صفة صلاة الاستخارة.. 6 خطوات
روى البخاري في
صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ
مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ
رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي
أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ
فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا
أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ
هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ
قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ
بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي، فِي
دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي
وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ
حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي، قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ».
في هذا الحديث
بيان لكيفية صلاة الاستخارة وكشف عن خطوات أدائها والدعاء المأثور فيها، ويتبين
ذلك فيما يأتي:
1- تحديد الأمر الذي يستخير فيه:
في بداية الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ..»؛ وهو يدل على أن
المسلم حين يهتم بأمر؛ فإنه يشرع في الاستخارة، فلا استخارة في أمر لم يهتم به،
حيث إن الإنسان قد تأتي على ذهنه خواطر لا يهتم بفعلها، فلا استخارة فيها، إذ
الاستخارة فيما اهتم به؛ أي: حدده وأراد فعله، لكن متحير فيه.
ولهذا جاء في
بعض روايات الحديث، كما عند ابن حبان في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ
أَمْرًا فَلْيَقُلِ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ
بِقُدْرَتِكَ..».
وقد بوّب له ابن
حبان بقوله: ذِكْرُ الأَمْرِ بِالاِسْتِخَارَةِ إِذَا أَرَادَ الْمَرْءُ أَمْرًا
قَبْلَ الدُّخُولِ فيه(1)؛ ففيه تأكيد على أن من أراد فعل أمر؛ أي حدده
واهتم به فعليه أن يستخير الله فيه.
2- عقد النية:
إذا حدد المسلم
الأمر الذي اهتم به، وتحير في فعله أو تركه، فعليه أن يعقد النية والعزم أن يصلي
صلاة الاستخارة، ونية الاستخارة تكون قبل البدء فيها، ففي الحديث: «إذا هَمَّ
أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة» فلفظ الحديث مشعر باستقلال الاستخارة
بنية خاصة لها تكون من بداية الصلاة، خاصة أنه أكد ذلك بقوله: «من غير الفريضة»، كما
أن النية شرط، والشروط تكون قبل الأفعال، وعلى هذا فلا يصح لمن كان في صلاة نافلة
أن ينوي الاستخارة داخل صلاته، بل يفرغ منها أولاً، ثم ينوي الاستخارة ويبدأ فيها.
والنية محلها
القلب، فعلى من أراد الاستخارة أن يعقد العزم بقلبه أنه يصلي ركعتين بقصد
الاستخارة في الأمر الذي حدده، ولا يشترط التلفظ بها.
3- الوضوء:
روى أحمد في
مسنده عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه
وسلم قَالَ لَهُ: «اكْتُمِ الْخِطْبَةَ، ثُمَّ تَوَضَّأْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ،
وَصَلِّ مَا كَتَبَ اللهُ لَكَ، ثُمَّ احْمَدْ رَبَّكَ وَمَجِّدْهُ، ثُمَّ قُلْ:
اللهُمَّ إِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ أَنْتَ
عَلَّامُ الْغُيُوبِ..»، وفيه تأكيد على ضرورة الوضوء لصلاة الاستخارة، وأنه لا
يكتفى فيها بالدعاء من غير وضوء ولا صلاة.
4- صلاة ركعتين من غير الفريضة:
اتفق الفقهاء
على أن صلاة الاستخارة ركعتان، فلا تصح بركعة واحدة، لقوله صلى الله عليه وسلم:
«إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ»، وتصلى
الاستخارة في أي وقت من ليل أو نهار؛ لأن الأحاديث الواردة فيها لم تحدد لها وقتاً،
كما أنها صلاة ذات سبب، والسبب قد يأتي في أي وقت، وقيل: تصلى في غير أوقات
الكراهة، والراجح جوازها في كل وقت.
وقد اختلف
العلماء فيما يقرأ فيهما من القرآن بعد «الفاتحة»، فقد ذكر النووي أَنَّهُ
يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ «الْكَافِرُونَ» وَ«الإِخْلَاصَ»، وَلَعَلَّهُ
أَلْحَقَهُمَا بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، قَالَ:
وَلَهُمَا مُنَاسَبَةٌ بِالْحَالِ لِمَا فِيهِمَا مِنَ الْإِخْلَاصِ
وَالتَّوْحِيدِ وَالْمُسْتَخِيرُ مُحْتَاجٌ لِذَلِكَ.
وقال ابن حجر:
وَمِنَ الْمُنَاسِبِ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا مِثْلَ قَوْلِهِ: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ
وَيَخْتَارُ) (القصص: 68)، وقوله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب:
36)، وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا السُّورَةَ
وَالْآيَةَ الْأُولَيَيْنِ فِي الْأُولَى وَالْأُخْرَيَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ(2)،
لكن ظاهر الأحاديث عدم التقييد بشيء مما ذكر، فللمصلي أن يقرأ فيهما ما شاء من
القرآن الكريم(3).
5- دعاء الاستخارة:
يدعو المصلي
دعاء الاستخارة وهو متجه إلى القبلة، على وضعية الصلاة، كما جاء في الحديث الشريف
بقوله: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ
بِقُدْرَتِكَ..» إلى آخر الدعاء المذكور سابقاً.
وقد استحب
الإمام النووي في دعاء الاستخارة البدء بالحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم(4)، ونقلت الموسوعة الفقهية قول الحنفية
والمالكية والشافعية: يستحب افتتاح الدعاء المذكور وختمه بالحمد لله والصلاة
والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم(5)، وقيل: إن الأفضل أن
يقتصر على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يزد على ذلك.
وقد اختلف
الفقهاء في وقت قول الدعاء في الصلاة، حيث رأى البعض أنه يقال قبل السلام، واستدلوا
على ذلك بسياق الحديث، فإنه ذكر صلاة الركعتين ثم قال: «ثم ليقل»، وهذه الصيغة في
الأحاديث تدل على اتصال بين الدعاء والصلاة، بينما رأى بعض الفقهاء أن دعاء
الاستخارة يكون بعد السلام، واستدلوا بأن قوله في الحديث: «فليركع ركعتين من غير
الفريضة ثم ليقل..» يفيد التراخي، بدلالة حرف التراخي «ثم»، فدل على أن الدعاء
يكون بعد السلام، ورأى آخرون أن الأمر في ذلك واسع، إن شاء دعا قبل السلام أو بعده،
ورجحه ابن تيمية(6).
وإذا كان من لا
يحفظ الدعاء يحسن القراءة فعليه أن يقرأه من ورقة أو كتاب، وإذا كان لا يحسن
القراءة فلا بأس بأي دعاء يؤدي معنى الاستخارة، ففي سنن الترمذي عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا
قَالَ: «اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي».
6- التوكل وانتظار التيسير:
لا يؤدي المسلم
صلاة الاستخارة إلا وهو متيقن أن الله تعالى يختار له الخير، فالمستخير حين
يُفوِّض أمره إلى ربه، يُعلن عجزه عن معرفة الخير بنفسه، ويُسلم القيادة للّطيف
الخبير الذي يعلم خفايا المقادير، فهو يتوكل على ربه وينتظر من الفرج والتيسير.
___________________
(1) صحيح ابن
حبان (2/ 491) (1744).
(2) فتح الباري:
ابن حجر العسقلاني (11/ 185).
(3) الدين
الخالص: الشيخ السبكي (5/ 240).
(4) الأذكار: النووي،
ص 179.
(5) الموسوعة
الفقهية الكويتية (3/ 245).
(6) مجموع
الفتاوى (2/ 265).