قبل تقرير الأمم المتحدة.. قراءة في الإنجازات التشريعية لحماية المرأة في الكويت
تمثل مسيرة
تمكين المرأة في الكويت رحلة وطنية راسخة تستند إلى إطار تشريعي متين ومتجدد، وقد
أثمرت الإرادة السياسية والدعم الدستوري عن إنجازات تاريخية، بدأت بمنح المرأة
حقوقها السياسية الكاملة في عام 2005م، مرورًا بإقرار قانون شامل للحماية من العنف
الأسري في عام 2020م، بالإضافة إلى مكتسبات مهمة في قوانين العمل والأحوال الشخصية،
هذه الإنجازات المتتالية تؤكد التزام الكويت الثابت بمبادئ المساواة والعدالة،
وتُبرز دورها كنموذج رائد في المنطقة.
الأساس الدستوري والالتزام الدولي
حقوق المرأة في
الكويت ليست وليدة تشريعات حديثة، بل تتجذر في مبادئ دستورية أصيلة، فالدستور
الكويتي الصادر عام 1962م ينص في المادة (29) على أن «الناس سواسية في الكرامة
الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم
في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين»، هذه المادة مثّلت الأساس القانوني
لجميع التشريعات اللاحقة.
إلى جانب هذا
الأساس الداخلي، عززت الكويت التزامها الدولي بحقوق الإنسان بانضمامها إلى اتفاقية
القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) في عام
1994م، هذا الانضمام لم يكن مجرد إجراء شكلي، بل شكّل التزامًا رسميًا بمواءمة
القوانين الوطنية مع المعايير الدولية.
يمكن فهم هذه
المسيرة في ضوء الدور التاريخي للمرأة الكويتية، الذي منح مطالبها الشرعية عمقًا
مجتمعيًا، فقبل التشريعات الحديثة، أسهمت المرأة بشكل كبير في الاقتصاد التقليدي
للمجتمع ما قبل النفط، وتجلى دورها بشكل أوضح خلال الغزو العراقي عام 1990م، حيث
انخرطت في المقاومة؛ ما مهّد الطريق أمام المطالبات القانونية.
الانطلاقة الكبرى.. الحقوق السياسية والمشاركة العامة
تُعدّ المحطة
التشريعية الأهم في تاريخ حقوق المرأة الكويتية هي إقرار مجلس الأمة، في 16 مايو
2005م، قانونًا تاريخيًا يمنح المرأة حقها الكامل في التصويت والترشح، لم يكن هذا
القرار حدثًا عابرًا، بل تتويجًا لنضال استمر لعقود.
لم يكن هذا الإنجاز التشريعي رمزيًا فحسب، بل كان له أثر مباشر، فبعد فترة وجيزة من إقرار القانون، تم تعيين د. معصومة المبارك كأول وزيرة في تاريخ الكويت عام 2007م، وقد استمرت هذه المشاركة في النمو، حيث بلغت نسبة النساء في المناصب القيادية 28% في عام 2023م.
الحماية القانونية المتكاملة.. مكافحة العنف وتعزيز الأمان
خطت الكويت خطوة
هائلة نحو حماية المرأة من العنف من خلال إقرار قانون رقم (16) لسنة 2020م بشأن
الحماية من العنف الأسري، هذا القانون لم يكتفِ بتجريم العنف الجسدي، بل وضع
تعريفًا شاملًا للعنف الأسري ليشمل أي أذى نفسي، أو جنسي، أو مالي.
ولتفعيل هذا
القانون، تم إنشاء آليات عملية لدعم الضحايا، مثل اللجنة الوطنية للحماية، ومراكز
الإيواء، والخط الساخن.
المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية
تتمتع المرأة
الكويتية بحماية تشريعية متقدمة في مجال العمل، حيث ينص قانون العمل الكويتي على
مبدأ المساواة في الفرص والأجور، كما يولي أهمية خاصة لحقوق الأمومة، حيث يحق
للعاملة في القطاع الخاص الحصول على إجازة وضع مدتها 70 يومًا بأجر كامل.
وتتجسد نتائج
هذه التشريعات في أرقام واضحة، حيث تتفوق النساء الكويتيات على الرجال في معدلات
الالتحاق بالتعليم العالي، ويشكلن أكثر من 64% من القوى العاملة في القطاع الحكومي
في عام 2023م.
إضافة إلى ذلك،
تتبنى الدولة نهجًا شموليًا في الدعم الاجتماعي، حيث تكفل معاشًا كريمًا للمرأة
التي لا معيل لها، وتدعم المشاريع الصغيرة للمرأة، مما يعزز استقلالها الاقتصادي.
إصلاحات الأحوال الشخصية.. تحديث مستمر لمنظومة الأسرة
شهدت القوانين
المنظمة للأسرة تعديلات مهمة، مثل رفع سن الزواج القانوني إلى 18 عامًا، بهدف
حماية الفتيات القاصرات.
علاوة على ذلك،
تشهد الكويت حاليًا حراكًا تشريعيًا لإصلاح قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1984م،
الذي يتضمن مقترحات متقدمة مثل اشتراط موافقة المرأة الصريحة على الزواج، وإعادة
ترتيب أولوية الحضانة للأم، وتوسيع حقوق الأرملة.
الخلاصة والتطلعات المستقبلية
تُظهر المسيرة التشريعية للمرأة في الكويت أنها عملية متراكمة ومستمرة، لقد تمكنت الكويت،
انطلاقًا من دستورها الرائد، من تحقيق نقلة نوعية في مختلف جوانب حياة المرأة، من
الحياة السياسية والاقتصادية إلى الحماية من العنف وإصلاح قوانين الأسرة.
هذه المكتسبات
هي نتاج تضافر جهود حكومية ومجتمعية، وبينما تتناغم هذه المسيرة مع «رؤية كويت جديدة 2035»، فإنها تؤكد أن تمكين المرأة هو عامل رئيس في بناء مجتمع أكثر عدلًا
وازدهارًا.