كيف تصنع جيلاً لا يسقط أسير «الترند»؟
_1.jpeg)
لم يعد «الترند»
مجرد مؤشر رقمي على المنصات، بل صار سلطة خفية تقود العقول والاهتمامات، في كل
صباح، يفتح الملايين هواتفهم ليعرفوا: ما الذي يتصدر «تويتر»؟ ما الذي يشاهد على «تيك
توك»؟ ما الجديد في «يوتيوب شورتس»؟ غير أن السؤال الأعمق: ماذا يفعل «الترند»
بعقول أبنائنا؟ وكيف نواجه تأثيره تربويًا؟
سلطة اللحظة
«الترند» يعيش
على سرعة الاشتعال وسرعة الخفوت، يخلق وهْم الأهمية في موضوع قد لا يستحق؛
تربويًا، يتعلم الأبناء أن المهم هو ما يتحدث عنه الجميع، لا ما له قيمة حقيقية،
تقرير «BBC» (2022م) أكد أن 74% من مستخدمي «تيك توك»
تحت سن 24 عامًا يتأثرون بالترندات اليومية أكثر من الأخبار التقليدية، هذه السلطة
اللحظية تُعيد تعريف «المهم» عند الشباب، بحيث يصبح المهم هو ما يلمع الآن، لا ما
له قيمة بعيدة المدى.
صناعة القطيع
تكرار متابعة
«الترند» يصنع عقلية القطيع، حيث يُستبدل الانجراف الجماعي بالتفكير النقدي، في
دراسة نشرتها مجلة «علم النفس الإعلامي» (Media Psychology, 2022)، تبين أن 62% من المراهقين يشاركون محتوى «ترند» فقط لأنه شائع،
حتى دون فهمه أو التحقق من صحته، هذا يعزز عقلية القطيع، ويضعف ملكة التفكير
النقدي.
التوتر النفسي والخوف من الفوات
«الخوف من تفويت
الترند» (FOMO) بات أحد أبرز الضغوط النفسية على
المراهقين، إذ يشعرون أن غيابهم عن نقاش ما يعني أنهم خارج الدائرة الاجتماعية،
تقرير منظمة الصحة العالمية (WHO,
2021) أشار إلى
أن الإفراط في متابعة «الترند» يزيد مستويات القلق والاكتئاب لدى المراهقين بنسبة
23%، بسبب الخوف المستمر من تفويت ما يتابعه الآخرون (ظاهرة FOMO).
التربية كجدار صد
الحل ليس في
محاربة «الترند» بحدّة، بل في تعليم الأبناء مهارات القراءة النقدية؛ أن يسألوا
دائمًا «لماذا هذا مهم؟ من المستفيد؟ هل يحمل معنى حقيقي؟»، هذه الأسئلة تجعلهم
أحرارًا أمام جاذبية اللحظة، في مصر عام 2020م، أثار «ترند التحديات الخطيرة» على «تيك
توك» –مثل «تحدي التعتيم»– جدلاً واسعاً بعد وفاة أكثر من طفل؛ وهو ما دفع
البرلمان إلى مناقشة قوانين لمحاسبة صناع المحتوى الخطر، هذا مثال واقعي على أن «الترند»
ليس ترفاً بل قضية تربوية ملحة.
بدائل تربوية
يمكن للمدارس
والأسر أن تقدم بدائل؛ مسابقات في سرد قصص حقيقية ملهمة، تحديات جماعية في القراءة
أو التطوع، محتوى شبابي يقدّم القيم بلغة منافسة لـ«الترند» السطحي، كما أن الحل
ليس بمنع المنصات، بل ببناء وعي نقدي، المدارس يمكن أن تُدخل «التربية الإعلامية»
كمادة، تعلم الأبناء كيف يميزون بين المحتوى الحقيقي والمُضلل، وكيف يدركون أن
الشهرة ليست معيار القيمة.
في الأردن،
أطلقت وزارة الشباب عام 2022 مبادرة «تحدي القراءة الرقمية» لمنافسة الترندات
التافهة، ونجحت في جذب آلاف الطلاب الذين شاركوا بملخصات كتب مصوّرة، هذه التجربة
أثبتت أن «الترند» يمكن أن يُستخدم إيجابياً إذا أُحسن توجيهه.
شراكة الإعلام التربوي
«الترند» يُصنع
بخوارزميات، لكنه أيضًا يُصنع بالإرادة المجتمعية، إذا تحالف المربون مع
الإعلاميين لإطلاق حملات إيجابية، يمكن تحويل «الترند» إلى أداة بنّاءة لا مدمّرة،
«الترند» سيبقى جزءًا من المشهد الرقمي، لكن دوره التربوي مرهون بقدرتنا على
تحويله من أداة للسطحية إلى منصة للوعي، التربية ليست في المنع، بل في التمكين؛
تمكين الأبناء من عقل نقدي يختار، لا عقل منقاد ينجرف.
التربية أمام
تحدٍّ غير مسبوق: كيف تصنع جيلاً لا يسقط أسير «الترند»؟ الجواب ليس في إغلاق
الأبواب، بل في فتح العقول، فالابن الذي يعرف كيف يُفكّك ما يراه، لن تجرّه
خوارزمية عمياء، بل سيقود نفسه نحو وعيٍ أعمق.