كيف نُحبّب أطفالنا في الصلاة؟ 7 خطوات عملية

رقية محمد

20 أكتوبر 2025

132

«الصلاة عماد الدين»، و«أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله»؛ لذلك كان واجباً على الآباء والمربين أن يغرسوا في نفوس أبنائهم حب الصلاة والتعلق بها منذ الصغر، وكلما عظُم قدر الصلاة في قلب المربي وازداد حرصه على صلاح أبنائه ونجاتهم في الدنيا والآخرة؛ ازداد سعيه في تعلم الوسائل الحكيمة التي تُعينه على تحقيق هذه الغاية العظيمة.

وفيما يلي أهم الخطوات العملية التي تساعد الوالدين والمربين على تعليم الأطفال الصلاة.

1- صدق النية والاستعانة بالله عز وجل:

الخطوة في كل عمل صالح لا سيما أعظمه وهو الصلاة؛ هي تصحيح نية المربي، واستحضار أنه يؤدي عبادة عظيمة لا مجرد مهمة تربوية، فالمربي حين يعلم أبناءه الصلاة، إنما يسعى لأن يكون سبباً في هدايتهم ونجاتهم، فينال أجراً لا ينقطع حتى بعد وفاته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفَعُ به، أو ولدٌ صالحٌ يدعو له»(1).

ولذلك، يجب أن يبدأ المربي طريقه بـإخلاص النية لله، فيجعل هدفه أن يُحبِّب أبناءه في طاعة الله، لا في مدح نفسه أو التماس رضا الناس، وأن يستعين بالله في كل خطوة، مستشعرًا حال من سبقوه وهم يدعون الله، قال الله عز وجل: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم: 40)، فمن صدق مع الله أعانه، ومن بدأ تربيته بالدعاء والتوكل رزقه التوفيق والقبول وبارك له في جهده وأبنائه.

2- العلم عن الله عز وجل:

منذ لحظة الولادة، ينبغي أن يُغمر الطفل بمعاني الإيمان والعقيدة، وأن يسمع عن أسماء الله وصفاته بأسلوب بسيط يناسب عمره وفهمه، فالعلم قبل العمل مبدأ إسلامي عظيم، قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) (محمد: 19).

وتكون البداية من خلال القدوة والمواقف اليومية: كأن يردد الوالدان الأذكار عمومًا وأذكار الصلاة خصوصًا بصوت مسموع أمام الطفل، فيتعلم عملياً أن الله يُسأل ويُرجى ويُستعان به، وكذلك اقتناص المواقف ليتعلم مراقبة الله في أفعاله، وغرس محبة الله في قلب الصغير من خلال ذكر نعمه ورحمته، وهذه الخطوة مهمة جداً لتعريف الطفل بالله منذ صغره، وهو الأساس المتين الذي يُبنى عليه كل ما يأتي من إيمان وتربية وسلوك، فإذا ثبت هذا الأساس في القلب، كان البناء من بعده راسخاً لا تزعزعه الفتن ولا تغلبه الشهوات.

3- القدوة وبناء تصورات الطفل:

إن أعظم وسيلة لتعليم الأبناء هي القدوة العملية؛ وهي أن يروا المعاني المجردة وما يُقال لهم متجسداً في سلوك الوالدين قبل أن يُطلب منهم فعله، فالطفل حين يرى والديه يحافظان على الصلاة، ويقومان إليها بخشوع وطمأنينة، ويُقدمان أمر الله على رغباتهما، ويسارعان إلى التوبة إذا وقعا في ذنب، كل ذلك مما يكوّن لديه تلقائياً تصورًا عميقًا عن نفسه بأنه عبد لله، خلقه ليطيعه ويعبده، فينشأ محباً للطاعة، مستسلماً لأمر الله دون تردد.

وقد ذكرت السُّنة أهمية التعليم بالقدوة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجِعوا إلى أهليكم فكونوا فيهم، وعَلِّموهم ومُروهم، وصَلُّوا كما رَأَيْتُموني أُصلِّي، فإذا حضرَتِ الصَّلاةُ فلْيُؤذِّنْ لكم أحدُكم، ولْيَؤُمَّكم أكبرُكم»(2)، فهذه التوجيهات تدل على أن التربية ليست بالأقوال فحسب، بل بالأفعال التي تُترجم المعاني إلى واقع يراه الطفل ويعيشه.

