصدقائه.
وبين المطوع أن السبب الثاني هو: العنف، سواء كان العنف بالكلام من شتم واستهزاء وتهديد وتحقير، أو العنف اليدوي من خلال الضرب ما يجعل الابن يهرب من المكان الذي يتواجد فيه والده، وكم من قصة عشتها لأبناء وبنات هربوا من بيوت آبائهم لهذا السبب، بالإضافة إلى الدمار النفسي لشخصيتهم بسبب كثرة الإهانات والضرب، فتكون ثقتهم بأنفسهم مهزوزة ويبتعدون عن الأصدقاء ويميلون للانطوائية وبعضهم يصاب بأمراض نفسية.
وأضاف المطوع أن السبب الثالث هو: سوء الأخلاق وخاصة أمام الأبناء، وذلك عندما يشاهد الابن أباه في حالات الانحراف السلوكي مثل شرب الخمر والسكر أو العلاقات النسائية المحرمة أو لعب القمار أو تعاطي المخدرات أو مشاهدة الأفلام المخلة بالأدب وغيرها من السلوكيات الخاطئة، أو يشاهد عنده انحرافاً في العقيدة مثل الإلحاد أو التحدث بأسلوب سيئ عن الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم.
وتابع المطوع: السبب الرابع هو: جفاف المعاملة والكلام فيعامله بطريقة رسمية وكأنه في ثكنة عسكرية، فلا يظهر له العاطفة والحب والشفقة، ولا يشعره بأنه فخور به وأنه قرة عينه، وأذكر بالمناسبة في إحدى المحاضرات سألت الحضور وكلهم كانوا من الرجال، فقلت لهم: متى آخر مرة لمست ابنك؟ فاستغربوا من السؤال وكان بعضهم ينظر لبعض فأجاب البعض بأنهم لم يلمسوا أبناءهم في حياتهم، وبعضهم قال: لمست ولدي في العيد الماضي ويقصد من ثلاثة أشهر، وواحد أو اثنان قالا نحن نلمسهم ونلعب معهم دائماً، فالعلاقة الجافة مدمرة وتساعد على بُعد الأبناء عن آبائهم.
وأشار المطوع إلى السبب الخامس هو: كثرة انشغال الأب وغيابه عن أبنائه أو بسبب كثرة سفره عنهم، وإذا رجع لبيته ورأى أبناءه لا يعوضهم ولا يجلس معهم ولا يتحدث إليهم أو يلعب معهم، فيكون غائباً في حياتهم أثناء غيابه، وغائباً كذلك أثناء حضوره معهم، فهو الأب الحاضر الغائب، فلا يشعر الأبناء في مثل هذه الحالة بأي مودة أو محبة منهم تجاه والدهم.
وقال المطوع : السبب السادس هو: إهانة الأم وسوء معاملتها أمام الأبناء، ففي الغالب يتعاطف الأبناء مع أمهم بسبب ضعفها وقوة علاقتها بهم، فلهذا يخسر الآباء أبناءهم في حالة سوء معاملتهم لأمهم إما بكثرة ضربها أو إهانتها أو العصبية والصراخ عليها أو بعدم الإنفاق عليها، وهم يشاهدون أمهم كيف تتعب من أجلهم وتعمل من أجل أن تصرف عليهم، وأذكر قصة عشتها وهي أن رجلاً طلق زوجته بعد 20 سنة من الزواج وطلب من أبنائه الأربعة أن يذهبوا معه في البيت الذي يسكن فيه، فلم يذهب معه أحد بسبب مشاهدتهم لسوء معاملة أمهم وصرفها عليهم، وصاروا بعد الطلاق لا يسألون عنه وحتى في المناسبات والأعياد لا يسلمون عليه ولا يذهبون إليه بسبب كراهيتهم له، فهذه 6 أسباب رئيسية تسهم في خسارة الآباء لأبنائهم، وعكسها تماماً تزيد من علاقة الآباء بأبنائهم.
واختتم المطوع قائلاً: كم من فتاة أعرفها تريد أن تعيش في الحياة من غير زوج بسبب ردة فعلها لما رأته في حياتها من سوء معاملة أبيها لها أو لأمها وإخوانها، فصارت تظن أن كل الرجال مثل أبيها وعزفت عن الزواج، وهذه من سلبيات ما ذكرنا من تصرف الآباء السيئ مع أبنائهم، فالأب ينبغي أن يكون نعمة لا نقمة ومصدر الأمان والحماية للأسرة لا مصدر تهديد وخوف ورعب.
