في انتظار الساعة الخفية!
 
                    في كل أسبوع، ومع أولى ساعات يوم الجمعة،
يتصدر هاشتاغ «#يوم_الجمعة» قوائم «الترند» في الكويت والخليج عمومًا، وليس ذلك
مصادفة عابرة، وإنما سلوك متكرر أصبح كأنّه طقسٌ روحيٌ رقميٌ، حيث تفيض صفحات
التواصل بالدعوات، والأدعية، والابتهالات، والنصوص الدينية، ورسائل الرجاء.
ويكفي أن تعلم أنّ الوسم غالبًا ما يحصد
في الكويت وحدها عشرات الآلاف من التغريدات خلال ساعات قليلة، حتى بات ظاهرة دعوية
شعبية، تُعبّر عن روحٍ متعطشة، ونفوسٍ تتشبث بأمل لا يُرى.
لكن لماذا يوم الجمعة تحديدًا؟ وما سرّ
تلك الساعة الخفية التي تدفع الناس للبَوح والرجاء في هذا اليوم دون سواه؟
وهل تحوّل هذا اليوم إلى محطة أسبوعية
لتصحيح المسار الروحي؟ أم أن ضغوط الحياة دفعت المجتمعات الخليجية للبحث عن لحظة
راحة ونافذة دعاء؟
فضائل الجمعة.. مفتاح السر
القرآن الكريم خصّ هذا اليوم بسورة
كاملة، هي «الجمعة»، وسمّاه عز وجل «يوم النداء»، إذ قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي
لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا
الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة: 9).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير يوم
طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها،
ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة» (رواه مسلم).
أما سرّ الترقّب والانتظار، فيكمن في
حديثه الآخر: «فيه ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا،
إلا أعطاه إياه» (متفق عليه).
وقد اختلف العلماء في تحديدها، فاختار
بعضهم أنها آخر ساعة بعد العصر، واختار آخرون أنها ساعة الخطبة والصلاة، وكل هذا
يفتح الباب للرجاء في أي لحظة من اليوم.
الجمعة في الذاكرة
الخليجية
في المجتمعات الخليجية، ليوم الجمعة طعم
مختلف، فهو ليس عطلة عابرة، بل يومٌ تُشم فيه رائحة العود من البيوت، ويُسمع فيه
صوت الإمام من المآذن، وترتفع فيه أصوات الأمهات بالدعاء لأولادهن، والأبناء
يتزينون للذهاب مع آبائهم لصلاة الجماعة.
إنه اليوم الذي يُعطّل فيه العمل، لكن
يُفعّل فيه القلب، تتوقف فيه ساعات الحياة المعتادة، لتبدأ ساعة استجابة منتظرة،
لا تُعرف على وجه اليقين، لكنها يقينٌ في حد ذاتها.
ساعة خفية.. تكتيك رباني
في زرع الأمل
إن الله حين أخفى وقت الاستجابة في يوم
الجمعة، كمن أخفى ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، والاسم الأعظم في الدعاء،
علّمنا بذلك معنى الاجتهاد الدائم، وأنّ الرجاء لا يكون بلحظة واحدة، بل بساعات من
الترقّب المخلص.
إنها الساعة الخفية التي يدعو الناس
عندها وكأنهم واقفون على بابٍ سيفتح، دون أن يُعلموا متى يفتح، وهنا تكمن الحكمة
أن يبقى قلبك معلقًا بالله طوال اليوم، لا عند لحظة محددة فقط.
وعندما نتصفح وسم «#يوم_الجمعة» في
الكويت أو الخليج، نجد مئات النماذج من الدعاء، نابعة من قلوب مختلفة: فتاة تكتب: «اللهم
إن قلّ صبري فلا تقل رحمتك»، وشاب يقول: «يا رب ارزقني وظيفة تفرح قلبي وأهلي»، وأمّ
تغرّد: «اللهم اشفِ ولدي، واكتب له القبول»، ومغترب يبكي عبر سطور: «اللهم اجمعني
بأمي على خير في هذا اليوم الفضيل».
هذه ليست مجرّد تغريدات، بل وثائق
وجدانية حيّة، تقول الكثير عن العلاقة بين الإنسان المسلم المعاصر وربه؛ علاقة
مبنية على الرجاء، والاستمرار في الطلب، واليقين في المنح.
وقفة أسبوعية مع الذات
«ترند» الجمعة إذًا ليس مجرد «هاشتاغ»،
بل هو نافذة أسبوعية يُراجع فيها الإنسان نفسه، ويتفرغ للتوبة، والتأمل، والتواصل
مع السماء.
ربما لا يملك الفرد وقتًا في الأسبوع كله
للدعاء، لكن الجمعة تجمعه بخالقه في لحظة واحدة، وفيها يجدد عهده.
كيف نُحيي الجمعة بحق؟ 
لا يكفي أن نكتب تغريدة أو نضع وسمًا، بل
أن نُحيي سنن الجمعة: الغُسل والتبكير للصلاة، وقراءة سورة «الكهف»، والإكثار من
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء في ساعات اليوم كله خاصة قبل المغرب،
وصلة الرحم أو على الأقل دعاء لهم.
يوم الجمعة ليس عطلة أسبوعية، بل هدنة
روحية منحنا الله إياها، لنعود إليه، ونحتمي به من ضجيج الدنيا، وضغوط الحياة، والساعة
الخفية ليست نقطة زمنية نبحث عنها، بل هي سلوك رجاء نعيشه، فنصبح في كل لحظة أقرب
إلى الاستجابة؛ فلنغتنمها.
 
                                             
                     
                 
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                 
                     
                    