قراءة في كتاب «الطلاق أمام القاضي»
تعتبر د. زينب
أبو الفضل من أساتذة الفقه القلائل الذين يتمتعون بروح الشريعة المقاصدية في
تصانيفها المفيدة، التي طالما تتطرق إلى قضايا ومسائل شرعية بروح تتجلى فيها مقاصد
الشريعة السمحة، مدعومة بالدليل والفهم العميق، ومن ذلك كتابها «الطلاق أمام
القاضي».
وترى أنه مما لا
شك فيه أن هناك خللاً كبيرًا قد أصاب البنيان الأسري في المجتمعات العربية على
اختلافها.
وبينت د. أبو
الفضل، في كتابها، أن مردّ هذا الخلل يرجع – كما تؤكد الإحصاءات– إلى تفشي ظاهرة
الطلاق بشكله الجائر، وما ينشأ عن ذلك من ضياع للحقوق، وفساد في العلاقات.
أيضاً تسبب حرص
كلا الطرفين -الزوجة والزوج– على الانتقام من الطرف الآخر وبكل طاقته، مع غض الطرف
في أحايين كثيرة عن مردود ذلك على حاضر الأبناء ومستقبلهم، بحسب ما تتبناه في
الكتاب.
كما ترى المؤلفة
أن المرأة –شئنا أم أبينا– هي الطرف الأضعف والمفعول به في قضية الطلاق، بصورته
التطبيقية في مجتمعاتنا التي لا تزال تعيش بعقلية أنه ما دام الطلاق حقاً للرجل؛
فإنه وحده هو صاحب القرار فيه.
أيضاً، يشير
الكتاب إلى أن من خطورة التصورات في المسألة أنه لا يحق لأحد تقييد سلطة الرجل في
استخدام هذا الحق، مهما أفرط في سوء استخدامه أو تعسف وتعدى وظلم.
ونبهت المؤلفة إلى
أن خطورة ذلك تكمن وكأننا في مجتمعات ما قبل القوانين، ولا نعرف نظرية «التعسف في
استعمال الحق»، وآثارها القانونية والعقابية، بل وكأننا في مجتمعات ما قبل
الإسلام، المؤسس بقوة لهذه النظرية القانونية التي توافرت نصوص الكتاب والسُّنة
على التأسيس لها في الشأن العام، وفي الشأن الأسري تحديدًا، سواء في ذلك النصوص
التي أسست للشأن الأسري من ناحية البناء (الزواج) أو الهدم (الطلاق).
وفي الكتاب حول
هذه المسألة أن الشريعة جاء خطابها مقاصديًا بالدرجة الأولى؛ بحيث تصان الحقوق ولا
تهدر؛ ومن ثم، فإن أي جور يقع على أي طرف من الأطراف يكون تعديًا وإساءة وظلمًا،
ومخالفًا لقصد الشارع من التشريع، وللمجتمع حينئذ إذا فشا فيه هذا الجور أن يأخذ
على يد المعتدي والمسيء والظالم بسلطان القانون؛ «وإن الله ليزع بالسلطان ما لا
يزع بالقرآن».
وقد جاء الكتاب
بهدف تجلية حقيقة موقف الشريعة الإسلامية من قضية تقييد سلطة الزوج في إيقاع
الطلاق، وهل يمكن سنّ تشريع يحظر على الزوج إيقاع الطلاق إلا أمام القاضي؛ حفظًا
للحقوق ومنعًا للتشاحن والظلم؟ وهل لذلك مستنده من الشريعة أم لا؟
أهم
مباحث الكتاب
1-
الطلاق حق للزوج لكنه ليس مطلقًا:
تؤكد الشريعة حق
الرجل في الطلاق، لكنها في الوقت ذاته تضع ضوابط ومقاصد تهدف إلى حفظ الحقوق وعدم
الإضرار بالمرأة.
2-
التعسف في استعمال الحق:
تعتمد المؤلفة
على مبدأ التعسف في استعمال الحق في الشريعة، الذي يعني أن استخدام الحق بطريقة
تضر بالآخرين يعتبر ظلمًا، وبالتالي فإن الطلاق التعسفي أمر مرفوض.
3-
دور القضاء في حماية المرأة:
ترى أيضاً أن
إيقاع الطلاق أمام القاضي قد يكون وسيلة لحماية المرأة من الطلاق التعسفي، وضمان
حصولها على حقوقها.
4-
مقاصد الشريعة:
حيث تستعرض
الباحثة مقاصد الشريعة في الزواج والطلاق، وتؤكد أن الشريعة تهدف إلى تحقيق العدل
والمصلحة للطرفين، وأن الطلاق يجب أن يكون في إطار هذه المقاصد.
فخلاصة القول،
ترى المؤلفة الفقيهة أن إلزام الزوج بإيقاع الطلاق أمام القضاء أمر ممكن ومستند
إلى مقاصد الشريعة في حفظ الحقوق ومنع الظلم، وأن ذلك لا يتعارض مع سلطة الزوج في
الطلاق، بل هو ضبط لهذه السلطة ومنع التعسف.