4- التهيئة وإشعال الحماسة لأداء الصلاة:

عند اقتراب الطفل من سنّ السابعة، تبدأ مرحلة التهيئة النفسية والوجدانية للمرحلة الجديدة، فتُظهر الأسرة الفرح والاحتفاء بقرب هذا الحدث، حيث يمكن للوالدين أن يُعدا الأيام المتبقية حتى بلوغ طفلهم السابعة كما يُنتظر العيد، فيشعر الطفل أن الصلاة شرف وفرح، وتكليف وقرب من الله، وكذلك تُضبط أنشطة اليوم وعاداته وفق مواقيت الصلاة، ليعتاد الطفل على تنظيم وقته حولها، مع تهيئة مكان هادئ ومناسب للصلاة يُعينه على الخشوع والتركيز وعدم التشتت، ويُنظم مواعيد نومه فينام مبكراً ليستيقظ بسهولة لصلاة الفجر.

كما يمكن تحفيزه بأساليب محببة، مثل: تذكيره بأنه يتحدث مع الله وهو يجيبه أثناء قراءة «الفاتحة»، والثناء على الطفل بعد الصلاة ومدح حرصه عليها، وأن يسمع الوالدان وهما يحمدان الله على نعمة هداية الطفل وتوفيقه لعبادته، والدعاء له أمام إخوته، وطلب الدعاء منه قبل الصلاة ليشعر بمكانته، وتذكيره بثواب الله على الصلاة والوضوء، وأن الله يُحب المصلين الطاهرين، والحديث معه عن نعيم الجنة، وأن اجتماع الأسرة على الصلاة في الدنيا سبب لاجتماعها في الجنة بإذن الله، وتخصيص ملابس صلاة جميلة -لا سيما للفتيات- لتشجيعهن على الاستعداد للصلاة بسرور، بإعداد جدول للصلاة يضع فيه الطفل علامة أو نجمة بعد كل صلاة يؤديها.

5- معرفة آثار الصلاة على النفس:

ربط الصلاة بمشاعر السكينة والاطمئنان يجعل النفس تهرع إليها في كل أحوالها، لتكون ملجأ القلوب ومصدر الراحة والأنس بالله، وذلك من خلال أن يقص المربي على أطفاله المواقف النبوية العظيمة مع الصلاة، كمثل ما كان من حال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهمه أمر، فقد كان يفزع إلى الصلاة، وتعليمه الصحابة أن الصلاة للمؤمنين راحة ودواء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها»(3).

ثم يترجم المربي ذلك عملياً في بيته؛ فإذا شعرت الأم بالضيق قالت لأبنائها: «سأصلي لأطمئن»، وإذا شعر الأب بالحزن قال: «سأتحدث إلى الله»، ثم يتوضأ ويصلي أمامهم، وبهذا يتعلم الطفل أن الصلاة ليست فرضاً فحسب، وإنما سكن للروح ودواء للقلب، حتى تصبح له قُرة عين كما كانت للنبي صلى الله عليه وسلم.

6- التكرار:

على المربي تكرار المعاني لترسيخها في نفس الطفل، ويكون التكرار بأساليب متنوعة تنفي الملل، وتغذّي القلب بالفكرة في صور مختلفة؛ كأن يكون النصح مرة في حديث مقصود بين الأب والأم يسمعه الطفل دون توجيه مباشر له، ومرة من خلال قصة قبل النوم، وأخرى بقراءة كتاب أو موقف حياتي واقعي، أو حتى بسؤال الطفل، وأحيانًا بأن يتظاهر المربي بالنسيان ويطلب من الطفل تذكيره، بهذا التنويع، يثبت المعنى في العقل، ويترسخ في النفس دون وعظ مباشر أو تكرار ممل.

7- الصبر:

يجب على المربي التحلي بالصبر عند الأمر بالصلاة، يقول الله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ) (طه: 132)، فغرس القيم لا يتم في يوم أو أسبوع، بل هو بناء يحتاج لوقت وجهد كي يتم برحمة الله، ولا بد من صبر المربي ورحمته بالطفل، فقد ينسى الطفل، أو يتكاسل، أو يلهو، ولكن دور المربي أن يذكّره بلطف دون ملل، ويواصل التوجيه بحكمة وثبات، فالصبر هنا ليس ضعفاً، بل هو قوة من المربي الهادئ الذي يغرس الخير بطمأنينة وثقة في وعد الله تعالى.

ليس هناك ما يُختتم به الحديث عن تربية الأبناء على الصلاة ويُلهب في قلوب الآباء والمربين شوق المنافسة في ميادين الجنة أعظم مما جاء في دعاء الصالحين الذي خلده الوحي: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان: 74)، فليكن هذا الدعاء شعار كل أب وأم في مسيرتهم التربوية، وهم يسعون ليكونوا قدوة في التقوى، وأئمة يقتدى بهم في طاعة الله، حتى يروا في أبنائهم ثمرة جهدهم وصدق نيتهم، ويكونوا لهم قرةَ أعينٍ في الدنيا، ورفقاءَ نعيمٍ في الجنة.




_______________

(1) رواه مسلم (1631).

(2) رواه البخاري (6008).

(3) حديث صحيح، رواه أبي داود (13559).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة