قمة «آسيان 2025م».. اختبار العدالة لأزمة الروهنجيا

أبو أحمد فريد

21 أكتوبر 2025

136


 

مع اقتراب أنظار العالم نحو كوالالمبور استعداداً لانعقاد القمة السابعة والأربعين لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في أكتوبر 2025م، تقف المنطقة أمام واحدة من أكثر لحظاتها السياسية والأخلاقية حساسية وحسماً، فالقمة التي تُعقد تحت شعار «تعزيز الوحدة الإقليمية والسلام المستدام» تأتي في وقت تظل فيه الوحدة والسلام بعيدين عن متناول أحد أكثر شعوب جنوب شرق آسيا اضطهاداً؛ شعب الروهنجيا.

لأكثر من 4 عقود، عانى الروهنجيا، وهم أقلية مسلمة في ولاية راخين (أراكان) بميانمار، من التمييز المنهجي، وحرمان الجنسية، والتهجير القسري، والاضطهاد الدموي، وقد دفعت موجات العنف في أعوام 2012 و2016 و2017م مئات الآلاف إلى الفرار، تاركة قرى مدمّرة وجماعات مشرّدة، واليوم، يعيش أكثر من 1.4 مليون لاجئ روهنجي في مخيمات بنغلاديش، فيما يبقى مئات الآلاف نازحين داخل ميانمار أو متفرقين في ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند، يعيشون بلا حماية قانونية ولا أمان ولا أمل في العودة.

لقد تجاوزت هذه الأزمة حدود ميانمار منذ زمن، وأصبحت أزمة إنسانية إقليمية تمتحن مصداقية آسيان وضميرها الجماعي، ورغم كثرة البيانات والوعود، ما زالت آسيان حبيسة الدبلوماسية الحذرة المقيدة بعقيدتها التقليدية؛ «عدم التدخل في الشؤون الداخلية».

أزمة إقليمية مهملة

تحمّل بنغلادش العبء الأكبر من هذه المأساة، إذ تستضيف أكبر مخيمات اللاجئين في العالم بمنطقة كوكس بازار، حيث يعيش أكثر من مليون شخص في ملاجئ هشة، عرضة للأمراض والفقر واليأس، وفي المقابل، أصبحت ماليزيا وإندونيسيا محطتين أخيرتين للهاربين بحراً في رحلات محفوفة بالموت، يلقى فيها المئات حتفهم سنوياً.

إن غياب الاعتراف القانوني باللاجئين في معظم دول آسيان جعل الروهنجيا عرضة للاتجار بالبشر والاستغلال والاعتقال، وما بدأ ككارثة إنسانية تحوّل إلى تحدٍّ عابر للحدود يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي.

بين الخطاب والمسؤولية

ينص ميثاق «آسيان» على الالتزام بـ«العدالة وحكم القانون والحكم الرشيد»، لكن عند مواجهة أدلة على التطهير العرقي وجرائم ضد الإنسانية، كان رد الفعل الجماعي الصمت؛ صمت دبلوماسي مهذّب لكنه قاتل.

بعد الانقلاب العسكري في ميانمار عام 2021م، أعلنت «آسيان» عن «التوافق الخماسي» الذي وعد بإنهاء العنف وبدء الحوار وإيصال المساعدات الإنسانية، غير أن 4 سنوات مرت والوضع يزداد سوءاً؛ فما زال الجيش يواصل قصفه ويمنع الإغاثة ويرفض دخول المبعوثين إلى المناطق المتضررة، لقد تحوّل هذا التوافق إلى مجرد عبارة تُتلى في البيانات، لا خطة تُنقذ الأرواح.

دور ماليزيا ومسؤوليتها القيادية

تحمل رئاسة ماليزيا لآسيان عام 2025م رمزية خاصة، وثقلاً معنوياً كبيراً، فعلى مدى سنوات، عبّرت ماليزيا عن قلقها العميق تجاه مأساة الروهنجيا، واستضافت واحدة من أكبر جالياتهم في المنطقة، واليوم، تمتلك كوالالمبور فرصة تاريخية لتحويل الكلمات إلى أفعال.

يمكن لماليزيا أن تقود دعوة لإدراج قضية الروهنجيا ضمن أولويات آسيان، لا كمسألة داخلية تخص ميانمار فحسب، بل كقضية إنسانية إقليمية، كما يمكنها الدفع نحو إنشاء إطار إقليمي لحماية اللاجئين، وفتح ممرات إنسانية إلى ولاية راخين، وتأسيس لجنة دائمة داخل آسيان تُعنى بشؤون اللاجئين وعديمي الجنسية.

ما وراء الدبلوماسية.. الكلفة الإنسانية

وراء كل بيان سياسي أرواح بشرية حقيقية؛ عائلات ممزقة، وأطفال ينشؤون بلا وطن، وأجيال تفقد مستقبلها، في مخيمات بنغلاديش وشوارع كوالالمبور، ما زال كثير من الروهنجيا يتمسكون بالأمل في أن تتحول وعود آسيان إلى أفعال واقعية.

إن اقتصار قمة كوالالمبور 2025م على الخطاب الرمزي سيجعلها تُذكر كفرصة ضائعة أخرى، أما إن تحلّت بالشجاعة في دعم العدالة والمحاسبة والعودة الآمنة والحلول الدائمة؛ فستكون بداية لـ«آسيان» جديدة يقودها الضمير لا المصلحة.

اختبار الضمير الإقليمي

اختبار «آسيان» اليوم ليس سياسيًا فحسب، وإنما أخلاقي في المقام الأول، فهل ستبقى الرابطة أسيرة لمبدأ الصمت والتوافق، أم ستنهض إلى مستوى رسالتها التأسيسية؟

ستقاس مصداقية «آسيان» ليس ببياناتها الختامية، بل بقدرتها على الوقوف إلى جانب المظلومين، فالوحدة الإقليمية لا معنى لها دون العدالة.

من المعاناة إلى الأمل

قصة الروهنجيا ليست قصة مأساة فحسب، بل قصة صمود وإصرار على البقاء، رغم ما مرّوا به من محن وتشريد، ما زالوا يؤمنون بأن العدالة ممكنة، وأن الضمير الإنساني لم يمت.

حين يجتمع قادة «آسيان» في كوالالمبور ويتحدثون عن السلام والوحدة، لن يكون لكلماتهم وزن ما لم تُترجم إلى خطوات عملية تُنقذ الأرواح وتعيد الحقوق، فالتاريخ لا يُخلّد الشعارات، بل يخلّد المواقف.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة