عندما يتقصَّد الإعلاميُّ تحريرَ فلسطين وضرب الصهيونية في العالم

من الضروري أن ندفع عن غزة خاصة، وعن فلسطين عامة، بكل الوسائل والحيل
المتعاضدة لافتكاكهما من براثن الكيان الغاصب، المؤمن بالصهيونية، ومن الوضح أن
هذا التكاتف المناضل يحتاج إلى اللجوء إلى الضغط الجيوسياسي، والتواصل الإستراتيجي،
والعمل القانوني، والتعبئة الشعبية، والدقة الأكاديمية، ولعل من أيسر هذه الوسائل
وسيلة الإعلام.
إنه لا يمكننا فصل ما يجري في غزة عن الحركة الصهيونية العالمية؛ فتحرير
فلسطين لا يمر إلا على جثة الصهيونية.
ومنذ البداية نقول: إننا لا نستعمل مفهومات العدو إلا لأنها شائعة ونحتاج
إلى التفهيم الضروري؛ لأننا لا نؤمن بوجود جبل في فلسطين اسمه «صهيون»، لا جغرافياً
ولا إسلاميًا، فكيف نؤمن بمفهوم «صهيون» المنتسب إلى هذا الجبل الأسطوري؟! أما
مفهوم «إسرائيل» عند المسلمين فمغاير جداً لما يقصده اليهود العلمانيون.
المرحلة الأولى: التواصل الإستراتيجي وحرب السرد (كسر
التحيز الإعلامي، وتشكيل التصور العالمي):
إن رسالة الإعلام الإسلامي والعربي هي أن يزيح الغشاوة عن مثل هذه
الأغلوطات والأكاذيب، وألّا يكون هدفه محصوراً في المدى القصير وهو وقف الإبادة
الجماعية، وحرب التجويع، والتطهير العرقي في غزة.
ومن هنا يجدر بالإعلاميين المستبصرين أن يضعوا خطة عملية عالمية وفقًا لإستراتيجية
محكمة، تهدف إلى تفكيك الاحتلال الاستيطاني الصهيوني بالكامل، في الواقع العملي
والفكرانية (الأيديولوجيا) المؤسسة.
وظيفة الإعلام الجاد والهادف والرسالي هي أن يكشف للعالم أفعال الكيان
الصهيوني السيئة، والتركيز على الاحتلال في فلسطين، وتفصيل الأدلة عن الإبادة
الجماعية والتطهير العرقي الواقعين في غزة، دون الغفلة عن محاصرة الصهيونية في
جميع أنحاء العالم، ابتداء بفضح جرائم الكيان الغاصب في فلسطين، ومواجهة النفوذ
الصهيوني عالميًا، وفي نهاية المطاف تفكيك الهياكل الاحتلالية بالكامل.
لماذا يكتفي الإعلامي العربي والمسلم بنقل الخبر، مكتفياً بوعائه الإعلامي؟
ألا يصلح له أن يخطط لنتيجة عمله الإعلامي حتى يؤثر في الواقع الذي خذله الساسة؟
ألا يمكنه وضع خطة إستراتيجية شاملة لفضح الاحتلال «الإسرائيلي»، والإبادة
الجماعية، وكشف أعمال الصهيونية العالمية في تخدير الشعوب لاستعبادها ونهب
ثرواتها؟
تجاوز التحيز الإعلامي الغربي؛ لن يكون للإعلام العربي والإسلامي معنى إلا
بتجاوز التحيز الإعلامي المضروب عالمياً على فلسطين وأمة الإسلام، وهذا التجاوز
يكون عبر تأسيس نظام إعلامي بديل؛ ونقترح عمليا في ذلك:
أولاً: دعوة شباب الأمة إلى انتفاضة إلكترونية متعددة اللغات، لخوض معركة
الوعي، وقلب الموازين.
ثانياً: توسيع قنوات «الجزيرة»، وتنويعها، وتفريعها، وتخصيصها، فقد أبلت
بلاء حسناً.
ثالثاً: إنشاء مواقع إعلامية مجابِهة على غرار موقع «العالم الأبيض
موندوفايس» (Mondoweiss) المعادي لـ«إسرائيل» حتى صنفته كثير من الشخصيات والهيئات على
أنه معاد للسامية، بل معاد لليهود أيضاً، ومنهم ميتشل بارد (Mitchell Bard) المدير
التنفيذي لهيئة التعاون «الإسرائيلي» الأمريكي، فضلاً عن صحف «واشنطن بوست» (Washington Post)، و«أتلنتك»
(Atlantic)، وجريدة «ألجماينر» (Algemeiner Journal)، و«المكتبة
الافتراضية اليهودية» (Jewish Virtual Library).
رابعاً: إطلاق قنوات إخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تيك توك»، و«تليجرام»
موجهة إلى جمهور الشاب.
الترويج للمشاهير المساندين لفلسطين؛ وذلك بكثرة الحديث عنهم وعن آرائهم في
خدمة القضية، وإجراء مقابلات معهم، ومساندتهم في مواقفهم، ومن ذلك:
- تجنيد نجوم السينما والفن والرياضة، مثل التسعين فناناً الذين ساندوا غزة
في عريضة مفتوحة وجهوها من قلب هوليوود الصهيونية إلى حكومة الولايات المتحدة
الأمريكية، ومن أمثال هؤلاء روجر ووترز (Roger Waters).
- تجنيد أكاديميين ودعمهم، مثل عالم اللسانيات السياسي اليهودي نعوم
تشومسكي (Noam Chomsky)، وأنجيلا دايفيس (Angela Davis).
- فتح قائمة سوداء لجماعات الضغط واللوبيات المؤيدة للكيان الغاصب في وسائل
الإعلام الغربية أو في هوليوود.
مواجهة الدعاية الصهيونية؛ وذلك بفضح أكاذيب هذه البروباغندا تفصيلاً، وكشف
مغالطاتها، ولعبها بعقول الغربيين إلى حد الاستخفاف المهين، ومن ذلك:
- فضح الهاسبارا (Hasbara)، ومجابهة القوات السيبرانية (Cyber Troops)، وتتبع
الروبوتات المُولَّدة بالذكاء الاصطناعي (AI-generated bots)، وكشف
حساباتهم المزيفة في مواقع التواصل الاجتماعي، وفضح استخدامهم وسائل مجهولة مثل «غرافيكا»
(Graphika)، وتسريب مذكرات الحكومة «الإسرائيلية» (Israeli gov’t memos) بكثافة،
مثل تسريبات «مجلة +972 »(+972 Magazine leaks)، وشن حرب الميمات (Memetic Warfare)، من خلال
نشر وسوم إلكترونية ناجحة مثل #محرقة_غزة (#GazaHolocaust)،
و#الصهيونية_احتلال (#ZionismIsColonialism).
ويرى بعض الشباب المناضل نجاعة في التزييف العميق والذكاء الاصطناعي (Deepfake & AI) بمحاكاة
اعتراف المسؤولين الصهاينة بجرائمهم، على الرغم من محاذيرها الأخلاقية.
المرحلة الثانية: التوثيق وجمع الأدلة.. من الإعلام إلى
القانون:
الإعلامي الناجح هو الذي يسعى إلى التوثيق الجنائي لجرائم الحرب، وحرب
التجويع، والإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، وهنا تقوم الحاجة الماسة إلى تدريب
الصحفيين والباحثين الفلسطينيين على توثيق جرائم الحرب وفق معايير المحكمة
الجنائية الدولية.
يقوم هذا التوثيق على جمع التقارير الطبية والجنائية؛ مثل تقارير التشريح،
وتحليلات المقابر الجماعية، وإحصاءات المجاعة، ويمكن الاستناد فيها إلى شهادات
مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (UN OCHA)، ومكاتب
منظمة الصحة العالمية (WHO)، وهنا تقوم ضرورة ملحة لاستخدام تقنية «بلوكتشين» (blockchain) لختم
الأدلة زمنيًا حتى يمنع التلاعب بها؛ لأن أساس جميع الإجراءات المستقبلية يفترض
فيه أن يكون قاطعًا.
إن اللجوء إلى استعلامات المصادر المفتوحة (O.S.I.) ضروري للعمل، وهي متاحة عبر
الأقمار الصناعية (OSINT)؛ فلِتتبع الدمار في غزة تمس الحاجة إلى استخدام ماكسار (Maxar)، وسنتينل هاب (Sentinel Hub)، وبلانيت
لابز (Planet Labs)، ولحفظ الأدلة تتعين الشراكة مع هيئات تقنية قانونية مثل
بيلينغكات (Bellingcat)، وفورينسك أركيتكتشر (Forensic Architecture)، ومنيمونيك
(Mnemonic).
وهنا نتحسَّب لإستراتيجية الرد الصهيوني المضادة؛ فقد تقوم رِقابتهم بحظر «فيسبوك» و«تويتر»، ولذلك يمكن اللجوء إلى بديل متمثل في منصتين غير مركزيتين في التواصل هما «ماستودون» (Mastodon)، و«بير-تيوب» (PeerTube)، وقد يزعمون أن أعمال خصومهم تندرج في إطار التشهير بـ«معاداة السامية»، ولذلك تكون صياغة نقدنا قائمة على أنه معادٍ للصهيونية، لا معادٍ لليهود، ولضمان حسن سير العمل يكون الاعتماد على اتصالات بريدية إلكترونية آمنة عبر موقعي «سيجنال» (signal)، و«بروتون» (proton).
ومن الأجود أن يُدعم العمل الإعلامي بالتأطير الأكاديمي والقانوني في
التوثيق الميداني، وعلى الرغم من وضوح الحقيقة كالشمس في رابعة النهار، فإن
المتعامِين الحقوقيين الدوليين ما زالوا يستعصمون بطلب الأدلة، فبإمكان
الأكاديميين إثبات الاحتلال الاستيطاني «الإسرائيلي» أكاديمياً بالاستشهاد بغربيين
مثل باتريك وولف (Patrick Wolfe)، ولورنزو فيراسيني (Lorenzo Veracini)، وإثبات
الإبادة الجماعية بالإشارة إلى دراسات الأكاديميَين راز سيغال (Raz Segal)، ونورمان
فينكلشتاين (Norman Finkelstein)، ويمكنهم بعد ذلك نشر بحوثهم في مجلات محكّمة غربية مختصة.
وبعد هذا الجهد الإعلامي المكلل بأدلة قانونية جنائية تبدأ مرحلة
الالتماسات القانونية من خلال رفع دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، ومحكمة العدل الدولية (ICJ)، والمحاكم الوطنية ومحاكم مثل
الولاية القضائية العالمية (Universal Jurisdiction)، وأول العمل في ذلك يكون
بالضغط من أجل فرض حظر على الأسلحة بموجب اتفاقيات جنيف.
الهدف في النهاية غير محصور في وقف الإبادة الجماعية في غزة، بل تفكيك
الاحتلال الاستيطاني الصهيوني بالكامل، وضرب الصهيونية في العالم.