غزة بعد عامين من الحرب.. دمار شامل وتحديات إعمار تفوق 50 مليار دولار

مع انتهاء
العدوان الصهيوني على قطاع غزة، التي استمرت لعامين كاملين، خلفت آلة الحرب دماراً
هائلاً في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، في واحدة من أعنف الحروب التي
استهدفت بنية مدنية في منطقة محدودة المساحة لا تتجاوز 365 كيلومتراً مربعاً.
وخلال هذه
الفترة، مارست دولة الاحتلال تدميراً ممنهجاً استهدف تقويض القاعدة الاقتصادية
للقطاع وتفكيك بنيته الاجتماعية والخدمية؛ ما جعل من غزة بيئة شبه غير صالحة للعيش
الآدمي.
مع بدء قوات
الاحتلال «الإسرائيلي» انسحاباً جزئياً من بعض المناطق وفق تفاهمات التهدئة التي
جرى التوقيع عليها في القاهرة بين وفد المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال، ومع
عودة مئات آلاف النازحين إلى مناطقهم المدمّرة، بدأت تتكشف صورة أكثر وضوحاً لحجم
الخسائر التي أصابت البنية السكنية والخدمية والاقتصادية للقطاع، ويشكل هذا الوضع
المدخل الأساسي لملف إعادة الإعمار، الذي تتجاوز تقديرات تكلفته 50 مليار دولار،
وفق تقارير دولية.
ملفات إعمار ملحّة.. من السكن إلى الصحة والتعليم
يعد قطاع
الإسكان واحداً من أكثر القطاعات التي استهدفتها آلة الحرب «الإسرائيلية»، حيث
دمرت مدناً وأحياء سكنية بأكملها، ضمن سياسة تهجير ممنهجة، تهدف إلى إجبار الكتلة
السكانية الأكبر في القطاع على مغادرته لصالح التفوق الديموغرافي لليهود.
وتشير تقديرات
الأمم المتحدة إلى أن 90% من المباني السكنية في القطاع تضررت بشكل بالغ، بواقع
301 ألف منزل، منها 148 ألفاً دمرت كلياً، و153 ألفاً جزئياً، والكثير منها بات
آيلاً للسقوط نظراً لتصدع أسقفها وتشقق أعمدتها وجدرانها.
الأمم المتحدة: 90% من المباني السكنية في
غزة تضررت بشكل بالغ
هذا الواقع ترك
نحو 288 ألف أسرة بلا مأوى من أصل 350 ألفاً؛ ما خلق أزمة سكانية خانقة، فوفقاً
لمعد التقرير، تقيم عدة عائلات في منزل واحد أو غرفة واحدة، وسط افتقار لأبسط
مقومات الخصوصية أو السلامة، وتتزايد المخاوف مع دخول فصل الشتاء من تفاقم هذه
الأزمة، في ظل تآكل الخيام وعدم ملاءمتها؛ ما يجعل ملف الإسكان على رأس أولويات
الإعمار وكسر هدف التهجير «الإسرائيلي» ما لم يتم تداركه سريعاً.
لم يسلم القطاع
الصحي من الاستهداف المكثف، إذ خرج 22 مستشفى عن الخدمة بشكل كامل، فيما يعمل 14
مستشفى بشكل جزئي، كما تم تدمير 9 مشافٍ كلياً، وتضرُّر 25 أخرى، بالإضافة لتدمير
144 مركبة إسعاف.
وأسفرت هذه
الاعتداءات في استشهاد 1242 موظفاً من الكادر الصحي، بينهم 130 طبيباً من حملة
التخصصات النادرة كجراحة القلب والأعصاب والحروق والكلى.. وغيرها.
ومع انهيار
المنظومة الصحية، بلغت حصيلة شهداء الحرب على غزة 67 ألفاً، منهم 463 مواطناً
استشهد جراء الجوع، و17 آخرون بسبب البرد، فيما أصيب ربع مليون بأمراض معدية
وأوبئة، فيما ينتظر ما يزيد على 20 ألفاً آخرين دورهم في تلقي العلاج بالخارج.
هذه المعطيات تضع ملف إعادة بناء القطاع الصحي كأحد أعمدة الإعمار الأساسية، لضمان توفير الخدمات الطبية العاجلة للمواطنين.
تقديرات أممية: عمليات إزالة الأنقاض
تتطلب وقتاً بين 3 - 5 سنوات
وتسبب القصف «الإسرائيلي»
بتدمير 218 مدرسة، منها 179 بشكل كامل، واستشهد 770 معلماً، وأصيب نحو 3200 آخرين،
كما استشهد أكثر من 17 ألف طالب.
أما قطاع
التعليم العالي، فقد تضرر بشكل كارثي، إذ دمر 63 مبنى جامعياً، واستشهد 232
أكاديمياً، وأصيب 1450 آخرون، إلى جانب استشهاد 1300 طالب جامعي، وأصيب 2791 آخرون.
ويمثل انهيار
هذا القطاع ضربة قاسية للعنصر البشري في غزة؛ ما يستدعي إدراجه كأولوية ضمن برامج
إعادة الإعمار لاستعادة الكفاءات العلمية.
وبلغت نسبة
التدمير في أصول قطاع المياه والصرف الصحي 89%، حيث دمر 330 ألف متر طولي من شبكات
المياه، و644 ألف متر طولي من شبكات الصرف الصحي، إضافة لتدمير 719 بئر مياه، و2.8
مليون متر طولي من الطرق الإسفلتية.
وأدى ذلك
لانعدام الأمن المائي لـ65% من سكان القطاع، إذ لا يتجاوز نصيب الفرد 6 لترات من
المياه يومياً، ويتطلب هذا الانهيار بأن يجعل إعادة تأهيل البني التحتية شرطاً
أساسية لأي خطة إعمار ناجحة.
مخلفات الحروب خطر يعوق الإعمار
يشير مكتب الأمم
المتحدة إلى إلقاء الاحتلال 125 ألف طن من الذخيرة على القطاع، فيما لا تنفجر
واحدة من كل 10 قنابل، وتعد هذه المخلفات عقبة حقيقية أمام عمليات إزالة الأنقاض
التي تجاوزت 60 مليون طن من الكتلة الخرسانية.
غزة أمام مهمة إعمار تاريخية بتكلفة
تتجاوز 50 مليار دولار خلال 10 سنوات
وبحسب التقديرات،
تتطلب عمليات إزالة الأنقاض وقتاً يقدر ما بين 3 - 5 سنوات، حال وفاء الدول
المانحة بتعهداتها، كما أن تراكم 170 ألف طن من النفايات الصلبة بالقرب من
التجمعات السكنية المؤقتة يهدد بانتشار الأوبئة والمكاره الصحية.
أضرار القطاعات الاقتصادية في غزة
تسببت الحرب
بتضرر 156 ألف دونم من الأراضي الزراعية (67% من المساحات الزراعية)، وقد قضمت
الحرب الغلاف الزراعي في شرقي القطاع على جانب الحدود الذي كان يشكل مخزوناً إستراتيجياً
في إنتاج أهم المحاصيل الزراعية، بالإضافة 1531 بئراً زراعية، و78% من الدفيئات
الزراعية؛ وهو ما يشكل ضربة قاسية للأمن الغذائي المحلي.
بالنسبة لقطاع
الكهرباء، فشهد تدميراً واسعاً في مرافقه، حيث دمر الاحتلال 80% من آليات ومركبات
الشركة، و90% من المخازن، و70% من الشبكات والمقرات، إضافة إلى 5 آلاف شبكة كهرباء،
و2235 محولاً، و235 ألف عداد، و8 مخازن وورش ومستودعات، و9 مرافق خدمية.
إجمالاً، بلغت
خسائر القطاع الصناعي 4 مليارات دولار، والتجاري 4.3 مليارات دولار، وملياري دولار
لقطاع السياحة والخدمات الفندقية، و3 مليارات دولار لقطاع الاتصالات.
وتُظهر هذه
الأرقام أن غزة تقف أمام مهمة إعمار تاريخية، تتجاوز في حجمها قدرة أي جهة محلية
منفردة، وتشير تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة إلى أن تكلفة التعافي والإعمار
تتطلب تمويلاً يفوق 50 مليار دولار خلال عقد من الزمن، تشمل إعادة بناء المساكن
والبنى التحتية والخدمات العامة، إضافة إلى تحفيز الاقتصاد المحلي.