قصة العدل الدوار!

تظلم أهل الكوفة إلى المأمون من عامل
ولّاه عليهم، فقال المأمون: ما علمت في عمّالي أعدل ولا أقوم بأمر الرّعيّة،
ولا أعود بالرفق عليهم منه، فقام رجل من القوم فقال: يا أمير المؤمنين، ما أحد
أولى بالعدل والإنصاف منك، فإذا كان عاملنا بهذه الصفة فينبغي أن تعدل بولايته بين
أهل البلدان وتساوي به أهل الأمصار، حتى يلحق كلّ بلد وأهله من عدله وإنصافه مثل
الذي لحقنا؛ وإذا فعل ذلك أمير المؤمنين فلا يصيبنا منه أكثر من ثلاث سنين، فضحك
المأمون وعزل العامل عنهم. (التذكرة الحمدونية).
دروس وفوائد
تحكي القصة أن أهل الكوفة تظلّموا إلى
الخليفة المأمون من عاملٍ ولاّه عليهم، فاستغرب المأمون ذلك لأنه كان يراه من أعدل
ولاته وأحسنهم سيرة.
لكن أحد الحاضرين خاطب المأمون بذكاءٍ
ولباقة، فقال له: إذا كان هذا العامل بهذه الصفات الحسنة من العدل والرفق،
فالأَولى أن تُعمّم عدله على جميع البلاد حتى ينال الجميع من خيره، وبذلك لن
يصيبنا من عدله أكثر من ثلاث سنوات؛ أي أن عدله كان في الحقيقة ظلمًا مستترًا أو
تضييقًا لا يُحتمل، فقالها الرجل على سبيل السخرية الذكية.
ضحك المأمون، وأدرك حقيقة شكوى القوم،
فعزل العامل عنهم.
1- الظاهر لا يدل دائمًا على الباطن؛
فليس كل من يبدو عادلاً في نظر الحاكم يكون عادلاً في نظر الرعية.
2- ذكاء العامة قد يكشف ما يخفى على
السلطان، فالحكمة ليست حكرًا على الحكام والعلماء.
3- العدل الحقيقي يُقاس برضا الناس
واستقامة الأحوال لا بمجرد السمعة أو الظن.
4- الفكاهة واللباقة قد تكون وسيلة
فعّالة لإيصال الحقيقة وتغيير القرار.
5- القائد العادل هو من يصغي لشكاوى
رعيته ولا يغتر بآرائه عن ولاته.