أهم صور عقوق الآباء للأبناء
وقال الباحث في الموسوعة الفقهية الكويتية والمحاضر بكلية الشريعة جامعة الكويت د. مسعود صبري: حتى نقف على الظاهرة من الناحية السلوكية في المجتمع يجب ألا نقف موقف المنظر الذي يقول: هذا واجب، وهذا حرام، وهذا حلال، وهذا خطأ، وهذا عيب، بل نحن في حاجة إلى الغوص في حالات المجتمع حتى تتكون لنا صورة قريبة إلى الصورة الشاملة لهذه الظاهرة.
وتابع صبري: من أهم صور عقوق الآباء للأبناء التفرقة في المعاملة فبعض الآباء والأمهات يجد بعض الأبناء أقرب إلى قلوبهم، فيظهرون هذا في معاملتهم؛ وهو ما يولد حقدا وكرها من الولد للأم والأب والإخوة أيضا، ولا يمكن لنا أن نحجر على الحب الزائد، فقد كان يعقوب عليه السلام يحب ولده يوسف -عليه السلام- أكثر من إخوته؛ وهو ما حدا بهم إلى محاولة قتله والتخلص منه، فرموه في البئر، غير أن يعقوب كان يدرك هذا تماما، ولم يكن يظهره.
وأضاف صبري: كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا انتشر مرض في المجتمع، جمع الصحابة وخطبهم قائلا: “ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا”، حتى يلفت الانتباه إلى الخطر، ولما رأى يوسف عليه السلام الرؤيا {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}، قال له أبوه يعقوب عليه السلام {يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}، ثم فسر له الرؤيا، فقد أدرك خطر معرفة إخوته للرؤيا، وأن كيدهم سيزيد له، فقدم الأهم على المهم، ونصحه بإخفاء الأمر على إخوته أولا، ثم فسر له الأمر ثانيا.
وأردف صبري قائلاً: إن كنا لا نستطيع مصادرة القلوب، وأن نجعلها تقسم الحب بالتساوي، فيجب أن يظهر هذا في الأعمال المادية، من التسوية بين الأبناء في العطية، والابتسامة والقبلات وغيرها قدر الإمكان، وقد رفض الرسول أن يشهد على هبة والد لأحد أبنائه، وقال له: “إني لا أشهد على جور”. وهذا يعني أنه قد يكون في القلب حب زائد لولد دون آخر، بشرط أن يبقى شيئا قلبيا “اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك”.
وأكد صبري أن بعض الآباء يرون أن تشديدهم على أبنائهم في بعض مظاهر الدين هو الدين كله، مع أنهم يخطئون في حق أبنائهم، فيتهمون أبناءهم في بعض السلوكيات على أنهم “فسقة”، وأنهم “منحلون”، وأنهم يريدون العبث واللهو، وهذا حرام، مع أن هذا الشيء قد لا يكون حراما، فهذا التضييق والتشدد يجعل الأبناء في حالة تشتت؛ لأن التشدد من الآباء يلقي بظلاله عليه.
وطالب صبري الآباء أن يدركوا طبيعة المرحلة التي يعيشها أبناؤهم، وأن يدركوا أيضا أن الأجيال مختلفة، وأن التأثيرات في البيئة المحيطة تحدث نوعا من التغيير ولهذا ما أحسن ما كان يعالج به النبي صلى الله عليه وسلم خطأ الناس، ومثال ذلك الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنى، وكاد الصحابة أن يجنوا من طلبه وأن يبطشوا به، ولكنه قربه منه، وكلمه بحوار العقل والقلب، وطرح عليه أسئلة تهدم، بالحوار البناء، رغبته الهدامة، فقال له:” أترضاه لأمك؟” قال: لا والله يا رسول الله. فقال له صلى الله عليه وسلم: “فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم”، أترضاه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله؟ قال: فإن الناس لا يرضونه لأخواتهم… وما زال به يذكر أقاربه من عمته وخالته، ثم وضع يده على قلبه، ودعا له بالهداية، فخرج الشاب وهو يقول: والله يا رسول الله ما كان أحب إلى قلبي من الزنى، والآن ما أبغض إلى قلبي من الزنى. فإن رأى الآباء شيئا يكرهونه من أبنائهم، فليكن الحوار هو السبيل الأمثل للاقتناع لأجل ترك شيء، أو فعل شيء.
وبين صبري أن من صور العقوق أيضا إظهار الآباء أنهم يملكون الحق الأوحد، وأن الأبناء دائما على خطأ، فيشعر الأبناء أن آباءهم وأمهاتهم لا يملكون القدرة على خطابهم، وأنهم يسيئون إليهم دائما؛ وهو ما يحدث فجوة كبيرة بين الآباء والأمهات مبيناً أن احترام آراء الأبناء وسماعهم والتحاور معهم وإقناعهم هو السبيل للتربية الصالحة، أما أن يكون الآباء والأمهات ملائكة لا يخطئون، فهذا هو الخطأ بعينه، ولا يظن الآباء أنهم باعترافهم أنهم كانوا خاطئين في هذا الموقف أن صورتهم تهتز أمام أولادهم، إنها إن اهتزت لأول وهلة، ولكنها ما تعود لتثبت كالجبال الرواسي، كما أنه يولد في الأبناء الاعتراف بالخطأ، وما يتبع هذا من فوائد في حياة الأبناء.
الاستبداد في الرأي
وقال صبري من صور العقوق أيضا؛ الاستبداد في الرأي، وخاصة إذا كان هذا الرأي متعلقا بالأولاد، وأخطر هذا الاستبداد أخذ قرار بتزويج فتاة دون رضاها، فهذا من أشد العقوق، وقد جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه أن والدها أراد أن يزوجها قريبا لها ليرفع به خسيسته، فرد الرسول صلى الله عليه وسلم الزواج، فلما رأت الفتاة أن الأمر لها، قالت: يا رسول الله، قد أجزت ما أجاز أبي، غير أني أحببت أن أعلم من ورائي من النساء أن ليس للآباء في هذا الأمر شيء وهو درس للآباء أن من يتقدم قد توافق عليه الفتاة، وتراه مناسبا لها، غير أنها حين تشعر بالإجبار ترفضه، وموافقتها حق شرعي يسبق موافقة الأب نفسه؛ لأن هذه معيشتها وعشرتها لا معيشة أبيها ولا عشرته، ولكن يشترط موافقة أبيها لأنه الحارس الأمين عليها.
وأضاف صبري أن من مظاهر العقوق أن يدخل الوالد ولده -أو بنته- كلية لا يرغب فيها، أو أن يفرض عليه عملا معينا لا يحبه، أو مهنة لا يهواها، كل ذلك نوع من الاستبداد المرفوض، والذي يجب أن ينتهي الآباء عنه فورا مشيراً إلى أن من أهم مظاهر العقوق، فعدد غير قليل من الآباء المتزوجين لهم علاقات حب وعشق مع نساء أخريات، وهذا -فضلا عن حرمته- فإنه يؤثر سلبا على تربية الأولاد، بل يكتشف الأبناء -في بعض الأحايين- هذه العلاقة، فتنهار كل المثل العليا التي يرونها في أبيهم، وتتحطم في عيونهم الصورة الجميلة للأب، وقد يؤثر هذا عليهم سلبا فينشئوا هم علاقات محرمة؛ لأنه عند غياب التربية قد يقع الأبناء في معاصي الآباء.
وتابع : من مظاهر العقوق الاهتمام بالمظهر دون المخبر، فكثير من الآباء يعتقدون، بالخطأ، أن دورهم محصور في توفير الطعام والشراب لأبنائهم، فيسعى للسفر حتى يعيش أبناؤه في معيشة أفضل، وهذا أمر لا بأس به لكن لا بد من دراسة الأمر جيدا من كل النواحي؛ فالسفر له موازناته، وقبل اتخاذ قرار بالسفر وترك الأولاد والزوجة يجب أن يقع حوار ومشورة بين الزوجين، كما لا بد من دراسة أثر ذلك على الأولاد، فمن الناس من سافر لجلب المال، فقامت الزوجة بدورها وحافظت على أبنائها، ومن الناس من أضاع أبناءه بسفره، بل ربما ضاعت زوجته مع أولاده أيضا.