كارثة إنسانية في غزة: نداءات عاجلة لرفع الحصار وإغاثة المنكوبين

مع دخول الحصار الصهيوني المشدد على قطاع غزة شهره الثاني، أطلقت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تحذيرًا شديد اللهجة حول التداعيات الكارثية للوضع الإنساني في القطاع، مؤكدةً أن الاحتلال يمنع دخول أي مساعدات إنسانية أو إمدادات تجارية، مما يزيد من معاناة السكان ويجعل الوضع أقرب إلى المجاعة.
وفي هذا
السياق، ناشد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة المجتمع الدولي والأمم المتحدة
بالتدخل الفوري والضغط على الاحتلال للانسحاب من محافظة رفح، حيث يتعرض السكان
لمجازر ممنهجة وتهديد مستمر بالقنص والقتل، كما طالب المكتب بإرسال بعثات دولية
لتقصي الحقائق حول جرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال، إلى جانب بدء جهود إعادة
الإعمار وإعادة الحياة إلى المناطق المنكوبة.
دمار شامل
يهدد الحياة في رفح
كشف المكتب
الإعلامي الحكومي في غزة عن حجم الدمار الهائل الذي حل بمحافظة رفح، إذ تم تدمير
أكثر من 90% من الأحياء السكنية، بما يعادل 20 ألف بناية تحتوي على أكثر من 50 ألف
وحدة سكنية، فيما تم استهداف وتدمير 12 مركزًا طبيًا بالكامل، بما فيها مستشفى
الشهيد أبو يوسف النجار. كما تم قصف 8 مدارس ومؤسسات تعليمية، مما أدى إلى إلحاق
أضرار جسيمة بالبنية التحتية التعليمية.
ولم تسلم
المساجد من الاستهداف، حيث تم تدمير 100 مسجد بشكل كامل أو جزئي، كما قام الاحتلال
بتجريف عشرات آلاف الدونمات الزراعية، مما أدى إلى إبادة المحاصيل الغذائية، في
وقت يواجه فيه السكان أزمة غذائية غير مسبوقة. بالإضافة إلى ذلك، تم تدمير 30
مقرًا حكوميًا من أصل 36 مقرًا، بما في ذلك المقر الرئيسي لبلدية رفح، مما أدى إلى
شلل تام في الخدمات الأساسية.
أزمة إنسانية
وصحية غير مسبوقة
أكد وكيل
وزارة الصحة في غزة، د. يوسف أبو الريش، أن الأوضاع الصحية في قطاع غزة وصلت إلى
مستويات خطيرة، حيث 59% من الأدوية الأساسية و37% من المستلزمات الطبية رصيدها
صفر، في ظل تزايد أعداد الجرحى والمرضى الذين يحتاجون إلى علاج فوري. كما أشار إلى
أن 13 ألف حالة مرضية بحاجة ماسة لمغادرة القطاع لتلقي العلاج التخصصي، لكن الحصار
يمنع ذلك، مما يعرض حياة الآلاف للخطر.
ووفق التقارير
الطبية، فإن استمرار نقص الغذاء والمياه الصالحة للشرب أدى إلى وفاة 52 طفلًا بسبب
سوء التغذية وفقر الدم، وسط تحذيرات من تزايد أعداد الضحايا إذا لم يتم السماح
بإدخال الإمدادات الغذائية والطبية على الفور.
نداءات
إنسانية عاجلة لرفع الحصار
رئيس اتحاد
الجمعيات والمبرات الخيرية الكويتية، سعد مرزوق العتيبي، أكد أن ما يحدث في غزة لا
يمكن وصفه إلا بـ"الكارثة الإنسانية المكتملة الأركان"، مشيرًا إلى أن
حجم الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي غير مسبوق في التاريخ الحديث.
وقال العتيبي
في تصريحاته:"الوضع في غزة
تجاوز كل الخطوط الحمراء، فالمجازر التي نشهدها يوميًا ليست مجرد استهداف عسكري،
بل هي حرب إبادة حقيقية تستهدف المدنيين العزل، وعلى رأسهم الأطفال والنساء وكبار
السن. نحن أمام واقع مأساوي حيث تم تدمير أكثر من 90% من الأحياء السكنية في رفح
وحدها، والمساجد والمستشفيات والمدارس لم تسلم من القصف العشوائي الذي حول المدينة
إلى أنقاض."
وأضاف العتيبي
أن المنظمات الإنسانية تواجه صعوبات غير مسبوقة في إيصال المساعدات، قائلًا:"نعمل في اتحاد
الجمعيات والمبرات الخيرية الكويتية على تقديم الدعم الإغاثي العاجل للمتضررين،
لكننا نصطدم بعوائق هائلة بسبب الحصار المفروض على القطاع. يجب على المجتمع الدولي
أن يتحمل مسؤولياته وأن يضغط فورًا على الاحتلال الإسرائيلي لفتح المعابر والسماح
بإدخال الإمدادات الطبية والغذائية. نحن لا نتحدث فقط عن نقص الغذاء، بل عن أطفال
يموتون جوعًا، ومرضى يفارقون الحياة لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى العلاج. هذا أمر
غير مقبول أخلاقيًا أو إنسانيًا."
وحذر العتيبي
من أن استمرار هذه الأوضاع سيؤدي إلى كارثة إنسانية أعمق، داعيًا إلى تحرك فوري من
الدول العربية والإسلامية والمنظمات الدولية: "لا يمكن أن نقف
مكتوفي الأيدي أمام هذه المأساة، كل دقيقة تمر تعني فقدان المزيد من الأرواح. يجب
أن يكون هناك موقف حازم من الدول العربية والإسلامية، وأن يتم تفعيل كل القنوات
الدبلوماسية والإنسانية لإيقاف هذا العدوان وإغاثة المنكوبين."
أوضاع إنسانية
كارثية وشهادات صادمة
من جانبه، شدد
مدير إدارة الإغاثة في نماء الخيرية، خالد مبارك الشامري، على أن غزة تعيش واحدة
من أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، قائلًا:"ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة، بل هو كارثة
إنسانية بكل المقاييس. نحن نتحدث عن مدينة بكاملها -رفح- تم محوها عن الخريطة، عن
أحياء سكنية لم يعد لها وجود، عن عائلات بأكملها دفنت تحت الأنقاض، وعن أطفال
يبحثون عن لقمة تسد رمقهم في مدينة باتت تفتقر إلى كل مقومات الحياة."
وأضاف الشامري
أن التقارير الميدانية تشير إلى أوضاع مأساوية في المستشفيات التي تكاد تكون خارج
الخدمة بالكامل:"المرافق
الصحية في غزة انهارت تقريبًا، أكثر من 12 مستشفى ومركزًا طبيًا خرجوا عن الخدمة،
والمستشفيات الباقية تعمل بأقل من 20% من قدرتها الاستيعابية، مع نقص حاد في
الأدوية والمستلزمات الطبية. هناك مرضى بحاجة ماسة إلى عمليات جراحية عاجلة، لكن
لا يوجد أجهزة طبية، ولا غرف عمليات مجهزة، ولا حتى أطباء قادرين على العمل وسط
هذه الظروف المأساوية."
وأكد الشامري
أن نقص المياه الصالحة للشرب يمثل تهديدًا خطيرًا للصحة العامة، مشيرًا إلى أن
الاحتلال دمر 22 بئر مياه من أصل 24، مما تسبب في انعدام المياه النظيفة وتفشي
الأمراض:"نحن نتحدث عن
بيئة صحية كارثية، حيث أصبح من الطبيعي أن ترى الأطفال مصابين بسوء التغذية الحاد،
وأمراض الإسهال الحاد منتشرة بسبب تلوث المياه، فضلًا عن الأمراض الجلدية التي
بدأت بالانتشار نتيجة انعدام النظافة. الوضع أخطر مما يتخيله الكثيرون، وإذا لم
يتم التحرك سريعًا، فإننا سنشهد مزيدًا من الوفيات خلال الأيام القادمة."
وأشار الشامري
إلى أن فرق الإغاثة تواجه صعوبات هائلة في إيصال المساعدات بسبب الاستهداف المباشر
للطواقم الإنسانية من قبل الاحتلال:"فرق الإغاثة
تواجه مخاطر كبيرة أثناء محاولتها إيصال المساعدات، حيث يتم استهداف سيارات
الإسعاف والمستودعات الطبية بشكل مباشر، وهو ما يعد انتهاكًا صارخًا لكل القوانين
الإنسانية الدولية. نحن نطالب بفتح ممرات آمنة فورًا لإيصال الإغاثة للمنكوبين،
وإلا فإن أعداد الضحايا ستتضاعف خلال الأيام المقبلة."
المجتمع
الدولي أمام اختبار أخلاقي
وأكد العتيبي والشامري أن ما يحدث في غزة يمثل اختبارًا أخلاقيًا للمجتمع الدولي، مشيرين إلى أن الصمت على هذه الجرائم يعد مشاركة فيها.
وقال العتيبي:
"المجتمع الدولي مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى بالتحرك الجاد لوقف المجازر
في غزة. لا يمكن أن يظل العالم متفرجًا بينما تتم إبادة شعب بأكمله. نحن أمام
مأساة إنسانية يجب أن تتوقف فورًا."
أما الشامري،
فشدد على أن استمرار الحصار سيؤدي إلى مزيد من الكوارث، مؤكدًا:"نحن في مرحلة
لم يعد فيها الوقت متاحًا للمفاوضات والمساومات السياسية، الوضع في غزة يحتاج إلى
تدخل فوري. نحن نطالب جميع الدول والمنظمات الإنسانية بالتحرك العاجل لإنقاذ أرواح
الأبرياء وإيقاف هذه المجازر المستمرة."
في ظل استمرار
القصف والحصار والتجويع الممنهج، يبقى السؤال: إلى متى سيستمر الصمت الدولي على
هذه الكارثة الإنسانية؟ ومع تصاعد الدعوات من المنظمات الإنسانية والقادة
الإغاثيين، يبقى الأمل معلقًا بتحرك عالمي عاجل لإنقاذ ما تبقى من أرواح في غزة،
قبل فوات الأوان.