في زمن وسائل التواصل الاجتماعي.. كيف تتجنب الرياء في 7 نقاط؟

وردت النصوص الشرعية محذرة من آثار الرياء وخطورته وكان اسمه الشرك الأصغر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أخوفَ ما أخاف عليكم الشرك الأصغر -الرياء- يقول الله عز وجل: إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» (رواه أحمد)، وهو من مذهبات الأعمال وسبب لضياع أجرها بالكامل، حيث يقول تعالى فيهم: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) (الفرقان: 23)، فهم يظهرون بمظهر آخر على غير حقيقتهم ليخدعوا الناس، لكنهم لا يخدعون الله تعالى الذي قال في أفعالهم التي يبتغون بها وجه الناس لا وجه الله عز وجل، ليصدق قوله تعالى فيهم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) (النساء: 142).

والرياء عكس الإخلاص وناقض له، ويعرف ابن القيم الإخلاص بأنه: هو ما لا يعلمه مَلَكٌ فيكتبه، ولا عدو فيُفسده، ولا يُعجب به صاحبه فيُبطلُه(1).

والرياء فيه تقديم لرضا الناس عن رضا الله، فأنت تخجل من نفسك وتتجمل أمام الخلق، بينما تتجاهل أن الله عز وجل مطلع عليك في كل وقت وحين، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور مهما حاولت التخفي، فالمرائي يخشى الناس أكثر من خشيته من ربه، ويلتمس عندهم حسن السمت، بينما هو عند الله ذميم النفس سيئ الخلق.

ضوابط استخدام وسائل التواصل

أخلاق المسلم ومنظومة القيم التي يتحرك وفقها، تحتم عليه ألا يخرج من دائرة الحكم الإسلامي بأن تحكم تلك الضوابط سلوكه، ولسانه، وعينه، ومعتقداته، كي لا يفاجأ بتسرب دينه من بين يديه دون أن يدري، ومن هذه الضوابط التي يجب الالتزام بها حفاظاً على إخلاصه وسلوكه:

1- التحكم بالوقت الذي يجب أن يقضيه على وسائل التواصل، فلا تمنعه عن فريضة كالصلاة، ولا بر الوالدين، ولا عمل يبتغي به مرضاة الله يتقنه، ولا سعي بين المسلمين بالإصلاح، وقد ساهمت تلك المواقع في قطع العلاقات بدلاً من تواصلها كما يطلق عليها.

2- تقوى الله في المحتوى المقدم، وتحري الصدق فيه، فلا ينقل أخباراً كاذبة مستهيناً بها وهو لا يدري أنه يمكن أن يكتب عند الله كذاباً، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة: 119)، وعن ابن مسعود قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذاباً» (متفق عليه).

وما زال البعض يسابق «الترند» فيتجرؤون على نشر أخبار كاذبة، حتى إذا تبين كذبها لا يكلفون أنفسهم مؤنة حذفها أو تصحيحها، وقد يتعلق الأمر بأعراض المسلمين وسمعتهم، فيقعون في محظور الفجور وهم يحسبون أنها دعابات بسيطة؛ يقول تعالى فيهم: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (يونس: 61).

4- تحري الستر خاصة فيما يخص نساء وبنات المسلمين، فلا صور تنشر تثير غرائز الناس، حتى إن لم تكن صورتها الحقيقية، ومن الناس من تجرأ على الأمر وفقد مروءته وخلقه فيقوم بنشر صورته مع زوجته وبناته لحصد التعليقات والإعجابات، وتطربه كلمة إشادة بجمالهن وحسن مظهرهن، وهو لا يدري أنه بذلك قد دخل في باب الدياثة؛ ما يهدد بحرمانه من الجنة أو الاقتراب منها.

فعن عمار بن ياسر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ لا يدخلون الجنَّةَ أبدًا: الدَّيوثُ، والرَّجلة من النِّساءِ، ومدمنُ الخمرِ»، قالوا: يا رسولَ اللهِ، أمَّا مدمنُ الخمرِ فقد عرفناه، فما الدَّيوثُ؟ قال: «الَّذي لا يُبالي من دخل على أهلِه»، فقلنا: فما الرَّجُلةُ من النِّساءِ؟ قال: «الَّتي تشبَّهُ بالرِّجالِ».

5- عدم استخدام تلك الوسائل للسخرية من أحد، والتعريض بالناس بحجة المزاح، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات: 11).

6- إبعاد الأطفال، ومنعهم تماماً من استخدام تلك الوسائل، وعلى المربين والآباء محاولة ملء فراغ الأطفال فيما ينفع من أمور التربية والإرشاد وحفظ كتاب الله.

وقد حذر علماء النفس والتربية من إطلاق يد الأطفال دون ضابط وترك مساحات واسعة لهم لاستخدام الهواتف الذكية؛ لما يسببه من توحد وعزلة واكتئاب واضطرابات النوم، فالطفل يتخذه بديلاً عن أهله، فمن أين يكتسب عاداته وسلوكه وأخلاقه ودينه، ومن أين يتشبع من الرعاية والحنان والعطف إن لم يكن من أهله الذين يحيطونه برعايتهم.

7- البعد عن مجلبات الرياء عبر تلك المواقع، مثل نشر الصور الخاصة بالشخص وهو في المسجد، أو في العمرة، أو وهو يتصدق على الفقراء، فكل إعجاب يحصل عليه هو مدعاة للفخر والرياء ورغبة في مزيد من الإعجاب المحبط للعمل.

 




____________________

(1) الفوائد لابن القيم، ص 144.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة