غرس الإيمان.. كيف نتحدث عن الجنة للأطفال؟
الحديثُ مع
الأطفال عن الجنة منذ نعومة أظفارهم واجب على كل مُربٍّ حريص على غرس الإيمان
ومحبة الله في قلوب أبنائه، فحين يعلم الطفل نعيم الله عز وجل الذي أعده لعباده
الصالحين؛ يُشكِّل ذلك حافزًا قويًا يدفعه إلى طاعته والسعي للفوز بجنته، وهذا
المسلك هو منهج الوحي، فقد نزلت آياته الأولى في مكة متحدثة عن الجنة والنار،
إعدادًا للنفوس لكي تتحمل التكليف فيما بعد.
وفيما يلي جملةً
من الإرشادات العملية للتحدث مع الأطفال عن الجنة، واستعراض أثر ذلك في تعزيز
إيمانهم وعبادتهم.
أهمية الحديث مع الطفل عن الجنة
إنه باب يصعب
إحصاء فوائده كأمثاله من أبواب العقائد، فمنه:
1- تقوية إيمان
الطفل بالله: فحينما تتحدث الأم مع طفلها عن الله ورحمته بعباده الصالحين وحبه
لهم، وتُعدد مظاهر تلك الرحمة والمحبة في الدنيا والآخرة، وعلى رأسها أنه سبحانه
هو من أرسل الرسل لهداية الناس، ومن خلال تبيان ما أعده الله لعباده الصالحين من
نعيم مقيم في الجنة لمن استجاب لهدايات الرسل؛ فذلك مما يزيد إيمان الطفل وحبه
لربه.
2- غرس حب
الطاعة والعمل الصالح: فحين يدرك الطفل أن الجنة هي جزاء المطيعين لله، يتولد لديه
دافع ذاتي لعبادته، ومراقبة أفعاله ومحاسبة نفسه، فيسرع إلى التوبة والعمل الصالح
إن أخطأ رغبة في الفوز بنعيم الجنة، فكما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: «إنَّما
نَزَلَ أوَّلَ ما نَزَلَ منه سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ
والنَّارِ، حتَّى إذَا ثَابَ النَّاسُ إلى الإسْلَامِ نَزَلَ الحَلَالُ والحَرَامُ»
(البخاري، 4399)، وهذا دليل على أن الحديث عن الجنة والنار من الأسس التي تعين
الطفل على القيام بالتكليف عندما يبلغ.
3- تربية نفس
الطفل على الصبر والتحمل: فحين تُعلم الأم طفلها أن الصبر في الدنيا يقوده إلى
نعيم أبدي لا ينقطع، وأن الدنيا زائلة بكل ما فيها، يهون عليه ما يلاقيه من تحديات
ومشاق فيها، وخاصة عندما يترسخ فيه أنها دار اختبار وليست دار قرار، فيتعلم ضبط
نفسه والسمو عن شهواتها، فلا يرجو جزاء من أحد سوى الله سبحانه، يقول الله تعالى: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا
أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة:
17)، ويقول جل شأنه: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ
لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً {9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا
يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) (الإنسان).
4- بناء ميزان
القيم الحقيقي: عندما يدرك الطفل أن ذروة الفلاح دخول الجنة، وأن قمة الخسران الحرمان
منها ودخول النار، بغض النظر عما يمتلكه الإنسان من متاع دنيوي، حينها لا يلتفت
لمن ملك الدنيا مثل قارون وهو كافر بالله.
يقول الله تعالى:
(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ
قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا
أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {79} وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً
وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) (القصص)، فالحديث عن الجنة يُنمي لدى الطفل وعياً أخلاقياً راسخاً
لا يتزعزع أمام الفتن والأهواء، فيختار ما يرضي الله طمعاً في رضاه وجنته، ولا
ينخدع بزيف الباطل وبريق زخرفه الخداع.
أفكار وتطبيقات عملية للحديث عن الجنة مع الأبناء
لا يحتاج غرس
أركان الإيمان في نفوس الأبناء -ومنها الإيمان الجنة- إلى دروس مطولة أو مواعظ
مباشرة كما يتصور البعض، بل يحتاج لأن يكون جزءاً طبعياً من حياة الطفل اليومية،
فبوسع المربي أن يغرس الإيمان بالجنة والشوق إليها في قلب طفله من خلال مواقف
يومية بسيطة ولحظات عابرة، مثل:
1- رؤية الجمال وربطه بالجنة:
يمكن اقتناص
لحظات انبهار الطفل بجمال الطبيعة أو نعيم دنيوي كالحدائق الخلابة أو القصور
العظيمة، لتذكيره بأن الجنة أجمل مما يرى أو يتخيل، كما في الحديث القدسي: «قالَ
اللَّهُ عزَّ وجلَّ: أعْدَدْتُ لِعِبادِيَ الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا
أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ» (مسلم 2824)، ثم تعدد الأم للطفل
ما في الجنة من جمال ونعيم.
2- الأعمال الصالحة وربطها بأبواب الجنة:
يستطيع الآباء
تزكية نفوس الأبناء وتثبيت إيمانهم بالجنة في وقت واحد، فحينما يغضب الطفل تذكره
الأم بأن في الجنة باباً للكاظمين الغيظ، ويمكن وضع هدف للطفل بأن يراقب نفسه ويضبطها
حتى يدخل من هذا الباب.
وإذا كان الطفل
يصلي يمكن تحفيزه بذكر دخول الجنة من باب الصلاة، وهكذا، وإذا ارتكب ذنباً يُذكر
له باب التائبين ليحثه على التوبة، ويمكن وضع تحدٍّ لأفراد الأسرة فيتخير كل منهم
الباب الذي يتمنى أن يدخل الجنة منه ثم يجتهد في ذلك الباب أشد اجتهاد.
3-استغلال القصص والمواقف اليومية للحديث عن الجنة:
يمكن للأم
استغلال وقت ما قبل النوم في حكاية قصص من الوحي عن نعيم الجنة، وعندما يشتهي
الطفل فاكهة في غير موسمها يمكن تذكيره بأن الفاكهة في الجنة لا تنقطع ولا تمنع،
وحينما يمر الطفل بموقف فيه ابتلاء مثل المرض أو الخوف أو الفراق.. إلخ، يتم
تذكيره بأن الابتلاء سُنة من سنن الله، وأن الصبر طريق إلى الجنة، كما قال الله
عزوجل: (إِنَّمَا يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر: 10)، وبهذه الطريقة
يمكن تحويل كل موقف بسيط وسيلة إلى غرس للإيمان، بشرط استخدامها بحكمة ودون إثقال
على الطفل، حتى لا يمل ويستثقل الكلام فلا ينتفع به.
4- الدعاء وقراءة القرآن:
عندما يرى الطفل
أبويه يدعوان الله بالجنة ملحين في هذا الطلب، وعندما يتوقفان عند آيات القرآن
التي تحدث عن نعيم الجنة، وحينما تحتضن الأم طفلها وتدعو -بصوت يسمعه- أن يجمعهم
الله في الجنة كما جمعهم بالدنيا، ثم تحكي له عن نعيم لقاء الأحبة بالجنة، كل هذا
يغرس في نفس الطفل الإيمان بالجنة ويعلق قلبه بها.
5- البحث في المصحف:
يمكن للأسرة
كلها أن تجتمع للبحث في المصحف عن الآيات التي تصف الجنة وأخلاق أهلها، وكذلك
أخلاق أهل النار ثم تُضع تلك النتائج على لوحة، ويتم تطبيقها عملياً كوسيلة لتزكية
النفس باختيار خلق حسن للتحلي به والتدرب عليه، وآخر سيئ لاجتنابه والتخلي عنه.
إن الحديث مع
الأطفال عن الجنة ليس مجرد نقاش عابر، بل هو استثمار حقيقي في بناء إيمانهم
وقيمهم، ومن خلال الدمج الذكي بين الغرس العقدي الرصين والممارسات التربوية
اليومية؛ يمكن تحويل مفهوم الجنة من فكرة مجردة إلى حافز عملي يوجه سلوك الطفل
ويشكل اختياراته، فينشأ على حب الطاعة وتكون غايته الفوز برضا الله وجنته، فالمربي
الحكيم هو من يصوغ من لحظات الحياة العادية جسورًا إلى الإيمان تصل قلب طفله
بالآخرة، فتسمو همته، ويشرق قلبه بنور اليقين.
اقرأ أيضا:
- كيف نُحبّب أطفالنا في الصلاة؟ 7 خطوات عملية
- العشرة المبشرون بالجنة.. قصص عظماء نالوا الفردوس