كيف ستواجه المقاومة خروقات الاحتلال في غزة؟

د. إياد القرا

02 نوفمبر 2025

132

أعاد التصعيد «الإسرائيلي» الأخير، والثاني خلال أسبوعين، وما تخلله من مجازر، واغتيالات، السؤال الأبرز إلى الواجهة: هل تسعى «إسرائيل» إلى نسف اتفاق وقف إطلاق النار؟ وكيف ستتعامل المقاومة الفلسطينية مع هذه الخروقات دون أن تمنح الاحتلال فرصة للعودة إلى الحرب؟

في الواقع، تبدو المقاومة أمام معادلة دقيقة؛ الحفاظ على مكتسبات الاتفاق من جهة، وردع الاحتلال ومنعه من استباحة الدم الفلسطيني، من جهة أخرى.

إنها معركة جديدة، عنوانها «استعادة الردع»، لا «المواجهة المفتوحة».

خروقات تُهدد جوهر الاتفاق

الاحتلال لم يلتزم فعليًا بالاتفاق منذ ساعاته الأولى؛ فالقصف المتكرر للمناطق السكنية، واستهداف فرق الإنقاذ والمدنيين العائدين إلى بيوتهم، وتعمد تأخير تسليم جثامين الأسرى، كلها خروقات تمسّ جوهر الهدنة.

كما استخدمت «إسرائيل» ذرائع أمنية لتبرير الهجمات، لكنها في الحقيقة تسعى لاختبار صبر المقاومة، وقياس حدود الضبط الميداني لديها، ومحاولة فرض معادلة الهدوء مقابل الخضوع، لا الهدوء مقابل الالتزام.

إستراتيجية المقاومة.. الردع المنضبط

تُدرك المقاومة أن العودة إلى الحرب الكاملة ليست خيارًا وطنيًا في هذه المرحلة الحساسة التي يفترض أن يتم فيها بدء خطوات الإعمار وعودة النازحين، لكنها في المقابل لا يمكن أن تترك دماء الفلسطينيين دون رد.

لذلك اختارت المقاومة نهج الردع المنضبط كالآتي:

  • الرد على الخروقات ضمن حدود مدروسة تمنع الاحتلال من تحقيق مكاسب سياسية.
  • الحفاظ على الجهوزية العسكرية والقدرة على الردع كعامل ردٍّ نفسي وسياسي.
  • إرسال رسائل ميدانية محسوبة تُعيد تثبيت معادلة الرد دون الذهاب إلى تصعيد شامل.

بهذه الطريقة، تجمع المقاومة بين مسؤوليتها السياسية والإنسانية، وواجبها في حماية شعبها، وهي معادلة شديدة الدقة توازن بين الحق في الرد، والحرص على الاتفاق.

توحيد الموقف الفصائلي كخط دفاع سياسي

توحّد الفصائل الفلسطينية في الميدان والخطاب يُعتبر عنصر قوة في مواجهة الخروقات، ويمنع الاحتلال من اللعب على التناقضات.

فالبيانات المشتركة، وغرف العمليات الموحدة، واللقاءات السياسية بين قيادات الفصائل، تؤكد أن الموقف من الهدنة ليس فصائليًا، بل وطنيًا شاملًا.

كما أن هذا التنسيق يرفع الكلفة السياسية لأي خرق «إسرائيلي»، لأن الرد حينها لن يُحسب على فصيل بعينه، بل على الإجماع الفلسطيني؛ ما يجعل الاحتلال في مواجهة موقف موحّد يصعب تفكيكه، أو اللاعب عليه، واستغلاله مبرر لانتهاك الهدنة.

المقاومة والدبلوماسية.. معركة عبر الوسطاء

إلى جانب الرد الميداني المنضبط، تعمل المقاومة عبر الوسطاء –مصر وقطر وتركيا– لتثبيت الاتفاق وإلزام الاحتلال به.

هذه الاتصالات ليست مجرد وساطة شكلية، بل أداة ضغط فعالة تُحمّل «إسرائيل» مسؤولية أفعالها أمام رعاة الاتفاق، وخصوصًا الولايات المتحدة التي تبنّت الاتفاق سياسيًا أمام العالم.

وتحريك هذا المسار الدبلوماسي يمنح المقاومة غطاءً قانونيًا وأخلاقيًا، ويُظهرها كطرف منضبط يسعى لتجنيب شعبه ويلات الحرب، مقابل طرف «إسرائيلي» متمرد على التفاهمات الدولية.

الإعلام والرأي العام سلاح مواز

في المعركة الراهنة، لا يقلّ الإعلام أهمية عن الميدان؛ فالمقاومة تدرك أن توثيق الخروقات وفضح جرائم الاحتلال أمام الرأي العام العالمي يضاعف الضغط السياسي عليه، ويكشف زيف روايته التي يحاول من خلالها تبرير المجازر.

وتفعيل المنصات الحقوقية والإعلامية، وتسليط الضوء على المأساة الإنسانية التي تخلّفها الغارات جزء من إستراتيجية المقاومة لإحراج الاحتلال أمام العالم وتثبيت روايتها كطرف ملتزم بالاتفاق وبالقانون الدولي الإنساني.

الخطوط الحمراء والحد الفاصل

تتعامل المقاومة بمرونة سياسية لكنها تملك خطوطًا حمراء واضحة، أبرزها:

1- استهداف المدنيين والمخيمات.

2- استباحة المناطق الآمنة والمأهولة.

3- تعطيل عمليات الإعمار والإغاثة.

4- استخدام ملف الأسرى والجثامين كورقة ابتزاز.

تجاوز أيٍّ من هذه الخطوط سيعني انتقال المقاومة إلى مستوى جديد من الرد، لأن الصمت في هذه الحالات يُفسَّر ضعفًا، والرد هو جزء من الحفاظ على التوازن الذي يفرضه الاتفاق.

قراءة في مآلات المشهد

أمام هذه المعادلة، تتوزع الخيارات على 3 احتمالات:

1- الاحتواء وإعادة التثبيت: عبر تدخل الوسطاء وإعادة ضبط السلوك «الإسرائيلي»، وهو الاحتمال الأقوى في المدى القريب، وهو ما تم في المرتين لاختراق الهدنة.

2- التصعيد المحدود: إذا استمرت الخروقات الميدانية، فقد ترد المقاومة بعمليات نوعية محدودة تُعيد الردع دون انهيار الاتفاق.

3- الانهيار الكامل: إذا استمر الاحتلال في سياسة القصف الممنهج ورفض الضغوط الدولية، فإن العودة إلى الحرب ستصبح أمرًا مفروضًا لا خيارًا.

لكن كل المؤشرات الحالية تشير إلى أن المقاومة تراهن على الخيار الأول، حرصًا على شعبها، وعلى تحويل الهدنة إلى فرصة لإعادة الحياة إلى غزة لا إلى ساحة اختبار جديدة.

المقاومة الفلسطينية اليوم تواجه خروقات الاحتلال بوعيٍ سياسي ومسؤولية وطنية؛ فهي لا تنجرّ إلى الحرب، ولا تسمح بالاعتداء دون رد.

واختارت المقاومة أن تكون عقلانية في قوتها، وحازمة في ضبطها، وأن تُحافظ على المعادلة التي صنعتها بدماء الشهداء؛ نردّ حين يُعتدى علينا، ونلتزم حين يُلتزم معنا.

بهذا النهج، لا تدافع المقاومة فقط عن اتفاق، بل عن حقّ شعبٍ يريد أن يعيش بكرامة، وأن يرى في الهدنة بوابة للحياة لا مقدمة لحرب جديدة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة