غزة في وجه الجوع!

مخطئ من يظن أن عملية تجويع أهلنا في غزة بدأت منذ ستين يوماً فقط بعد استئناف رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو مجرم الحرب المطلوب للعدالة حربَه العبثية على قطاع غزة، ومخطئ كذلك من يظن أن هذه المعاناة بدأت مع بداية «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م.

قصة غزة الحالية مع التجويع بدأت في الحقيقة منذ عام 2007م، عندما فرض الاحتلال حصاراً خانقاً على القطاع في أعقاب الحسم العسكري وانقسام الضفة وغزة، حيث بدأت منذ تلك اللحظة عملية حصار عنيف وخانق تعرض له قطاع غزة دون انقطاع حتى بداية الحرب الحالية.

تجويع غزة بدأ في عام 2007م مع فرض الاحتلال حصاراً خانقاً على القطاع

خلال سنوات الحصار التي سبقت «طوفان الأقصى» كان الاحتلال يعمد إلى حساب السعرات الحرارية التي يحتاجها الإنسان يومياً، ويحسب عدد سكان القطاع بالكامل، ليسمح بالمواد الأساسية التي تغطي هذه العملية الحسابية فقط بالدخول إلى قطاع غزة يومياً، بحيث يبقى البشر هناك أحياء بالكاد دون أي زيادة أو نقص، وهذا ما كان في كثير من الأحيان يعني نقصاً حاداً في المواد التموينية، وأسعاراً باهظة لبعض المواد الغذائية التي تنقص في الأسواق بسبب الحصار.

كذلك، أغلق الاحتلال على غزة البحر، فلم يسمح للصيادين بالذهاب عميقاً في مياه البحر للبحث عن رزقهم، وألزمهم بالصيد في المناطق الضحلة التي لا توجد فيها أسماك كبيرة أو بكميات كافية.

ومع ذلك، تعلَّم الغزيون التأقلم مع الحصار على مدار 16 عاماً، ولنا أن نتخيل أن جيلاً فلسطينياً شاباً ولد ونشأ في غزة في ظل هذا الحصار الخانق، ولم يكن يعرف غير حياة الاقتصاد في كل شيء حتى في الكهرباء، حيث كان انقطاع الكهرباء ساعات محددة طويلة يعتبر الأمر الطبيعي في غزة.

وكذلك كان الأمر المتعلق بأنواع الطعام وطبائع الطبخ وكميات الغذاء وآليات إنتاجه، حيث تعلم الغزيون كيف يزرعون أرضهم ويستصلحون كل شبر منها بكافة السبل المتاحة، وكيف يطورون مزارع الخضار والفاكهة التي نمت وانتشرت لتغطي أكثر من 40% من احتياجات القطاع، وبذلك سَمَت لديهم قيمة المقاومة بالأرض والثبات فيها على مدار تلك السنين.


غزة تحت أنياب الجوع.. طفولة اغتالتها المجاعة! |  Mugtama
غزة تحت أنياب الجوع.. طفولة اغتالتها المجاعة! | Mugtama
يا له من زمنٍ غريبٍ هذا الذي نحياه، تُذبح فيه الطف...
mugtama.com
×


قبل «طوفان الأقصى» قيَّد الاحتلال دخول الغذاء وفق احتياجات الفرد من السعرات!

ولأجل ذلك، كانت الأراضي الزراعية أحد أهم أهداف هذه الحرب الشعواء، فقد دمر الاحتلال بالقصف المباشر أكثر من 90% من الأراضي التي زرعها أهل غزة! وخرَّب بيوت البلاستيك وغيرها مما تعب الغزيون سنوات في تمريرها من المعابر المحاصرة، وأحرق بنيرانه آلاف الأشجار المثمرة التي أصبحت خواء لا تنبت ولا تعطي ثمراً.

ومع إعلان الاحتلال الواضح حدَّ الوقاحة عزمه تجويع غزة بمنع الماء والطعام والوقود والكهرباء عنها إلى أجل غير مسمى، بدأت ملامح الكارثة تظهر خلال فترة الحرب عندما نقص الوقود واختفى تقريباً، تبعه الأمر الأكثر خطورة وهو النقص الحاد في الدقيق اللازم لإنتاج الخبز، حتى وصل الأمر بأهلنا في غزة إلى أن رأينا تلك المشاهد المروعة لصناعة الخبز من علف الحيوانات!

واليوم، وبعد انفراجة وقف إطلاق النار الأولى التي ظن العالم كله أنها تعني نهاية الحرب، عاد المجرم ليمارس جريمته بأبشع ما يمكن له أن يفعل، فعاد ليغلق كافة المعابر نهائياً، ويمنع أي معونات غذائية لأهلنا في غزة منذ أكثر من شهرين الآن، لتبدأ ملامح المجاعة بالتشكل بوضوح، حتى ارتقى حتى لحظة كتابة هذه السطور 53 طفلاً رضيعاً شهداء بسبب الجوع، ونحن لا نعني هنا أن الجوع كان سبباً غير مباشر للوفاة، بل كان السبب المباشر!

مجاعة غزة الكبرى تذكرنا بأيام حصار المسلمين في شِعب أبي طالب

هكذا يشهد عالمنا اليوم مجاعة غزة الكبرى التي باتت تذكرنا بأيام حصار المسلمين في شِعب أبي طالب، لكن الفارق كان وجود عدد من المشركين من ذوي المروءة في ذلك الوقت، الذين أبوا أن يكونوا جزءاً من آلة الحصار والقتل فتضافرت جهودهم لفك الحصار.

أما اليوم، فلا نجد في أمتنا مَن تحمله الحمية على كسر الحصار جواً أو بحراً أو براً مع قدرة الدول العربية والمسلمة على تحدي الحصار الصهيوني إن شاءت!

فما الذي يمنع مصر من فتح معبر رفح على مصراعيه لمن شاء دخول غزة؟ ولتقصف «إسرائيل» مَن شاءت من قوافل فك الحصار وتصطنع لنفسها أزمة عالمية، وما الذي يمنع الجيوش التي كانت ترمي المساعدات من الطائرات في أيام الحرب الأولى من تكرار التجربة؟ ولتحاول «إسرائيل» اعتراض الطائرات وتضع نفسها في أزمة سياسية مع العالم.

أسئلة كثيرة لا يوجد لها إجابة مقنعة غير العجز التام إن لم ينحدر الأمر لدى البعض إلى درجة المشاركة في الحصار، ووسط هذا وذاك، يبقى الغزيون على ما هم عليه من صبر وصمود وتحدٍّ لهذا الجوع في مشاهد تعجز عن فهمها عقول من لا يملكون ما يملكه القلب الغَزِّيُّ من معاني الإصرار على البقاء.


غزة بين الجوع والخذلان.. فهل من ناصر؟ |  Mugtama
غزة بين الجوع والخذلان.. فهل من ناصر؟ | Mugtama
غزة، هذا الشريط الصغير من الأرض، يشهد منذ سنوات حص...
mugtama.com
×


التغني بصمود أهل غزة لا يكفي بل يجب التحرك الفعلي لكسر الحصار

لا يفيدنا التغني بصمود أهل غزة دون التحرك الفعلي لنجدتهم، فماذا لو نزلت الشعوب العربية إلى الشوارع حتى يُكسَر الحصار عن أهل غزة؟ وماذا لو سار الآلاف من المصريين في قوافل لكسر الحصار وفتح المعبر بقوة الشعب نفسه؟ وماذا لو حاصرت الشعوب التي تغلي غضباً لأجل هذه الجرائم سفارات الاحتلال في كل مكان حول العالم حتى تفضحها أمام العالم وتجبرها على كسر الحصار الجائر وإدخال شاحنات الدقيق والوقود والطعام؟

خيارات كثيرة تحملها الشعوب والحكومات اليوم على حد سواء، ولكنها تحتاج إلى جرأة فقط، وهذه الجرأة تحتاج أولاً وأخيراً إلى الإنسانية في النفوس، فمتى وجد شعور الإنسانية فإن التغيير يحصل حالاً.

هي دعوة لدعم صمود الغزيين اليوم على الأرض وهم يقفون في وجه آلة الجنون التي يقودها السفاح نتنياهو وعصابته من معتوهي الصهيونية الدينية الذين لا يرون فينا بشراً أصلاً، ولنكفّ عن التغني ببطولات وصمود أهل غزة دون أن نمد لهم يد العون حقاً وصدقاً، فكافانا من الخذلان ما ضيّعنا.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة