في مواجهة الإرهاب.. مواقف بطولية لمسلمين في الغرب

د. علي فتيني

17 ديسمبر 2025

41

في قلب المشهد الدموي المأساوي الذي شهدته مدينة سيدني الأسترالية، الأحد 14 أغسطس 2025م، وأسفر عن سقوط عشرات الضحايا من المدنيين الأبرياء بين قتيل وجريح، برز اسم المسلم أحمد الأحمد بوصفه بطلاً حقيقياً ورجلاً نبيلاً، حين خاطر بحياته وتدخل مباشرة لنزع سلاح أحد المهاجمين، في موقف شجاع لولاه –بعد توفيق الله– لأُزهقت أرواح المئات.

لقد أثار هذا التصرف البطولي إعجاب المجتمع الأسترالي، وحظي بإشادة رسمية وشعبية واسعة، وفي هذا السياق، قال رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز، كريس مينز: إن ما قام به الأحمد يُعد «من أكثر المشاهد التي لا تُصدَّق»، مضيفاً: «هذا الرجل بطل حقيقي، وكثيرون ما زالوا على قيد الحياة الليلة بفضل شجاعته».

كما أثنى رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي على تصرف الأحمد وغيره من المدنيين الذين اندفعوا للمساعدة، معتبراً أنهم «أمثلة حقيقية للشجاعة والتضامن الإنساني».

غير أن هذا الموقف النبيل والبطولي المسلم ليس حالة استثنائية أو حادثة معزولة، بل هو امتداد لسلسلة من المواقف المشرفة التي سجّلها مسلمون في دول غربية مختلفة، تصدّوا فيها لهجمات إرهابية وأعمال إجرامية كادت أن تودي بحياة أعداد كبيرة من الأبرياء، لولا شجاعتهم وتدخلهم السريع، مخاطِرين بأنفسهم من أجل إنقاذ الآخرين.

إن مثل هذه المواقف تشرح الصدر، وتبعث على الفخر، لأنها تمثل تجسيداً عملياً للقيم الإسلامية الأصيلة في حماية الأرواح، والشجاعة، والدفاع عن الأبرياء، وهي الصورة الحقيقية الناصعة للإسلام التي ينبغي أن يراها العالم بعيداً عن التشويه والتعميم الظالم.

ولتنشيط الذاكرة، ومن باب التمثيل لا الحصر، نستعرض فيما يلي بعض هذه النماذج البطولية في القارة الأوروبية:

النرويج.. عجوز مسلم يمنع مجزرة داخل مسجد

في 10 أغسطس 2019م، تعرّض مسجد النور في ضواحي العاصمة النرويجية أوسلو لهجوم إرهابي نفّذه شاب نرويجي يبلغ من العمر 21 عاماً، يحمل أفكاراً يمينية متطرفة، حيث أطلق النار داخل المسجد وكان يعتزم قتل عدد كبير من المصلين.

إلا أن أحد رواد المسجد، وهو رجل مسن يُدعى محمد رفيق، تصدّى له بشجاعة نادرة، وتمكن من السيطرة عليه ومنع وقوع مجزرة إرهابية دموية، وقد أطلقت عليه الصحافة النرويجية لقب «الرجل الشجاع»، باعتباره أنقذ المسلمين، بل وأنقذ النرويج كلها من فاجعة كبرى.

وقد تم تكريم رفيق رسمياً من قبل رئيس البلدية وقائد الشرطة في المنطقة، إلى جانب مسلم آخر يُدعى محمد إقبال، الذي ساعد في شلّ حركة المهاجم وتسليمه للشرطة، ولاحقاً، مُنح الاثنان «وسام العمل النبيل»، وهو أعلى وسام في النرويج، تقديراً لبطولتهما.

النمسا.. شبان مسلمون ينقذون المصابين وسط الرصاص

في مساء 2 نوفمبر 2020م، شهدت العاصمة النمساوية في فيينا سلسلة هجمات مسلحة أسفرت عن مقتل 5 أشخاص على الأقل، وإصابة 17 آخرين.

وفي خضم هذه الأحداث، برز 3 شبان مسلمين بوصفهم أبطالاً حقيقيين؛ إذ اندفعوا لإنقاذ المصابين مخاطِرين بحياتهم وسط الخطر، وهؤلاء هم: رجب طيب غولتكين، وميكائيل أوزن (وهما من أصول تركية)، وأسامة جودة (شاب فلسطيني).

وقد نجح هؤلاء الشبان في إنقاذ حياة شرطي وسيدتين، حيث تمكنوا من سحب الشرطي المصاب ونقله إلى سيارة الإسعاف رغم استمرار التهديد وخطورة الوضع.

وقد حظي هذا العمل الإنساني بتقدير رسمي؛ إذ كرّمت تركيا الشابين التركيين، والتقى السفير التركي في فيينا بهما معبراً عن فخره ببطولتهما، كما أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصالاً مرئياً معهما أشاد فيه بشجاعتهما.

أما الشاب الفلسطيني أسامة جودة، فقد كرمته الشرطة النمساوية بمنحه «الوسام الذهبي»، تقديراً لدوره الاستثنائي في إنقاذ حياة الشرطي المصاب.

بريطانيا.. إمام يطفئ نار الانتقام

في يوم الإثنين 19 يونيو 2017م، تعرّض مجموعة من المصلّين لهجوم دهس متعمّد بواسطة سيارة، أثناء خروجهم من مسجد فينسبري بارك شمال لندن؛ ما أسفر عن وفاة شخص وإصابة 10 آخرين.

وفي مشهد إنساني لافت، بادر إمام المسجد محمد محمود إلى حماية المهاجم –سائق السيارة– من الحشود الغاضبة التي حاولت الاعتداء عليه، ودعاهم إلى ضبط النفس، مؤكداً أن الطريق الصحيح تسليمه للشرطة، وهو ما تم بالفعل، وقد اعتبرت السلطات البريطانية هذا الموقف خدمة جليلة للمجتمع ودليلاً واضحاً على الدور الإيجابي للمسلمين في بريطانيا.

وتقديراً لهذا التصرف الشجاع، منح الأمير ويليام (دوق كامبردج) الإمام محمد محمود وسام الإمبراطورية البريطانية.

وقالت وزارة الخارجية البريطانية عبر صفحتها الرسمية: «الإمام محمد محمود يحصل على وسام الإمبراطورية البريطانية، وتسلمه من الأمير ويليام في قصر باكينغهام، تقديراً لعمله البطولي خلال الهجوم الإرهابي على المصلين عند خروجهم من مسجد فينسبري بارك عام 2017».

وأضافت: «هذا التكريم دليل قوي على أهمية الدور الذي يقوم به المسلمون في بريطانيا في شتى المجالات».

فرنسا.. شاب مسلم ينقذ 15 شخصاً من موت محقق

خلال الهجوم الإرهابي على متجر يهودي في باريس، في 9 يناير 2015م، أقدم الشاب المسلم حسن باثيلي، وهو من أصل مالي يبلغ من العمر 24 عاماً وكان يعمل في المتجر، على مخاطرة بطولية بحياته من أجل إنقاذ الآخرين.

فقد تمكّن من إنقاذ 15 شخصاً من الزبائن، حيث قام بإنزالهم إلى الطابق السفلي، وأخفَاهم داخل غرفة التبريد لحمايتهم من المهاجم، إلى أن وصلت قوات الشرطة.

وقد حظي هذا الموقف الإنساني بتقدير واسع في فرنسا، إذ مُنح الجنسية الفرنسية تكريماً لشجاعته، وأصبح بطلاً شعبياً في نظر الرأي العام الفرنسي، وموضع إشادة واسعة في وسائل الإعلام، كما اعتبرته مجلة «إكسبريس» الأسبوعية الفرنسية أحد الأبطال الذين امتلكوا الشجاعة لحماية حياة الآخرين قبل التفكير في سلامتهم الشخصية.

دلالات ورسائل

أولاً: إن هذه النماذج البطولية هي التي ينبغي الاحتفاء بها، وتقديمها بوصفها قدوة حقيقية للمسلمين في الغرب، ولا سيما للشباب المسلم الذي يبحث عن معاني البطولة والشجاعة والتضحية، ليعبّر من خلالها عن قيم الإسلام ومبادئه في حماية النفس الإنسانية، كما جاء في قوله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) (المائدة: 32).

ثانياً: كما تحمل هذه النماذج رسالة واضحة للمنصفين في الغرب والعالم، تدعوهم إلى إعادة النظر في الصور النمطية والتهم الجاهزة التي تُلصق بالإسلام والمسلمين، بعيداً عن الواقع، وبما يتناقض مع القيم الإنسانية التي يجسدها هؤلاء الأبطال على أرض الواقع.

ثالثاً: كما أنها تحمل دعوة إلى الأوساط السياسية والإعلامية في الغرب بالذات أن يكون لها دور في تصحيح النظرة عن الإسلام، ومحاصرة الفكر اليميني المتطرف الذي يمارس عملية التخويف من المسلمين في هذه المجتمعات.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة