قيامة المسيح عليه السلام.. تحريفات إنجيلية أم مشابهات تاريخية؟

د. أحمد عيسى

21 أبريل 2025

168

يحتفل النصارى هذه السنة يوم الأحد 20 أبريل بما يسمى بعيد "القيامة" أو "الفصح المسيحي"، وهم يعتقدون أن المسيح عليه السلام في زعمهم صلب يوم جمعة "الآلام" (لخلاص البشر من الخطيّة)، وقام يوم أحد القيامة، ثم ارتفع بعد أربعين يومًا إلى السماء. فهل هذه عقيدة أصيلة عندهم أم هي تسريب من الأساطير الوثنية القديمة؟

يضاهئونَ قول الذين كفروا

قال الله تعالى عن تبديل النصارى للعقائد (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ) (التوبة: 30) أي ذلك قولهم هم، وليس ما جاء به الوحي وأبلغه لهم عيسى، وهم يقلدون ويتشبّهون بالأمم الوثنية التي سبقتهم: الوثنية المصرية القديمة، والوثنية الهندية البوذية والبرهمية، والوثنية البابلية والفارسية والرومانية واليونانية(1).

أورد الطبري عن ابن عباس قوله: (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل)، يقول: قالوا مثل ما قال أهل الأوثان، وقال ابن كثير: (يضاهئون) أي: يشابهون (قول الذين كفروا من قبل) أي: من قبلهم من الأمم، ضلوا كما ضل هؤلاء.

وفي تفسير المنار: والمختار في مضاهأتهم للذين كفروا من قبلهم يصدق في كل من وقع ذلك منهم، وقد علمنا من تاريخ قدماء الوثنيين في الشرق والغرب أن عقيدة الابن لله، والحلول، والتثليث، كانت معروفة عند البراهمة في الهند والبوذيين فيها وفي الصين واليابان وقدماء الفرس والمصريين واليونان والرومان.

شهادات تاريخية

لا يكتفي الأمر على تفسيرات أهل الإسلام، فالشهادات التاريخية على هذا الأمر عديدة، منها ما ذكرته المؤرخة "آني بسانت" في كتابها "المسيحية: أدلتها، أصلها، أخلاقها، تاريخها": "وهكذا نجد أن العقائد والطقوس المسيحية الأساسية -المحرفة- ذات أصل وثني بحت، وهي خليط من مواد قديمة؛ فمن الهند ومصر جاء الثالوث والفادي المصلوب؛ ومن الهند ومصر واليونان وروما الأم العذراء والابن الإلهي؛ ومن مصر كهنتها وطقوسها؛ ومن بلاد فارس والهند ومصر أسرارها؛ ومن الإسكندرية امتزاجها في أحد خطوط الفكر العديدة.. لا يوجد شيء أصيل في هذه العقيدة -المحرفة- إلا جاذبيتها الخاصة للجهلاء والسُذّج.."(2).

بين كرشنا وبوذا والمسيح

ويوازن أبو زهرة بين أقوال الهنود في "كرشنا" وأقوال المسيحيين في المسيح، فيقول إنه قد تقارب الاعتقادان حتى أوشكا أن يتطابقا، ومنها أن كرشنا صلب ومات على الصليب ويسوع صلب ومات على الصليب، وأن كريشنا مات ثم قام من بين الأموات وصعد بجسده إلى السماء وكثيرون شاهدوه صاعدًا، وأن كرشنا يدين الأموات في اليوم الآخر كما قيل عن المسيح.. "ولما كانت البرهمية أسبق من النصرانية المحرفة فقد علم مَن المشتق والمشتق منه، والأصل وما تفرع عنه، وعلى المسيحيين أن يبحثوا عن أصل دينهم"(3).

وفي كتاب العقائد الوثنية في الديانة النصرانية أورد المؤلف قول المؤرخين أن الفداء بواسطة التألم والموت لمخلص "إلهي"، قديم العهد جدًا عند الصينيين والفرس.. ويحترم المصريون القدماء "أوزوريس" ويعدونه أعظم مثال لتقديم النفس ذبيحة لينال الناس الحياة.. والسوريون القدماء قالوا إن "تموز" الإله البكر من عذراء تألم من أجل الناس ويدعونه المخلص الفادي المصلوب.. وأن بوذا في نظر البوذيين إنسان وإله معًا، وأنه تجسد بالناسوت في هذا العالم ليهدي الناس ويفديهم ويبين لهم طريق الأمان(4).

ندوة عيسى

وفي موضوع قيامة المسيح من الموت وظهوره إلى تلاميذه فقد قررت "ندوة عيسى" (مكونة من مائتين من العلماء) أن جميع الأقوال المنسوبة إلى المسيح في هذا الفصل من القصة إنما هي اختراع معدوم الوزن التاريخي مما يسقط مصداقية قصة القيامة والظهور برمتها(5).

وقد عثر عام 1945م في نجع حمادي بمصر على إنجيل توما (توماس) وهو مائة وأربعة عشر قولًا منسوبًا للمسيح، ويختلف أسلوبه عن الأناجيل الأربعة.. سمّته الندوة بالإنجيل الخامس، وصدر لها كتاب باسم الأناجيل الخمسة، حيث قام علماء الندوة بتحليل الأصالة المحتملة لأكثر من ألف وخمسمائة من الأقوال المنسوبة إلى عيسى في هذه الأناجيل، ووفقًا للندوة، فإن اثنين وثمانين بالمائة من الكلمات المنسوبة إلى عيسى في الأناجيل لم يقلها. كيف يُفسر هذا التناقض الواضح؟

هل من الممكن أن نفكر أن تلاميذه لم يتذكروا سوى القليل مما قاله، أو أنهم تذكروا كلماته بشكل غير دقيق؟ ليس لدينا نسخ أصلية من أي إنجيل، ولا نملك المخطوطات لأي من كتب الإنجيل بأكمله، وتعود أقدم النسخ الباقية إلى حوالي مائة وخمسة وسبعين سنة بعد رفع المسيح، ولا يوجد نسختان متماثلتان، وكثيرًا ما يتم "تصحيح" المخطوطات اليدوية هنا وهناك، بأكثر من يد، علاوة على ذلك، فالفجوة التي تبلغ قرنين تقريبًا تعني أنه تم نسخ النص اليوناني الأصلي (أو الآرامي؟) أكثر من مرة، يدويًا، قبل الوصول إلى المرحلة التي وصلنا إليها، لذا لن نتمكن أبدًا من المطالبة بمعرفة معينة لما كان عليه بالضبط النص الأصلي لأي كتابات كتابية(6).

قصة مختلقة:

ولخص "عامري" النتائج المهمة في بحثه بأن جميع ما تحتج به الكنيسة لصالح تاريخية قصة قيامة المسيح من الموت باطل؛ فهو إما دليل لا يصح في ذاته، أو مجرد وهم أو أسطورة أو خرافة، أو وثيقة مزيفة، أو دليل لا حجية فيه لصالح زعم الكنيسة، لعدم وجود علاقة بينه وبين النتيجة التي يريد النصارى استنتاجها.

فالقصة الإنجيلية لقيامة المسيح لم يكتبها الحواريون ولا الثقاة من تلاميذهم، إذ أن مؤلفيها مجاهيل من المحال تبين شخصياتهم بعد كل هذه القرون، ولا يمكن بأي حال قبول قول مجهول العين فضلًا عن إسباغ صفة القداسة عليه.

وقد تعرضت القصة للتحريف الشديد في القرون الميلادية الأولى باختراعها أولا، ثم بإضافة أجزاء لاحقة إليها صارت أسسها وقلبها، وهناك نقاد في الغرب يرفضون هذه القصة ويطعنون في نزاهة كل من يدافع عنها أو يحاول منطقتها.

ولقد ثارت الكثير من المجموعات النصرانية الحديثة على فكرة القيامة الإنجيلية فقالت فرقة "كريستيان ساينس" إن المسيح لم يمت صلبًا وإنما كان مختبئًا في القبر.. وقالت فرقة "يونيفيكاشن تشيرش" إن المسيح قد قام روحيًا رغم أن جثته بقيت في القبر.

وبعد..

فإن المسيح عليه السلام كرسول من عند الله، حقيقة لا أسطورة، ولكن التحريف عنه جاء ممن بعده بطريقة مماثلة لما كانت عليه الأساطير الوثنية.. تآمر اليهود عليه ولكن الله رفعه قبل أن يقبضوا عليه، وأكد أن عيسى عليه السلام لم يقتل، ولم يصلب، بل شُبِّه على اليهود الذين أرادوا ذلك، فظنوا أنهم صلبوه (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء: 157-158)، فالرفع حدث قبل صلب من صُلب وليس هناك فداء وموت وقيامة للمسيح.




_______________________

(1) محمد بن طاهر تنير البيروتي، العقائد الوثنية في الديانة النصرانية، دار الصحوة للنشر. القاهرة 1998.

(2) Annie Besant, Christianity: Its Evidence, Its Origin, Its Morality, Its History, e-book 2004, p474.

(3) محمد أبو زهرة، مقارنات الأديان – الديانات القديمة، دار الفكر العربي.

(4) Thomas Doane, Bible Myths And Their Parallels In Other Religions, Book Jungle, (first published 1882).

(5) سامي عامري، سقوط النصرانية- نقض أهم عقيدة عند النصارى (قيامة المسيح المصلوب من الموت)، مكتبة النافذة 2006.

(6) Robert Funk and the Jesus Seminar. The Five Gospels. The Search for the Authentic Words of Jesus. Macmillan Publishing Company, New York. 1993, p6-36.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة