عليك بذر الحَبّ لا قطف الجَنى

الإنسان في هذه الدنيا يبذل وسعه من أجل بلوغ أهدافه، وتحقيق إنجازاته، والوصول إلى ما يطمح إليه، خصوصاً إن كانت تلك الأهداف في معالي الأمور وكرائمها، التي يتقرب فيها الإنسان إلى ربه تبارك وتعالى بخدمة الدين، ونصح العباد، والارتقاء بالنفس في شتى الجوانب والمجالات، وفي زمن أصبح النجاح فيه خاضعاً لمؤشرات، والأثر يقاس وفقاً لمعدلات، وتحقيق النتائج السريعة الملموسة هي أسمى الغايات، أصيب كثير من المجتهدين الذين لم يحققوا طموحاتهم، ولم يبلغوا أهدافهم باليأس والقنوط والإحباط، على الرغم من بذلهم الجهد، وأخذهم بالأسباب، وعملهم المتقن، وإخلاصهم في القصد، إلا أن بعض الظروف والأسباب حالت دون تحقيق مرادهم، فخارت عزائمهم، وضعفت هممهم، وأصابهم الفتور، فتوقفوا عن العمل.
وفي القرآن الكريم تسلية لكل من أصابه الفتور، وأقعده عن
العمل عدم تحقيق النتائج، فالله – تبارك وتعالى – يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم
الذي لم يدَّخر جهداً في أداء الأمانة، وتبليغ الرسالة، فيقول سبحانه: "فَإِنْ
أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا
الْبَلَاغُ"، فمهمة الرسول تتوقف عند البلاغ والنصح والإرشاد، أما الهداية والاستجابة
والأخذ بالنصيحة فلا يؤاخذ عليها، وذكر لنا القرآن الكريم نموذجاً لشيخ المرسلين
نوح – عليه السلام – الذي دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ثم بَيَّن المحصلة
النهائية لتلك الدعوة المباركة التي لم يتسلل اليأس إلى نفس صاحبها: "وَمَا
آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ"، ومن ذلك نعلم أن الله – تعالى – يتعبدنا ببذل
السبب لا بتحقيق النتائج، وأن الإنسان مسؤول ومساءل عن السعي لا عن الوصول.
ليس شرطاً أن يشهد الإنسان النصر، وينعم بالإنجاز، ويتلمس
النتائج، فالثلة المؤمنة في قصة أصحاب الأخدود تعرضوا للقتل حرقاً، ولم يشهدوا
هلاك عدوهم في حياتهم، وخديجة – رضي الله عنها – ماتت بعد أن حوصر المسلمون في
شِعب أبي طالب ولم تشهد الهجرة والفتح، وحمزة – رضي الله عنه – هاجر من مسقط رأسه من
مكة المكرمة وجاهد في الله حقَّ جهاده واستشهد في أحد، ولم يتذوق حلاوة الفتح، وشيخ
الإسلام في عصر التابعين ومفتي مكة عطاء بن أبي رباح لم يكن يشهد مجلسه العلمي إلا
سبعة أو ثمانية من طلبة العلم كما ذكر الإمام الأوزاعي، ونور الدين زنكي صنع
منبراً ليوضع في المسجد الأقصى ووحد الجبهة وأعد العدة، ولكنه مات قبل أن يجني
ثمرة جهده وجهاده، فأخذ صلاح الدين الراية، وأكمل المسيرة حتى حرَّرَ المسجد
الأقصى.
فلا يشغلنك عن السعي هاجس ترقّب النتائج، ولا يقعدنك عن
العمل عدم الوصول إلى الأهداف، فالله – سبحانه وتعالى – يحاسبنا على الفعل لا
المآل، ويجازينا على السعي لا النتيجة، فالدنيا دار عمل، والآخرة دار حساب وجزاء،
ولله در الشيخ الألباني عندما قال: الطريق إلى الله طويل، وليس المهم أن تصل إلى
آخر الطريق، ولكن المهم أن تموت على الطريق.
فعليك بذر الحَبِّ لا قطف الجنى والله للساعين خير معين