في بيتنا مدمن.. إليك خطة الإنقاذ
في بيتنا مدمن.. أصعب جملة يمكن أن يسمعها أفراد أي أسرة سوية، فإذا وقع المحظور فإنه بقدر التعامل معه تكون رحلة الشفاء والتعافي سريعاً، أو يزداد الوضع سوءاً ليصل إلى ما لا تحمد عقباه.
من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق حول مؤشرات وجود مدمن في الأسرة وكيفية تعاملها الإيجابي معه ليتم انتشاله وإخراجه لبر الأمان.
يقول د. كريم صلاح، استشاري علاج الإدمان لـ«المجتمع»: إنه يجب بداية رصد القيام بتصرفات غير مألوفة لبقية أفرد الأسرة مثل الاضطراب الكبير في شهية الطعام، واضطراب في عدد ساعات وعادات النوم سواء بالنوم لفترات طويلة أو قلة ساعات النوم بشكل كبير حسب نوع المواد المخدرة التي يتناولها وتأثيرها على حالته الصحية، وزيادة معدلات إنفاقه لأنه يكون في حاجة لشراء المخدر باستمرار، وعلى الأسرة أن تراقب دائرة علاقات ابنها المشكوك في إدمانه من حيث أصدقائه والمتعاملين معه.
ضرورة الرصد المبكر لعلامات ومؤشرات الإدمان
كذلك يلاحظ على من وقع فريسة للإدمان، تقلب حالته المزاجية بسبب تأثير المادة المخدرة مما يجعله سريع الانفعال والغضب، ويفتعل المشكلات مع المحيطين به، وتصدر منه تصرفات متناقضة مثل السعادة أو الحزن والغضب الهستيري، أو الانطواء؛ فيرفض المشاركة الإيجابية في الأنشطة الحياتية الاجتماعية خشية افتضاح أمره، والحرص جداً على لقاء أصدقائه من المدمنين.
وينبه د. صلاح إلى أنه يجب ملاحظة الأعراض السابقة مع ضرورة عرض الحالة على الأطباء لوجود أوجه تشابه كبيرة بين بعض الأعراض السابقة كعلامات أو مؤشرات للإدمان والأعراض التي تظهر على الشباب والفتيات في البدايات الأولى لمرحلة المراهقة، وكذلك من يعانون من أمراض نفسية.
وهناك نقطة جوهرية يجب الانتباه إليها، وتعرف بـ«الإدمان بالصدفة»، حيث يدخل المريض الذي يعاني من مشكلات صحية -سواء نفسية أو عضوية- دائرة الإدمان من باب تناول أدوية علاجية مسكنة خاصة البروفين أو الترامادول، فيتعافى من أعراض مشكلته الصحية ليجد نفسه على أعتاب إدمان هذه الأدوية.
رسائل توعية
يوجه د. عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، رسائل مهمة لأسرة أي مدمن تساعدها على انتشاله من بئر الإدمان، قائلاً: يجب أن تكون الرسالة الأولى التي تصل للمدمن أننا نحبك وسنقف بجانبك، وعليك أن تسترد قوتك وإرادتك وعدم الاستسلام لأن استمرارك في هذا الطريق سيقودك للموت، وهذا ما لا نرضاه لك لأننا نحبك، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الغالبية العظمى من المدمنين يعترفون بأنهم يريدون الاهتمام بهم، وعندما يفتقدون ذلك داخل الأسرة، يضطرون للبحث عنه خارجها من أصدقاء السوء.
يجب تجنب التدخين والمسكرات وأصدقاء السوء
ويطالب عثمان الأسرة التي تكتشف أن أحد أبنائها وقع في الإدمان بأن تعمل على إذابة الجليد المسيطر على مشاعرهم تجاهه إزاء كارثته الجديدة، ومد يد العون له بأن يكون لكل واحد منهم دور إيجابي في انتشاله نفسياً وعضوياً من المأزق الذي وقع فيه سواء برضاه أو رغماً عنه، وأن يعملوا منذ بداية رحلة العلاج على إقامة الحوار المغلف بالاحترام والرحمة والحزم من الوالدين، أو من يمثل السلطة العليا في الأسرة بعيداً عن الشفقة القاتلة.
وعلى أسرة المدمن إقناعه واحتواؤه ليبدأ سريعاً رحلة العلاج، وإقناعه بالاتصال بخدمات العلاج المجاني، والتوجه إلى البرامج العلاجية المتكاملة التي تتناسب مع حالته سواء في البيت أو المصحة.
خطة وقائية
وتؤكد د. هناء الجوهري، أستاذ علم الاجتماع– جامعة القاهرة، أن هناك العديد من العوامل التي تجعل شخصاً ما فريسة للوقوع في بئر الإدمان، أهمها التصدع الأسري نتيجة الخلافات الدائمة، أو الطلاق؛ مما يشعر الأولاد بالضياع، أما الزوجان فهما يعانيان من الاضطراب النفسي مما يجعلهما يفكران في الإدمان كوسيلة هروبية في ظل الإحساس بالذنب لضياع أحد الأولاد بالإدمان، ويزيد الطين بلة إذا كان الشخص يعاني من الجهل التعليمي، وتصديق ما يروجه تجار المخدرات من أن مواد مخدرة معينة أو أدوية غير مصرح من مؤسسات الصحة تزيد من القدرة الجنسية، أو تعالج السمنة أو النحافة المفرطة إلى جانب أضرارها على الصحة العامة قد تدفع من يتناولها إلى دائرة الإدمان.
التماسك الأسري والتوجه إلى البرامج العلاجية يسرع التعافي
وتشير إلى أنه حتى يتعافى المدمن سريعاً عليه أن يدرك تفاصيل مشكلته وضرورة البحث لها عن حل بالاشتراك بين الأسرة والأطباء، وأن نتيجة هذا التعاون يتوقف على مدى جديته وتنفيذ ما يطلب منه، والتسلح بالصبر لمواجهة الصعوبات التي تغير أسلوب حياته للأحسن والتخطيط لها بعيداً عن أي مواد مخدرة، مع العلم أن التماسك الأسري يسرع بالتعافي، والتمزق الأسري يصيبه بحالة من الإحباط واليأس، وفي الوقت نفسه إبعاده عن الأعمال الدرامية والسينمائية التي تمجد شرب الخمور، والتدخين المقيت الذي يعتبر البوابة الذهبية للإدمان.
وتنهي د. الجوهري كلامها مؤكدة الأهمية الكبرى لدور الأسرة في الخروج السريع بأحد أفرادها من بئر الإدمان المبكر بعد علاجه من غالبية الأعراض العضوية والنفسية، بالاحتضان الإيجابي السريع لمن وقع فريسة، والتوقف عن التأنيب والعقاب البدني أو اللفظي الذي يأتي بنتيجة عكسية في رحلة العلاج، وخاصة إذا علمنا أنه لا يمكن إجبار مدمن على العلاج، بل لا بد من تحفيز إرادته من خلال البيئة الاجتماعية المحيطة به وتؤثر فيه.