فوائد تعويد الأبناء على الصيام والقيام في رمضان

بيوت عامرة
بسعادة غامرة، تلك التي تحرص على تعويد أبنائها على الصيام والقيام في رمضان،
واصطحاب أبنائها إلى المساجد، حتى تشد عزيمتهم وترفع همتهم.
إن هؤلاء الذين
يفعلون ذلك، يقتفون آثار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري،
ومسلم، عن الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذٍ قالت: «كُنَّا نُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا
الصِّغَارَ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَنَصْنَعُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ،
فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ، أَعْطَيْنَاهُمُ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ، حَتَّى
يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ».
وروى البيهقي عن
أم المؤمنين عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنَّا نَأْخُذُ الصِّبْيَانَ؛ لِيَقُومُوا
بِنَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ».
وفي تعويد
الأبناء على الصيام والقيام فوائد متعددة، سواء من الناحية الدينية أو التربوية أو
الصحية، ومنها:
أولًا:
الفوائد الدينية:
1- تنشئة
الأبناء على حب العبادة:
لا شك أن
الأولاد يقتدون بأهاليهم، ويحرصون على اقتفاء آثارهم، فإذا وجدوا منهم إقبالاً على
الصيام والقيام؛ فإنهم يقبلون عليهما بحب ورضا، فالوالدان هما الأساس في التربية
والتوجيه، روى البخاري، ومسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ
يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ
الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ».
فعندما يحرص
الوالدان على تعويد الطفل على الصيام والقيام منذ الصغر، ينشأ محبًّا لهذه
العبادات، حريصاً على أدائها، ويكون هذا من ثمرة تربيتهما بعد توفيق الله تعالى.
كما يسهم ارتياد
الأطفال للمساجد في تعزيز الوازع الديني، والتعلق بالمساجد، والتشجيع على الصلاة
والصيام وقراءة القرآن، وفي استمرار ذلك تعميقٌ لمعنى العبادة الصحيحة، وتعويد على
الممارسة الدائمة لها.
2- تعويد
الأبناء على امتثال أوامر الله ورسوله:
حيث ينشأ الطفل
على الطاعة لله ورسوله، من خلال تعظيم الوالدين لذلك، وحرصهما على أن تكون
المرجعية في الحياة كلها لكتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
3- غرس
التقوى والمراقبة في نفوس الأبناء:
الصيام يربي
فاعله على مراقبة الله تعالى، والاعتماد عليها في الابتعاد عن المحرمات، وقد جعل
الله تعالى التقوى الثمرة المرجوة من الصيام، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183).
4- مضاعفة
الأجر للوالدين:
فالولد من كسب
أبيه، وما يفعله الأولاد يعود فضله أولاً إلى أهاليهم، الذين أسهموا في حسن
تربيتهم، ويضاف إلى ذلك أن الإسلام يؤكد مضاعفة الأجر والثواب لمن دل على الخير،
ففي سنن الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يَسْتَحْمِلُهُ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ مَا
يَحْمِلُهُ فَدَلَّهُ عَلَى آخَرَ فَحَمَلَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ».
وفي صحيح مسلم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ
تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى
ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا
يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا».
أول صيام لـ«مريم».. فرحة الطفولة وروحانية الشهر الفضيل
ثانيًا:
الفوائد التربوية والأخلاقية:
يسهم تعويد
الأبناء على الصيام والقيام في تعزيز العديد من الأخلاق الحسنة والمبادئ التربوية
المهمة، ومن ذلك ما يـأتي:
1- تقوية
الإرادة والصبر:
الصيام يربي
الأبناء على ضبط النفس والتحكم في الرغبات، حيث يتربى الطفل على الصبر عن الطعام
والشراب، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والانشغال بأي عمل يعين على ذلك، كما
يتربى ضبط النفس، فلا يرد الإساءة بمثلها، بل يصبر على فاعلها، ففي صحيح مسلم عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ
لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ
أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ، وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ،
أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ».
2- غرس
قيمة الإحسان والعطاء:
حين يصوم الطفل
ويشعر بالجوع؛ فإنه يشعر بالفقير الذي لا يجد طعامه وشرابه، وهو في هذا الشهر
الكريم يرى والده يتصدق بالمال، ويحرص على إفطار الصائمين، عند ذلك يترسخ في نفوس
الأبناء حب العطاء والصدقة.
3- تقوية
الروابط الأسرية:
ويظهر ذلك من
خلال مشاركة الأبناء عائلاتهم في الصيام والسحور والفطور والقيام وغيرها من
العبادات في هذا الشهر الكريم، حيث تسهم هذه المشاركة في جمع الأسرة على الطعام
والصلاة والزيارات وغيرها، مما يقوي الروابط بينهم.
4- تعويدهم
على الانضباط وتحمل المسؤولية:
في التعويد على
الصيام والقيام لفت لنظر الابن إلى ضرورة الالتزام بالمواعيد المحددة، سواء كان
ذلك في الإفطار أم السحور أم صلاة القيام.
كما يتربى
الأبناء في صلاة القيام على احترام المساجد والالتزام بآدابها، والتخلي عن
السلوكيات السلبية التي يمكن أن يفعلها في أي مكان خارج المسجد، فكلما طال بقاؤه
في المسجد؛ زاد اكتسابه لهذه القيم.
ابني يسأل: لماذا نصوم؟
ثالثًا:
الفوائد النفسية والروحية:
ليس في تعويد
الأبناء على الصيام والقيام فوائد في الجوانب الدينية والتربوية فقط؛ بل تمتد
لتشمل الجوانب النفسية والروحية، ومن هذه الفوائد:
1- تحقيق
السعادة والراحة النفسية:
الصيام والقيام
يمنحان الطفل شعوراً بالإنجاز، حيث إن القدرة على الإمساك عن الطعام والشراب طوال
اليوم يعد إنجازاً كبيراً للطفل الصغير، وهنا يجب تشجيعه وإشغاله عن المفطرات، حتى
يستمر في الإنجاز، وإن شعور الطفل بالإنجاز وتشجيعه عليه يعد من أهم أسباب السعادة
لديه.
2- تعزيز
الثقة بالنفس:
حين يحقق الطفل
الإنجاز في قضاء اليوم كله من غير أن يتناول الطعام والشراب؛ يعود ذلك على نفسه
بالشعور بأنه قادر على ما يقدر عليه الكبار، بل إنه يشعر بالفخر والاعتزاز بتحقيق
هذا الإنجاز، وهذا يعزز ثقته بنفسه.
3- الشعور
بالطمأنينة والسكينة:
في رمضان يزداد
الإيمان، بسبب زيادة الأعمال الصالحة، وحين يشارك الطفل في الصيام والقيام وقراءة
القرآن والتصدق على الفقراء والمساكين؛ فإن ذلك يساعد في شعوره بالسكينة
والطمأنينة.
رابعًا:
الفوائد الصحية:
1- تعزيز
صحة الجهاز الهضمي:
أكد الأطباء أن
الصيام يمنح الجهاز الهضمي راحة مؤقتة؛ ما يعينه على الصحة والقوة، هذا إذا كان
الابن يتحمل ذلك، وإلا فعلى الوالدين ألا يرهقا أولادهما في تكليفهما بما لا
يطيقون.
2- تقوية
المناعة:
الصيام يساعد
الجسم في التخلص من السموم، من خلال عدم إدخال الطعام والشراب إليه في فترة
النهار، ومع الحركة الدائمة يستطيع الجسم أن يطرد سمومه.
3- تنظيم
العادات الغذائية:
يتعلم الطفل في
الصيام أن يتجنب الأكل العشوائي في كل الأوقات، بل إنه يعتمد على أوقات محددة
للطعام والشراب.
واجبات
عملية تعين على تعويد الأبناء على الصيام والقيام
1- البدء
بالتدريج؛ كأن يبدأ الطفل في الصيام من العصر إلى المغرب، أو من الظهر إلى المغرب،
وأن يبدأ بصلاة ركعتين من القيام، ثم يزيد في العدد شيئاً فشيئاً.
2- التشجيع
والتحفيز؛ ويكون ذلك بالجوانب المعنوية والمادية، من خلال الثناء والحديث عنه بفخر
وإعزاز، ورصد مكافآت مادية له.
3- الإعانة
والتخفيف؛ من خلال إشغاله بما يقضي فيه وقته بعيداً عن الطعام والشراب، ومشاركته
في بعض الألعاب الممتعة.
4- سرد القصص
والمواقف لأبطال مثله استطاعوا أن يحققوا إنجاز الصيام والقيام، فإن هذا يعينه على
الاقتداء بهم ومنافستهم في ذلك.