قرية سلوان الفلسطينية.. بين مطرقة الهدم والتهجير وسندان التهويد

محمود المنير

28 يونيو 2021

136

بلدة سلوان هي البلدة الأكثر التصاقاً بأسوار وأبواب القدس القديمة، من الناحية الجنوبية الشرقية المحاذية للمسجد الأقصى وحائطه الخارجي، وهي من القرى الكبيرة بفلسطين وأكثرها سكاناً في التاريخ المعاصر، وفيها عين ماء مشهورة تدعى "عين سلوان"، وفيها مواقع تاريخية مهمة، وكانت مصدر مياه البلدة القديمة في القدس عبر التاريخ، وعبر قنوات بناها اليبوسيون (بناة القدس الأصليون) وما زالت آثارها قائمة حتى يومنا هذا.

الاستيلاء جزء من مخطط أوسع للسيطرة على البلدة بأكملها

سلوان حامية القدس

حسب المؤرخين والباحثين، فإن بلدة سلوان كانت النواة الأولى التي بنيت عليها القدس قبل أكثر من 5 آلاف عام من قبل اليبوسيين، وأطلقوا عليها اسم «يبوس»، وهم من القبائل الكنعانية التي سكنت فلسطين، وهم أول من عرف زراعة الزيتون في البلاد.

وبدأ البناء والعمران في سلوان في العصر الأموي، ويرجح هذا القول الحفريات جنوب الأقصى حيث تظهر للعيان اليوم القصور الأموية منخفضة الارتفاع، وكانت معظم بيوت القرية مقتصرة على السفح الشرقي لوادي قدرون أو ما يسمى وادي جهنم، ومع تزايد التعداد السكاني اتسعت رقعة البناء لتشمل جميع أنحاء سلوان.

وسميت سلوان بـ"حامية القدس" لأن حدودها تشكل قوساً يمتد من الناحية الشرقية الجنوبية حتى الجنوبية الغربية.

كانت سلوان من أهم البلدات التي وضعت سلطات الاحتلال عينها عليها فصادرت قرابة 73 ألف دونم من أراضيها الواسعة مباشرة بعد حرب 1967، امتدت حتى الخان الأحمر، إضافة إلى مساحات واسعة تمت السيطرة عليها بعد حرب 1948.

ملايين الدولارات تضخ سنوياً إلى هذه المنطقة من أجل تهويدها

في قبضة الاحتلال  

وفي القسم الشرقي الجنوبي من سلوان، وبالتحديد منطقة رأس العامود التي تتمتع بموقع إستراتيجي، فأقيمت مستوطنة تتحكم بشارع القدس أريحا القديم كذلك الشوارع والطرق المؤدية إلى داخل أحياء بلدة سلوان، ولتعزيز قبضتها قامت سلطات الاحتلال بإصدار أوامر هدم لعشرات المنازل في مختلف أنحاء البلدة.

وبرز حي وادي حلوة وهو المدخل الشمالي الرئيس لسلوان والملاصق لسور القدس والمسجد الأقصى وباب المغاربة في واجهة الاستهداف "الإسرائيلي"، نظراً لأهميته التاريخية وادعاء الجمعيات الاستيطانية وعلماء الآثار بإيجاد حجارة للهيكل المزعوم في هذا الحي.

مطاهر الهيكل المزعوم

أما القصور الأموية التي تقع على الجهة الشمالية من مدخل بلدة سلوان، وتعد من أحد أهم المواقع الأثرية الإسلامية، فقد سيطرت عليها سلطات الاحتلال وتم افتتاحها، في يونيو 2011، على أنها «مطاهر للهيكل المزعوم» حيثُ بنت فيها مدرجات ومنصات حديدية على شكل مسار أطلق عليه «مسار توراتي لمطاهر الهيكل»، وتتواصل عمليات الحفر في منطقة القصور الأموية منذ سنوات، وقامت السلطات بسرقة حجارة ضخمة وأتربة من الموقع.

وازدادت وتيرة عمليات الحفر والتنقيب ومصادرة الأراضي من جهة، والاستيلاء على المنازل بطرق ملتوية وتسريب الكثير منها للمستوطنين.

المستوطنون يستقوون بالمحاكم "الإسرائيلية" وهي محاكم عنصرية

في بداية عام 1986 تأسست جمعية العاد الاستيطانية، وادعى رئيسها في حينها أنه دليل سياحي وتعرف على أحد سكان البلدة وعمل معه في مجال السياحة، وبعد سنوات قليلة قام بالاستيلاء على عقاره، وشرعت جمعية العاد بالسيطرة على أملاك المواطنين تحت قانون «أملاك الغائبين» في حين يمنع هذا القانون العرب من العودة إلى منازلهم في غربي القدس كالطالبية والبقعة وغيرهما، وبمساعدة ما يعرف بـ"الصندوق القومي لأراضي إسرائيل" (الكيرن كيمت) بمصادرة الأراضي ونقل أملاكها إلى جمعية العاد الاستيطانية.

يبلغ عدد سكان سلوان التاريخية بدون حي الثوري اليوم حوالي 55 ألف نسمة، يتوزعون على 13 اسم عائلة من أهل البلدة إضافة إلى من سكنها من خارجها بسبب الحروب والهجرة والزحف السكاني الطبيعي، عائلات البلدة هي: المهربشية، الروايضة، الصيامية، أبو قلبين، المحاريق، النجادا، العباسية، السراحين، الذيابية، العليوات، القراعين، سمرين، جلاجل.

مخططات السيطرة

أول ما يلفت الانتباه في بلدة سلوان بالقدس المحتلة الأعلام "الإسرائيلية" الكثيرة المثبتة على أبنية وسط المنازل الفلسطينية المكتظة بالسكان.

ترمز الأعلام "الإسرائيلية" إلى عقارات تمكّن مستوطنون خلال السنوات الماضية من وضع أيديهم عليها بالقوة، في البلدة الواقعة جنوب المسجد الأقصى.

ولكن بالنسبة إلى سكان سلوان، فإن الاستيلاء على هذه المنازل جزء من مخطط أوسع للسيطرة على البلدة بأكملها.

لكل حي في البلدة مأساته، إذ يواجه السكان في حي البستان مخططاً لهدم أكثر من 100 منزل، فيما يواجه سكان بطن الهوى مخططاً آخر لتهجير 86 عائلة، ويتكرر المشهد في عين الحلوة ووادي ياصول.

ويبلغ عدد سكان حي وادي حلوة حوالي 5 آلاف نسمة، فيما يزيد عدد سكان حي البستان على 1200، وحي بطن الهوى 700، وحي وادي الربابة 350، وحي وادي ياصول 600 نسمة، وجميعهم مستهدفون.

الاحتلال يسعى إلى تغيير ديمغرافية المنطقة لمصلحة المستوطنين

جمعيات استيطانية مدعومة يهودياً

هناك أكثر من 400 مستوطن يقيمون في نحو 80 منزلاً استولى عليها مستوطنون، في السنوات الأخيرة، بطرق مختلفة.

وتنشط جمعيتا "العاد"، و"عطيرات كوهانيم" الاستيطانيتان منذ سنوات طويلة في الاستيلاء على منازل بالبلدة.

وهاتان الجمعيتان تحصلان على تبرعات بملايين الدولارات من شركات "إسرائيلية" وداعمين يهود حول العالم، إضافة إلى دعم الحكومة "الإسرائيلية" ومؤسساتها.

مخطط تهجيري قديم

غير أن المشكلة لا تكمن في الأعلام فقط، إذ ثمة وسائل أخرى تعتمدها سلطات الاحتلال "الإسرائيلي"، في الحياة اليومية، لتهجير سكان الحي الأصليين، مثل "إغلاق بعض الطرق، والملاحقات الأمنية، وفرض ضرائب باهظة"، وفق صيام الذي يشير إلى أنه "حتى البنايات التي أنشأت قبل عام 1967، تعتبرها السلطات "الإسرائيلية" غير شرعية".

وغالباً ما تسبب التغلغل الاستيطاني في سلوان بتفجير مواجهات شبه يومية بين السكان الفلسطينيين من جهة، والمستوطنين والشرطة "الإسرائيلية" من جهة أخرى.

ولكن سكان البلدة يحذرون من انفجار أكبر في حال تنفيذ السلطات "الإسرائيلية" مشروعين استيطانيين كبيرين على حساب السكان وممتلكاتهم.

فقد أنذرت البلدية "الإسرائيلية" بالقدس بهدم أكثر من 100 منزل في حي البستان، فيما أعطت محكمة "إسرائيلية" الضوء الأخضر لإخلاء 86 عائلة من منازلها في حي بطن الهوى.

وأرجأت المحكمة المركزية "الإسرائيلية" مؤخراً قراراً بشأن إخلاء عائلة الرجبي من منزلها في حي بطن الهوى حتى نهاية العام الجاري.

ولكن المحكمة ذاتها أرجأت قرارها بشأن عائلات أخرى في الحي ذاته حتى أغسطس المقبل.

"تهويد" متعمّد للمنطقة

ويخشى السكان من طردهم من المنازل التي يقيمون فيها منذ ما قبل الاحتلال "الإسرائيلي" عام 1967، حيث إن المستوطنين يستقوون بالمحاكم "الإسرائيلية"، وهي محاكم عنصرية وغير عادلة أصلاً، وهناك عملية تهجير علنية لحوالي 86 عائلة تضم 800 شخص من حي بطن الهوى، بحسب مراقبين، فضلاً عن وجود 1500 فلسطيني في حي البستان، و600 شخص في حي وادي ياصول يواجهون التهجير.

ويقول فخري أبو دياب، عضو لجنة الدفاع عن سلوان، لـ"الأناضول": هناك مخطط لتغيير هوية هذه المنطقة، تاريخياً وديمغرافياً، وذلك من خلال تغيير التركيبة السكانية عبر تقليل عدد السكان وطردهم ومنع السكان الأصليين من البناء لدفعهم إلى الرحيل نهائياً من الحي.

ويشير إلى أن السلطات "الإسرائيلية" تضع المستوطنين في الواجهة، بغية تخفيف الضغط الدولي عليها.

ويردف: أظن أنه إذا ما بقيت الأمور على حالها، فإن ما يخطط له الاحتلال هو تصفية الوجود بشكل كامل في هذه المنطقة، لنصبح أقلية مجزأة، معتبراً أن الاحتلال يسعى إلى تغيير ديمغرافية المنطقة لمصلحة المستوطنين.

ويحذر أبو دياب من تهويد المنطقة بالكامل، إذا ما بقيت الأمور تسير على ما هي عليه اليوم.

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة