قصة الكاتب الكبير والخليفة الأخير ... الوفاء والغدر

قصة الكاتب الكبير والخليفة الأخير ... الوفاء والغدر

محرر قصص وعبر

21 أكتوبر 2025

124

أوشك العباسيون أن يقيموا دولتهم، بعدما قوي أمرهم، فتملك الخوف آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد، إنه يشعر بالخطر والتهديد الذي سيزيل ملكه، ويحمل هما كبيرا عن مصيره ومصير أهله، كيف سينتقم منهم العباسيون؟

طرأت على باله فكرة فأسرَّ بها لكاتبه العبقري، عبد الحميد بن يحيى، المشهور بعبد الحميد الكاتب، فقال له: "إنّا نجد في الكُتُب أنّ هذا الأمر زائلٌ عنّا لا محالة، وسيضطر إليك هؤلاء القوم -يعني ولد العباس- فصِرْ إليهم فإني لأرجو أن تتمكّن منهم فتنفعني في مخلّفيّ وفي كثير من أموري، فقال: وكيف لي بعلم الناس جميعا أنّ هذا عن رأيك وكلّهم يقول: إني غدرت بك وصرت إلى عدوك وأنشد:

[من الطويل]

أسرّ وفاء ثم أظهر غدرة * فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره

ثم أنشد: [من الوافر]

ولؤم ظاهر لا شكّ فيه * للائمة وعذري بالمغيب

فلما سمع مروان ذلك علم أنه لا يفعل، ثم قال له عبد الحميد: إنّ الذي أمرتني به  أنفع الأمرين لك، وأقبحهما بي، ولك عليّ الصبر معك إلى أن يفتح الله عليك أو أقتل معك".

هكذا طلب مروان بن محمد من كاتبه أن يرتمي في أحضان العباسيين، وكأنه يغدر به، وفي الحقيقة هو يحمل الوفاء، وربما سيكون سببا لإنقاذ أهل مروان بن محمد لاحقًا. غير أن عبد الحميد الكاتب لم يقبل هذا الأمر، فمثل هذا التصرف سيجعله في أعين الناس خائنا حتى لو أضمر الوفاء.

 فوائد وعبر:

تدور القصة حول موقفٍ أخلاقيٍّ نبيل، يُظهر التناقض بين (النية الطيبة) و(المظهر الخادع)، ويكشف عن عمق الصراع بين (الوفاء) و(السمعة)، وبين (المصلحة الخاصة) و(القيمة الأخلاقية العليا).

فعندما شعر (مروان بن محمد) آخر خلفاء بني أمية بقرب زوال ملكه، أراد أن يُوصي كاتبه (عبد الحميد بن يحيى) بأن ينتقل إلى صفوف العباسيين، ليكون قريبًا منهم ويدافع سرًّا عن مصالحه وأهله بعد سقوط الدولة.

كانت الفكرة في ظاهرها (خيانة سياسية)، لكنها في باطنها (وفاء خفيّ) لولي نعمته ومولاه.

غير أن (عبد الحميد الكاتب) رفض تنفيذها، لأن هذا الفعل وإن كان يحمل نية حسنة، إلا أن (ظاهره غدرٌ وخيانة)، وسيُسقط عنه شرفه وسمعته بين الناس، ففضل القتل إن حصل على عار الخيانة ولو ظاهرة فقط وليست حقيقية.

وأهم القيم الأخلاقية المستخلصة:

1. الوفاء والولاء

أظهر عبد الحميد الكاتب قمة الوفاء حين رفض أن يتخلى عن سيده، فاختار أن يظل معه حتى النهاية، قائلاً: "لك عليّ الصبر معك إلى أن يفتح الله عليك أو أقتل معك."

2. الصدق والنزاهة

لم يقبل عبد الحميد أن يتظاهر بالخيانة، حتى لو كانت نية فعله نبيلة. فالمعيار الأخلاقي عنده أن يكون الفعل طاهرًا في ظاهره وباطنه، لا يُسوّغ الغدر بحسن النية.

3. السمعة والشرف

  يدرك عبد الحميد الكاتب أن سمعة الإنسان هي رأسماله الأخلاقي، وأن الغدر يلطّخ صاحبه مهما كانت نواياه، لذلك قال: "فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره"

 أي من سيصدق أن خيانتي كانت وفاءً؟ فالناس لا يرون النيات، بل يحكمون بالمظاهر.

4. التضحية والثبات على المبدأ

كان بإمكان عبد الحميد أن ينجو بنفسه، لكنه آثر البقاء إلى جانب سيده حتى الموت. وفي هذا درس في الثبات على القيم حتى في لحظات الخطر.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة