كيف تشارك في إعادة إعمار غزة؟

منى عبدالفتاح

20 أكتوبر 2025

89

لم تنتهِ المعركة بعد، كما يظن البعض، فالحرب جولات، والصراع مستمر إلى أن ينتصر أهل الحق، ولو كانوا قلة مؤمنة مستضعفة، تكالبت عليها الأمم.

لم تنته المعركة بعد، بل قل بدأت، بعدما اتضحت نوايا الإبادة والتدمير جلية، كوضوح الشمس في رائعة النهار، وتبين الطيب من الخبيث، وانكشف المنافقون، والمرجفون، والخائنون، والمتآمرون، والمتخاذلون.

حرب غزة أكبر من سجال عسكري، أو مواجهة مسلحة بين طرفين غير متكافئين بالمرة، بل كانت حرباً ضد الإنسان، ضد الرضيع والطفل والمرأة والشيخ، ضد الشجر والحجر، والمسجد والكنيسة، فهل نعي ذلك؟

واقع مأساوي

بعد مرور عامين على الحرب، بلغ إجمالي ما ألقاه جيش الاحتلال «الإسرائيلي» من متفجرات على غزة، أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات، مخلفة أكثر من 60 مليون طن من الأنقاض، وقيمة مادية للأضرار تبلغ نحو 70 مليار جنيه، وفق تقديرات أممية.

عدد الشهداء والمفقودين بلغ 76 ألفاً و639 شخصاً، بينهم 9500 مفقود لا يزال مصيرهم مجهولاً، وعدد المصابين 169 ألفاً و583 شخصاً، من بينهم 4800 حالة بتر، و1200 حالة شلل، فضلاً عن إبادة 2700 أسرة بالكامل.

دمار هائل طال أكثر من 90% من البنية التحتية المدنية، و300 ألف وحدة سكنية، و1.5 مليون من سكان القطاع فقدوا منازلهم، كما جرى تدمير وتعطيل 38 مستشفى، وتضرر 95% من مدارس القطاع بشكل جزئي أو كلي، وفق بيانات مكتب الإعلام الحكومي في غزة.

نحو 2.2 مليون شخص في غزة (100% من السكان) يواجهون مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي، بحسب بيانات برنامج الأغذية العالمي.

يعلق البروفيسور أندرياس كريغ، خبير أمن الشرق الأوسط في كلية كينغز كوليدج لندن، بالقول لــ«بي بي سي»: إن الأمر أسوأ من البدء من الصفر، فهنا لا تبدأ من الأرض، بل من الأنقاض!

جسد واحد

إن الوعي الكامل بتلك الحقائق هو اللبنة الأولى نحو إعادة إعمار غزة، فالمواطن الغزاوي ليس في حاجة فقط إلى منازل ومدارس ومستشفيات وخدمات ومساعدات غذائية وإغاثية فحسب، بل في حاجة إلى لُحمة عربية وإسلامية، تلملم جراجه، وتتداعى له بالتراحم والتعاطف والتآلف والتضامن والتناصر، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

من منا فكر في المشاركة في إعادة إعمار غزة، إلى أي مدى خططت فعلياً لدعم إعادة الإعمار، من خصص يوماً من راتبه شهرياً لدعم ذلك، ماذا ستقدم للغزيين، كيف ستسخر علمك وأدواتك لإزالة ما خلفته الحرب من ركام وآلام وجراح، ما مقترحاتك وابتكاراتك لدعم القطاع، كيف نحيي غزة من جديد؟

عن بُعد، وعبر وسائل الاتصال والتواصل، ومن خلال الكتابة والتدوين والتوثيق، وعبر القلم والريشة والمسطرة، أو غير ذلك من أدوات ووسائل، يمكن للأمة أن تهب هبة رجل واحد؛ لاستدراك ما سبق، وتعويض ما كان منا من خذلان أو تقصير.

بإمكان كل فرد أن يوثق ولو جزءاً من حرب غزة بصور أو مقاطع فيديو، وأن يشارك في فضح جرائم الاحتلال بتغريدة، أو قصة أو بودكاست أو لوحة جدارية، أو فيلم وثائقي.

لا تقلل من شأن المشاركة في حملة لمقاطعة بضائع المحتل وداعميه، أو بريد إلكتروني لمنظمة دولية أو شخصية عامة، تحثها على دعم الفلسطينيين، أو تجهيز قافلة مساعدات إنسانية ولو بالقليل، أو التكفل بيتيم فلسطيني، أو المساهمة في بناء منزل، أو شراء مواد طبية وغذائية.

أفكار جديدة

قدِّم فكرة جديدة لدعم إعادة الإعمار، وتحلية المياه، وتوليد الكهرباء، وزراعة التربة، والتخلص من آلاف الأطنان من الركام، وكيفية إحداث ثورة هندسية في إعمار القطاع تراعي ظروف الحرب وإمكانية تجددها في أي لحظة.

لنتطوع جميعاً بعد الحرب، فالمقاومة المدنية سهم في جراب الجهاد، إذا أردت أن تشارك في دعم غزة، ولو بدروس «أون لاين» لأطفالهم، أو مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، أو منصة لتعليم البرمجة، أو عيادة إلكترونية لتفقد مرضاهم، أو مشروع صغير يدار عن بُعد يجنب شبابهم البطالة وقلة الرزق.

لنطلق منصات لتقديم الدعم النفسي لنساء وأطفال غزة، ومجموعات افتراضية للطلاب على منصات التواصل الاجتماعي لشرح مناهج التعليم، ودورات متخصصة في جميع العلوم الدينية والدنيوية، والتنسيق مع دول وجهات خيرية وحكومية لتقديم منح دراسية للطلاب المتفوقين والمتضررين.

لننتج فيلماً سينمائياً يمجد ملحمة صمودهم على مدار عامين، ومسلسلاً يروي أحداث «طوفان الأقصى»، وزخماً إبداعياً بشتى الفنون، يوثق تفاصيل حرب غزة، وما أحدثه يوم السابع من أكتوبر 2023م من هزات وتداعيات، سيظل أثرها لعقود.

بإمكان الشعوب العربية والمسلمة استلهام تجربة الأحرار في بقاع العالم، عبر مواصلة تسيير أساطيل الصمود، لتكمل مسيرة إعادة الإعمار، وفتح باب التطوع للأطباء والمهندسين والمعلمين والصحفيين والحقوقيين، كل يدلي بدلوه في دعم غزة الأبية وأهلها الأحرار.

الحرب مستمرة

من الخطأ الركون إلى الصدقة والزكاة فقط، كوسيلتين للدعم والنصرة، فالأمر جلل، والحرب مستمرة، ومن الخطأ في اليوم التالي للحرب التهاون أو القعود، وعدم الاستعداد لجولة جديدة من الصراع بين الحق والباطل.

إن الأمة في حاجة إلى استلهام الدروس من حصة «طوفان الأقصى»، والتعلم من دروس غزة، والإعداد الجيد على جميع المستويات، واستنهاض قدراتها وأدواتها؛ لصد تتار العصر الحديث، الذين يتوعدون بإنشاء «إسرائيل الكبرى»، بدعم أمريكي غربي فج.

إعادة الإعمار واجب الوقت، وعلى الشعوب أن تعوض ما فاتها من قطار «طوفان الأقصى» والصمود، وأن تتهيأ للمواجهة من جديد، بعدما أفصح العدو عن نياته، واستهدف 7 دول عربية وإسلامية خلال عامين، الأمر الذي يتطلب طوفاناً جديداً على جميع المستويات، يجتث جذور هذا السرطان الخبيث.


اقرأ أيضاً:

إعمار غزة جهاد جديد.. من ميادين المقاومة إلى ميادين البناء

لماذا على الغرب أن يتحمل نصيباً كبيراً في فاتورة إعمار غزة؟

وقف الطوارئ لإعادة إعمار غزة.. الوقف المطلق كأداة تمويل مستدامة ومرنة

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة