كُتب غيَّرت العالم.. كيف شكَّلت الكلمة المطبوعة تاريخ البشرية؟

يسود وهمٌ شائع على نطاقٍ واسع بأن الكتب
جماداتٌ هادئة وخاملة ليس لها تأثيرٌ؛ فهي، حسب هذا الوهم، خاصة بالأماكن الحبيسة
والهدوء النظري للجامعات وغيرها من أماكن الهروب من العالم المادي.
وتبعًا لهذه الفكرة الخاطئة، تزخر الكتب
بالنظريات غير العملية، وتُعتبر أهميتها تافهة لرجل الأعمال ذي التفكير الواقعي!
قوة الكلمة المطبوعة الخارقة
يقول الكاتب روبرت داونز: «لقد حظي متوحش
الغابة بفهمٍ أكثر واقعية وهو ينحني أمام الصفحة المطبوعة؛ لقوتها الخارقة على نقل
الرسائل».
وتتراكم الأدلة عبر التاريخ لتثبت أن
الكتب ليست بريئة أو عديمة الضرر أو تافهة؛ فهي غالبًا ما تكون عظيمة الحركة،
وافرة الحيوية، وقادرة على تغيير مجرى الأحداث تغييرًا جذريًا، للخير أحيانًا،
وللشر أحيانًا أخرى.
لقد أبدت الكتب قوةً هائلةً من أجل الخير
والشر طوال التاريخ المسجل للجنس البشري، وفيما يلي مناقشة فاحصة لمجموعة من أهم
مؤلَّفات جميع العصور، التي كان لها تأثيرٌ بالغ على التاريخ والاقتصاد والثقافة
والحضارة والفكر العلمي، من عصر النهضة إلى يومنا هذا.
أمثلة على كتب صنعت التاريخ
إنها كتب بالغة القوة، مثل:
- «كفاحي» لهتلر: ذلك الكتاب الذي تنبَّأ
بالموت والدمار اللذين أحدثتهما الحرب العالمية الثانية.
- كتاب هارفي عن «الدورة الدموية»: الذي
غيَّر مسار النظرية الطبية والعلاج.
- نظرية أينشتاين عن «النسبية»: التي
دشنت بداية العصر الذري.
- «أصل الأنواع» لداروين: الكتاب الذي
أحدث ثورة في علم الأحياء.
- «كوخ العم توم» لهارييت بيشر ستو: الذي
يعتبر أحد الأسباب الرئيسة في اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية.
- «تفسير الأحلام» لفرويد: ذلك المؤلَّف
العظيم لرجلٍ أحدث انقلابًا في أفكار الإنسان العصري عن نفسه.
يقول روبرت داونز: إنه وصف هذه الكتب
وصفًا دقيقًا وواضحًا في كتابه المثير وسهل القراءة، وأوضح النفوذ الحاسم والواسع
الانتشار لهذه الكتب وغيرها، ومنها عرض نيوتن لاكتشاف قوانين الجاذبية التي صارت
حجر الزاوية في النظرية العلمية اليوم.
صعوبة اختيار الكتب الأكثر تأثيرًا
ويضيف روبرت: «إن الغرض من هذا المؤلَّف توضيح
القوة العاتية للكتب، عن طريق مناقشة أمثلةٍ معينة، فأولًا يجب التركيز على أنه
ليس في نيتنا تقديم قائمة بأفضل الكتب أو أعظم الكتب؛ فإن عمل مثل هذه القوائم
هوايةٌ محبوبة لتمضية الوقت لنقاد الأدب والمؤلفين والناشرين ورجال التعليم وأمناء
المكتبات، الذين تنحصر توصياتهم عادةً في العلوم الأدبية».
أما الهدف منه فهو اكتشاف الكتب التي كان
لها أعظم الأثر على التاريخ والاقتصاد والثقافة والحضارة والفكر العلمي منذ عصر
النهضة تقريبًا، إلى منتصف القرن العشرين.
المشكلة في مثل هذا الأمر هي، بالطبع، في
الاختيار، تأتي إلى الذاكرة تلقائياً حفنةٌ من العناوين، لكن الاختيار يتنوع
تنوعًا كبيرًا، ويُحذف معظمها عند تطبيق المعيار الأساسي؛ إذ لا بد أن يكون الكتاب
ذا وقعٍ عظيم ومستمر على الفكر والعمل البشريين، ليس لأمةٍ واحدةٍ فحسب، وإنما
لقطاع واسع من العالم، وعندما يتعرَّض المرء لهذا الاختبار القاسي، يبدأ في حذف
عنوانٍ بعد آخر.
محاولات سابقة لحصر الكتب المؤثرة
من الممتع ملاحظة ومقارنة المحاولات
السابقة لحصر أسماء الكتب التي لها أعظم تأثير:
1- قائمة عام 1935م: أعدَّ إدوارد ويكس،
وجون ديوي، وتشارلز بيرد قائمة في عام 1935م، فاختار كلٌّ منهم 25 كتابًا صدرت منذ
عام 1885م، ورأوا أنها الأكثر تأثيرًا.
ضمت القائمة النهائية 50 عنوانًا، كان 4
منها فقط محل إجماع: «رأس المال» لماركس، و«نظرة إلى الوراء» لإدوارد بيلامي،
و«الغصن الذهبي» لجيمس فريزر، و«تدهور الغرب» لأوسفالد شبنجلر.
2- قائمة عام 1939م: قام مالكولم كاولي،
وبرنارد سميث بمحاولة مشابهة لاختيار الكتب التي غيرت عقولنا، وجاء 12 عنوانًا في
رأس القائمة، من بينها مؤلفات فرويد، وآدم سميث، وتيرنر وشبنجلر.
3- قائمة عام 1945م: قام الكاتب
الإنجليزي هوراس شيب بمحاولة أخرى في كتابه «كتب حركت العالم»، حيث استقر رأيه على
اختيار 10 كتب دون تحديد للزمان أو المكان أو الموضوع.
القوة الخالدة للكتب
يقول روبرت داونز، الرئيس السابق لجمعية
المكتبات الأمريكية، رئيس مكتبة جامعة إلينوي، في كتابه الماتع «كتب غيرت العالم»:
«يتضح مما سبق أنه من الصعب جدًا الإجماع على كتاب بعينه، فالاختيار أمرٌ شخصيٌّ
إلى درجة كبيرة وموضوعي جدًا، والاتفاق التام على معظم الكتب المختارة غير محتمل،
ومع ذلك نأمل في أن نكون قد وفَّينا كل كتاب حقَّه من الدراسة والتمحيص الدقيقَين».
وها نحن ذا نقدِّم هنا عرضًا مثيرًا
لكتبٍ من عدة عصورٍ تُبين القوة الهائلة للكلمة المطبوعة وأثرها على التقدُّم
البشري.