كمائن المقاومة.. ضربات نوعية تكسر الغطرسة الصهيونية

كان لافتًا، بعد استئناف العدوان على غزة، منتصف مارس الماضي، أن رد
المقاومة قد استغرق وقتًا، بدت معه المقاومة كأنها في حالة كمون وترقب، وربما
ساعدها على ذلك ما يلجأ إليه الكيان الصهيوني عادة في بداية كل عدوان من تكثيف
القصف الجوي، وهو ما لا تجد معه المقاومة وسيلة إلا الصبر والتريث.
لكن ما حدث لاحقًا كان هو المفاجأة؛ إذ بدأت المقاومة سلسلة ضربات موجهة
تحت عنوان «أبواب الجحيم»، التي جاءت مهمة في توقيتها ودلالاتها العسكرية
والسياسية.
«أبواب الجحيم»، وباعتراف محللين وعسكريين من داخل الكيان نفسه، أظهرت مؤشرًا كبيرًا على قدرة المقاومة على التكيف مع طول المعركة، وعلى استحداث تكتيكات بما يتناسب مع ظروف المعركة وتطوراتها؛ بما جعل «أبواب الجحيم» تكسر الغطرسة الصهيونية، وتدل على قدرة المقاومة على الدخول في مرحلة استنزاف لن تكون سهلة للعدوان الغاشم.
تسمية وتكتيكات
ونتوقف في البداية أمام اختيار المقاومة لأسماء عملياتها النوعية، وذلك تحت
اسم «أبواب الجحيم»، الذي جاء ردًّا على من يتوعد غزة بالجحيم إن لم تعلن المقاومة
استسلامها وتلقي سلاحها وتسلم الأسرى؛ فجاء الاسم إعلانًا للتحدي، ولاختيار الصمود
بدلاً من الاستسلام.
وليس ذلك غريبًا على مقاومة يسندها شعبٌ أبيّ، وخاضَا معًا معركة ربما هي
الأشرس في العصر الحديث، حتى بلغ عدد أطنان المتفجرات التي ألقيت على غزة ما يقارب
4 أضعاف التي ألقيت على هيروشيما ونجازاكي، مع الأخذ في الاعتبار مساحة غزة وتكدس
عدد السكان بها!
«أبواب الجحيم»
تثبت قدرة المقاومة على الدخول في مرحلة استنزاف للعدو
وإذا كان الصمود ورفض الاستسلام أمرًا طبيعيًّا، فإن القدرة على مواصلة
القتال، بل واستحداث فنيات وتكتيكات جديدة، رغم طول المعركة واختلال ميزان القتال
بين الطرفين، هو الأمر الذي ليس بالطبيعي، ولا يمكن فهمه إلا في إطار إيمان هذا
الشعب بحقه المشروع، واستمساكه بهذا الحق رغم أي أخطار وصعوبات.
ويمكن ملاحظة أن سلسلة كمائن «أبواب الجحيم» تتشابه في إطارها العام، وتكون
مركّبة من مرحلتين أو ثلاث؛ إذ تبدأ بتفجير لغم أرضي أو آلية عسكرية، ثم استخدام
قذائف مضادة للأفراد أو الدروع، ثم تكثيف النار للإجهاز على أفراد العدو، ثم
انسحاب عناصر المقاومة بسلام.
وأشهر هذه الكمائن «كمين مسجد الزهراء»، الذي استهدف في 3 مايو الجاري، قوة
راجلة «إسرائيلية» من 10 أفراد، شرق مدينة رفح، وبدأت العملية بخروج مقاومين من
نفق قتالي، ثم فتحوا النيران على القوة الصهيونية المتمركزة، ثم انسحبوا إلى داخل
النفق، في خطوة تكتيكية لاستدراج العدو، ومع دخول العدو إلى المنطقة برفقة كلاب
مدربة على اكتشاف العبوات، فجّرت المقاومة عبوات ناسفة؛ ما أدى إلى سقوط عدد من
القتلى والمصابين في العدو.
ثم بعد ذلك تقدمت قوات صهيونية للنجدة وإخلاء الجرحى، فقامت المقاومة
باستهداف دبابة «ميركافا» وجرافة «دي 9»، بواسطة قذائف «الياسين 105»، واعترف
العدو الصهيوني بمقتل الضابط نوعام رافيد، والجندي يهيلي سرور.
تكتيكات مشابهة اتبعتها المقاومة فيما تلى ذلك من كمائن، مثل كمين مفترق
المشروع، وكمين حي التنور، وهما شرق مدينة رفح؛ إضافة إلى كمائن بيت حانون،
والشجاعية، وخان يونس.
واللافت أن جزءًا كبيرًا من «كمائن الجحيم» تركز في مدينة رفح، التي أعلن
الكيان الصهيوني أنه دمرها تمامًا وأخلاها من السكان؛ فجاءت هذه الكمائن لتثبت
قدرة المقاومة على اختيار ساحة المعركة وطريقة إدارتها، كما أن المقاومة استهدفت
من تكثيف كمائنها في رفح، فضحَ إعلان الكيان بأن رفح أصبحت خالية، ومن ثم آمنة،
ويمكن أن تكون مسرحًا لإعادة هندسة القطاع ديمغرافيًّا بما يثبِّت الاحتلال،
ويمكِّنه من المضي في تنفيذ خططه وهدفها النهائي، أي التهجير.
ولهذا، قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في بيان لها: رفح التي يتباهى مجرم الحرب نتنياهو بتفكيكها، سيتحول احتلالها إلى كابوس يلاحق الغزاة، كما حدث في بيت حانون وغزة وخان يونس والشجاعية.
رصد وشهادات
كما أشرنا، فقد رصد محللون وخبراء، ومن داخل الكيان نفسه، ما أظهرته
المقاومة من قدرة على التكيف مع مسار المعركة وتطوراتها، بحيث تستطيع الدخول مع
العدو في مرحلة استنزاف لن تكون نتائجها كما يشتهي نتنياهو.
«كمائن المقاومة»
توجه ضربات نوعية للكيان الصهيوني رغم اختلال ميزان القوى
فقال اللواء احتياط بالجيش الصهيوني يسرائيل زيف: «حماس» طوّرت قتالها،
وإدخالُ قوات كبيرة لغزة يزيد فرص تعرضها لإصابات، فيما نقلت صحيفة «معاريف» عن
قائد لواء القدس بحيش العدو، قوله: مقاتلو «حماس» يتعاملون بدهاء ويستدرجون جنودنا؛
ما يتطلب جهدًا كبيرًا، والقتال في حي الشجاعية كان ضاريًا ودفعنا ثمنًا باهظًا
هناك، ورصدنا تغيرًا بطريقة قتال «حماس»، وامتلاك عناصرها كميات سلاح كبيرة.
من جانيه، رأى اللواء فايز الدويري أن لجوء المقاومة لأسلوب الكمائن أمر
طبيعي في «الحروب اللامتناظرة» التي تكون فيها المقاومة الطرف الأضعف فعليًّا
وماديًّا، فتلجأ لمقاربة جديدة هي الكمائن؛ وذلك بهدف استنزاف العدو.
وأضاف الدويري، في تصريحات لـ«الجزيرة»: إذا ذهبنا باتجاه الشمال كان هناك «الكمين1»
و«الكمين2»، وأُطلق عليهما «كسر السيف»؛ ردًّا على التسمية التي اختارها الكيان في
عدوانه على غزة «السيف الحديدي».
وأشار الدويري إلى أن هذه الكمائن لم تكن فقط خلف خطوط العدو، وإنما في عمق المنطقة الدفاعية له، وتم التسلل من خلال الأنفاق والوصول إلى مسافة 300 متر من السياج، ثم المهاجمة، وفي الكمين الأول تم تدمير آلية وإصابة مجندتين وانقلبت الآلية، ثم جاءت قوة الإنقاذ وكانت القوة المهاجمة لا تزال متواجدة وأدت دورها وانسحبت وفجّرت عين النفق، وهذا كمين مركّب، وجاء كمين «كسر السيف2» بنفس المقاربة وفي نفس المنطقة التي تم فيها تنفيذ الكمين الأول.
إذن، «كمائن المقاومة» ما زالت بفضل الله قادرة على توجيه ضربات نوعية تكسر
غطرسة الكيان الصهيوني، رغم التضحيات واختلال ميزان القوى.