قراءة في أزمة التحقق من الناخبين في ولاية بيهار الهندية

في خطوة مثيرة للجدل، أطلقت لجنة الانتخابات في الهند (ECI) عملية مراجعة مكثفة وخاصة لقوائم الناخبين في ولاية بيهار فقط، في سابقة غير معهودة أن يتم تنفيذ تمرين انتخابي بهذا الحجم في ولاية واحدة دون باقي الولايات، وقد أثار هذا القرار موجة من الانتقادات والمخاوف، خاصة من الباحثين والنشطاء الذين يرون أن هذا الإجراء، وإن اتخذ بغطاء إداري، فإنه يحمل أبعادًا سياسية واجتماعية عميقة.

سياق القرار

بحسب بيان لجنة الانتخابات الصادر في 28 يونيو 2025م، فإن التعداد الانتخابي في بيهار يبلغ 7.9 ملايين، منهم 94.96% مُسجلون بالفعل في القوائم الانتخابية، ومع ذلك، قررت اللجنة تنفيذ مراجعة تهدف إلى تحديث السجلات وضمان أهلية الناخبين، لكن التفسير العملي لهذا القرار يعني أن حوالي 4.76 ملايين شخص سيكون عليهم إثبات جنسيتهم خلال مهلة قصيرة جدًا لا تتجاوز الشهر.

ويُذكر أن تمرينًا مشابهًا لم يتم تنفيذه منذ عام 2003م، حين لم يُطلب من المواطنين سوى تقديم الحد الأدنى من المستندات لإثبات الأهلية.

الوثائق المطلوبة.. تعجيز أم تنظيم؟

من أكثر النقاط إثارة للجدل هي الشروط المعقدة لإثبات الجنسية، فالأشخاص الذين لم تُدرج أسماؤهم في قوائم عام 2003م سيُطلب منهم تقديم:

1- شهادة ميلاد صادرة بعد 1 يوليو 1987م.

2- وثيقة ثانية تحتوي على اسم الأب أو الأم، مثل بطاقة المدرسة أو السجلات الحكومية.

ويجدر بالذكر أن معظم المواطنين من الطبقات الفقيرة؛ النساء، القرويين، وكبار السن، لا يملكون شهادة ميلاد، فضلًا عن وثائق تحمل اسم الأبوين، في ولاية مثل بيهار، حيث تبلغ نسبة من يملكون شهادة ميلاد فقط 2.8%، ستكون المهمة شبه مستحيلة للكثيرين؛ هذا يعني عمليًا أن الملايين قد يُحرمون من حقهم في التصويت دون أي عملية استئناف عادلة.

نتائج الانتخابات البرلمانية في الهند.. ما الجديد فيها؟ |  Mugtama
نتائج الانتخابات البرلمانية في الهند.. ما الجديد فيها؟ | Mugtama
شهدت الهند العام الجاري (2024) جولة من الانتخابات...
mugtama.com
×

التمييز الإداري والسياسي المحتمل

لماذا بيهار فقط؟ ولماذا الآن؟ ولماذا تُرفض وثائق مثل آدهار رغم استخدامها في كافة المعاملات الحكومية؟

الإجابات قد لا تكون قانونية، بل سياسية، بيهار ولاية إستراتيجية انتخابيًا، ويُنظر إلى الطبقات المحرومة فيها التي قد تميل للتصويت ضد الحزب الحاكم كعنصر غير مضمون سياسيًا، بالتالي، فإن هذا التمرين قد يُفسر كمحاولة ممنهجة لتقليص عدد ناخبي تلك الفئات.

يعتبر عدد متزايد من المحللين السياسيين أن هذه الخطوة ليست فقط تمرينًا إداريًا، بل تشكل تمهيدًا فعليًا لتطبيق مشروع السجل الوطني للمواطنين (NRC)، وقانون الجنسية المعدل (CAA)، اللذين أُثير حولهما جدل واسع في السنوات الأخيرة، ويرى هؤلاء أن فرض التحقق من الجنسية عبر وثائق معقدة ومحددة يُمثل أولى مراحل بناء قاعدة بيانات تُستخدم لاحقًا لاستبعاد من لا يستوفون شروط الجنسية وفقًا لمعايير مستقبلية.

من سيتأثر؟

الفئات الأكثر تضررًا من هذا القرار هم:

- الطبقات الاجتماعية المحرومة.

- الفقراء وسكان المناطق الريفية.

- النساء وكبار السن الذين يفتقرون إلى الوثائق الرسمية.

- المهاجرون والعمال الموسميون الذين لا يملكون سجل إقامة دائماً.

وإذا أضفنا إلى ذلك أن حملة التحقق ستبدأ في 25 يوليو وستُنجز خلال شهر، فإن الأمر يبدو وكأنه محاولة منظمة لشطب أعداد ضخمة من الناخبين من الطبقات المهمشة.

ووصفت جهات حقوقية وأكاديمية هذا الإجراء بأنه عملية تطهير انتخابي تحت غطاء تنظيمي، وذهبت بعض التحليلات إلى القول: إن الحملة تمهد لتقليص عدد الناخبين المسلمين والطبقات الدنيا في ولاية كانت تتميز تاريخيًا بوزن سياسي متقلب وغير مضمون.

وقد أعرب العديد من نشطاء المجتمع المدني عن خشيتهم من أن يتحول التحقق إلى أداة لخلق سجل مواطنين غير رسمي، على غرار مشروع السجل الوطني للمواطنين (NRC) المثير للجدل الذي طُبق في آسام.

هل نحن أمام أزمة دستورية؟

في بلد ديمقراطي مثل الهند، يعتبر الحق في التصويت من الحقوق الدستورية الأساسية، وإن كان الهدف من تحديث القوائم الانتخابية ضمان الشفافية والنزاهة، فإن الوسائل المتبعة ينبغي أن تكون عادلة، وشاملة، وغير تمييزية.

إن تطبيق هذا التمرين الإداري بشكل انتقائي في ولاية واحدة، وبشروط تعجيزية، وفي وقت ضيق، لا يمكن قراءته إلا على أنه محاولة منهجية لإقصاء شريحة من المواطنين الضعفاء، كما أن رفض قبول وثائق مثل آدهار أو بطاقة العمل كمستندات إثبات للجنسية، يكشف عن نوايا تتجاوز التنظيم الإداري إلى التلاعب السياسي.

إن الحفاظ على جوهر الديمقراطية لا يتطلب فقط انتخابات حرة ونزيهة، بل أيضًا ضمان ألا يُحرم أي مواطن من صوته بسبب فقره أو أصله الاجتماعي أو جهله بالبيروقراطية.

وخلاصة القول: إن ما يحدث في ولاية بيهار لا يمكن اعتباره مجرد إجراء إداري لتحسين دقة قوائم الناخبين، بل هو تطور مقلق يحمل في طياته تهديدًا حقيقيًا لمبدأ حق الاقتراع العام الشامل الذي تُبنى عليه الديمقراطية الهندية، فالشروط المفروضة في هذه الحملة لا تواكب الواقع الاجتماعي والاقتصادي لأغلب سكان الولاية، بل تبدو وكأنها تستهدف، بشكل غير مباشر، الفئات الأكثر تهميشًا؛ من الفقراء والنساء، إلى كبار السن والطبقات الدنيا، ممن لا يملكون الوثائق المطلوبة رغم مشاركتهم في الانتخابات السابقة.

ورغم إصرار لجنة الانتخابات على أن الحملة حيادية وتنظيمية، فإن قصر تنفيذها على ولاية واحدة، واختيار توقيت سياسي حساس، إلى جانب اشتراط وثائق يصعب توفيرها، يثير شكوكًا عميقة حول أهدافها الفعلية، ويزداد هذا القلق في ظل تأكيد عدد من المحللين السياسيين أن هذه الخطوة تمثل تمهيدًا عمليًا لتطبيق مشروع السجل الوطني للمواطنين (NRC) وقانون الجنسية المعدل (CAA)، بما ينذر بتحول خطير في فهم المواطنة، من حق دستوري مكفول، إلى معيار انتقائي قد يُستخدم أداة للإقصاء السياسي والاجتماعي.

فالحفاظ على نزاهة العملية الانتخابية، وضمان ثقة المواطن بها، يتطلبان وقف هذه المراجعة فورًا، وإعادة النظر في أسلوب إدارة قوائم الناخبين بما يراعي مبادئ الشمول والعدالة والشفافية، فالديمقراطية لا تتجذر بالإقصاء والشك، بل تُبنى عبر الثقة، والمشاركة الحرة، والاعتراف المتساوي بحقوق الجميع، دون تمييز أو شروط مستحيلة.

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة