إعداد الدعاة في الحضارة الإسلامية (23)

قيام الليل

مظاهر حرص الدعاة في الحضارة الإسلامية على قيام الليل

1- الفرح بالقيام والحزن لفواته:

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: ‌أَهْلُ ‌اللَّيْلِ ‌فِي ‌لَيْلِهِمْ أَلَذُّ مِنْ أَهْلِ اللهْوِ فِي لَهْوِهِمْ، وَلَوْلَا اللَّيْلُ مَا أَحْبَبْتُ الْبَقَاءَ(2)، وقال ابن المنكدر: ‌ما ‌بقي ‌من ‌لذات ‌الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، والصلاة في جماعة(3)، وقال عطاء الخراساني: قيام الليل محياة للبدن، ونور في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البصر والأعضاء كلها، وإن الرجل إذا قام بالليل ‌أصبح ‌فرحاً مسروراً، وإذا نام عن حزبه أصبح حزيناً مكسور القلب كأنه قد فقد شيئاً، وقد فقد أعظم الأمور له نفعا(4).

2- حث الشباب والأهل على القيام:

عن محمد بن يوسف قال: كان سفيان الثوري يقيمنا بالليل، يقول: قوموا يا شباب، ‌صلوا ‌ما ‌دمتم ‌شباباً(5)، وروى مالك في «الموطأ» عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، ‌أَيْقَظَ ‌أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ، يَقُولُ لَهُمُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه: 132).

وروى البخاري عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعًا، فَكَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَعْتَقِبُونَ ‌اللَّيْلَ ‌أَثْلَاثًا: يُصَلِّي هَذَا، ثُمَّ يُوقِظُ هَذَا؛ فلم يكن قيام الليل للداعية وحده، بل كان نهجاً تسير عليه البيوت والأسر، حتى كانت الجواري تشارك في ذلك، فقد كان للحسن بن صالح جاريةٌ، فباعها لقوم، فلما كان جوف الليل قامت الجارية فقالت: يا أهل الدار، الصلاة الصلاة! فقالوا: أصبحنا، أطلع الفجر؟ فقالت: وما تصلُّون إلا المكتوبة؟ قالوا: نعم، فرجعت إلى الحسن، فقالت: يا مولاي، بعتنِي إلى قومٍ لا يصلُّون إلا المكتوبة؟ رُدَّني، فَرَدَّها(6).

3- الإنكار على من ترك القيام:

عن عبدالصمد بن سليمان، قال: بِتُّ عند أحمد بن حنبل فوضع لي ماء، فلما أصبح وجدني لم أستعمله، فقال: صاحب حديث لا يكون له وِرْدٌ في الليل؟! قلت: أنا مسافر، قال: وإن كنتَ مسافراً! حَجَّ مسروق فما نام إلا ساجداً(7).

4- مواجهة الكسل والفتور:

كان لأبي مسلم الخولاني سوط يعلقه في المسجد، فإذا كان السحر ونعس أو ملّ أخذ السوط وضرب به ساقيه، ثم يقول: قومي لعبادة ربك، أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه، والله لأزاحمنهم عليه حتى يعلموا أنهم خلفوا بعدهم رجالاً(8).

5- مجاهدة النفس حتى تتعود على القيام:

كان ثابت البناني يقول: كابدت ‌قيام ‌الليل ‌عشرين سنة وتنعمت به عشرين سنة أخرى(9)، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: ‌كَابَدْتُ ‌نَفْسِي أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى اسْتَقَامَتْ(10).

دوافع حرص الدعاة في الحضارة الإسلامية على قيام الليل

1- تحصيل النور في الوجه:

قِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: ‌مَا ‌بَالُ ‌الْمُتَهَجِّدِينَ بِاللَّيْلِ أَحْسَنُ النَّاسِ وُجُوهًا؟ قَالَ: إِنَّهُمْ خَلَوْا بِالرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَأَلْبَسَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نُورًا مِنْ نُورِهِ(11)، وقال سعيد بن المسيب: إن الرجل ليصلي بالليل، فيجعل الله في وجه نوراً يحبه عليه كل مسلم، فيراه من لم يره قط، فيقول: إني لأحبُ هذا الرجل(12).

2- بلوغ الشرف:

روى الحاكم والطبراني عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، ‌شَرَفُ ‌الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ»، وروى البيهقي أن صهيباً بن مهران قال: ‌شرف ‌المؤمن الصلاة في سواد الليل.

3- الخوف من عذاب الآخرة:

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ ‌يُهَوِّنَ ‌اللَّهُ ‌عَلَيْهِ ‌الْوُقُوفَ ‌يَوْمَ ‌الْقِيَامَةِ، فَلْيَرَهُ اللَّهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ، وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ(13)، وكان طاووس بن كيسان إذا اضطجع على فراشه يتقلى عليه كما تتقلى الحبة على المقلاة، ثم يثب ويصلي إلى الصباح، ثم يقول: طيَّر ذكرُ جهنم نومَ العابدين.

4- الطمع في دخول الجنة:

كان عبدالعزيز بن رواد إذا جنَّ عليه الليل يأتي فراشه فيمد يده عليه، ويقول: إنك لَلَيِّن، ووالله إن في الجنة لألين منك، ولا يزال يصلي الليل كله.

وسائل الدعاة في التربية على قيام الليل

1- القدوة: قال أبو الجويرية: لقد صحبت أبا حنيفة ستة أشهر، فما فيها ليلة وضع جنبه على الأرض، وكان أبو حنيفة يحيي نصف الليل، فمر بقوم فقالوا: إن هذا يحيي الليل كله، فقال: إني أستحي أن أوصف بما لا أفعل، فكان بعد ذلك يحيي الليل كله، وقال الربيع: بتُّ في منزل الشافعي لياليَ كثيرة، فلم يكن ينام من الليل إلا يسيراً(14)، وقال إبراهيم بن شماس: كنت أرى أحمد بن حنبل يحيي الليل وهو غلام(15).

2- الاستعانة بالقيلولة: روى الطبراني عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «‌اسْتَعِينُوا ‌بقائلةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ».

3- الحث على تقليل الطعام: قال القاضي عياض: إن كَثْرَةَ النَّوْمِ من كَثْرَةِ الْأكْلٍ وَالشرْبِ، وقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِقِلَّةِ الطَّعَامِ يُمْلَكُ سَهَرُ اللَّيْلِ، وكان بعضهم إذا وضعت المائدة يقول: ‌لَا ‌تَأْكُلُوا ‌كَثِيرًا فَتَشْرَبُوا كَثيِرًا فَتَرْقُدُوا كَثِيرًا فَتَخْسَرُوا كَثِيرًا(16).

4- الدعوة إلى التخلي عن المعاصي: قيل لابن مسعود: ما نستطيع قيام الليل؟ قال: ‌أقعدتكم ‌ذنوبكم، وقيل للحسن: قد أعجزنا قيام الليل؟ قال: قيدتكم خطاياكم، وقال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم كبلتك خطيئتك، قال الحسن: إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل(17)، وقال سفيان الثوري: ‌حرمت ‌قيام ‌الليل ‌خمسة ‌أشهر ‌بسبب ‌ذنب ‌أذنبته، وقال رجل لإبراهيم بن أدهم: إني لا أقدر على قيام الليل، فصف لي دواءً قال: لا تعصه بالنهار ‌‌يقمك ‌بين ‌يديه ‌في ‌الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف(18).






_____________________

(1) حلية الأولياء (2/ 240)، وتاريخ الإسلام (5/ 79).

(2) تاريخ دمشق: ابن عساكر (34/ 146).

(3) قوت القلوب: أبو طالب المكي (1/ 71).

(4) البداية والنهاية (9/ 294).

(5) الجرح والتعديل: ابن أبي حاتم (1/ 96).

(6) لطائف المعارف، ص 147.

(7) مناقب الإمام أحمد، ص 273.

(8) رهبان الليل: سيد العفاني، ص 358.

(9) لطائف المعارف، ص 43.

(10) حلية الأولياء (3/ 147).

(11) المجالسة وجواهر العلم: أبو بكر الدينوري (1/ 446).

(12) فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب (7/ 97).

(13) تفسير القرطبي (15/ 239).

(14) المصدر السابق.

(15) أحمد بن حنبل إمام أهل السُّنة: عبدالحليم الجندي، ص 40.

(16) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (1/ 85).

(17) لطائف المعارف، ص 46.

(18) فصل الخطاب (7/ 99).

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة