فلسفة الموت للشاعر الجاهلي عبيد بن الأبرص
حول الأبيات:
الأبيات من قصيدة لعَبيد بن الأبرص، وهي أبيات حكيمة تتناول فلسفة الموت بأسلوب فلسفي مغلف بالفخر والسمو النفسي.
ومن القيم المبثوثة في النص:
1- التسليم بحقيقة الموت وعدم التهويل من حسد الحاسدين: الشاعر يقرّر أن تمني الآخرين لموته لا يغيّر شيئًا من الحقيقة الكبرى: كل أحد سيموت. القيمة هنا: الثبات أمام أذى الآخرين، و وعي الإنسان بقدره بحيث لا يهتز لعداوة أو حسد.
2- ردّ الحسد بالحكمة: يقول: "لعلّ من يتمنى موتي قد يكون هو الميت قبلي". هذه ليست شماتة، بل إدراك أن الحسد تصرف أحمق وأن سنن الحياة أقوى من رغبات البشر.
3- الاحتكام إلى سنّة الكون: لا أحد يخلد: يبسط الشاعر قانونًا اجتماعيًا عامًّا: لا موت إنسان يخلّد غيره، ولا حياته تضر عدوه. القيمة هنا: تحرير الإنسان من الأوهام… لا تعلّق مصائر الناس بمصائر آخرين.
4- الدعوة إلى الواقعية والتهيؤ للمصائر المحتومة: "تهيأ لأخرى مثلها وكأن قد" هو عين الحكمة: واجه الأمر بموقف نفسي سليم بدل الهروب أو المكابرة.
5- وعي اجتماعي بجدليّة الوجود الإنساني: الشاعر يذكّر بأن الناس يتعاقبون كما يتعاقب السائرون والقضاة الذين يحكمون ثم يمضون. في ذلك قيمة اجتماعية: ليس في الحياة موقع ثابت، ولا أحد خارج أقدار الله في البشر.
ومن التحليل الفني للنص:
1- البناء النفسي: تقوم الأبيات على ثلاثة محاور نفسية: رفض الانفعال: الشاعر لا ينفجر غضبًا من تمنّي عدوه لموته. الثقة والاتزان: يقلب المعادلة بالتذكير بأن الموت سابق ولاحق لجميع البشر. النبرة الفلسفية: نبرة هادئة، لا يعلو فيها صوت التحدي، بل صوت الحقيقة.
2- الصور الفنية: “حبال المنايا”: صورة جميلة تجمع بين الحتمية والقوة، وكأن الموت يصطاد الناس. “سيعلقه حبل المنية ”: استعارة وتوحي بالوقوع الحتمي.
3- الإيقاع والمعجم: المعجم يدور حول: الموت – الفناء – القدر – العدالة – الحسد. البحر الطويل يضفي تدفقًا ووقارًا مناسبين للموضوع الفلسفي.
4- الأسلوب: أسلوب حكمي مباشر، يكثر فيه تقرير الحقائق ("وللمرء أيام تعدّ"، "من لم يمت اليوم سيموت غدًا"). الجمل تتكئ على الأفعال المضارعة لإظهار الاستمرارية: “يجري، يروح، يغتدي”.