كيف نستمتع بتربية أولادنا؟ (5)

د. يحيى عثمان

28 يوليو 2025

137

هذه الحلقة الخامسة من سلسلة «كيف نستمتع بتربية أولادنا؟» ونتناول فيها البيئة التربوية (ب):

أهمية الدور التربوي للأسرة

تؤدي الأسرة المسلمة الدور الأهم والأكثر تأثيراً في تربية الأبناء، فالولد لن يذهب إلى المسجد ويستفيد من قيمه التربوية إلا إذا اصطحبه والده منذ نعومة أظفاره إلى المسجد، أما إذا تجاهل عن قيمة اصطحاب طفله للمسجد، أو أنه لم يكن يصلي عادة بالمسجد؛ فسيضعف ذلك قيمة المسجد كمؤسسة تربوية مساهمة في التربية.

كذلك المدرسة، مع موجة التغريب التي بدأت منذ أكثر من قرن، أصبحت المدارس الأجنبية هي الأقوى تعليماً، بالإضافة إلى اللغة الأجنبية، وما يوفره ذلك من فرص أفضل في الحياة، وكذلك الدافع النفسي بالانتماء إلى طبقة الصفوة في المجتمع.

إن السموم العقائدية ونمط الحياة الغربي بكل مساوئه والانسلاخ من القيم الإسلامية، بل ومن الأمة ذاتها وإن تم المحافظة على الأداء الشكلي للعبادة، كما أثرت المسحة العلمانية على المدارس الوطنية سواء الحكومي منها أو الخاص على الدور التربوي القيمي لمفهوم التربية، وفي المقابل، سادت القيم المادية.

وسط كل هذا الغثاء والتدمير من خلال ما اصطُلح عليه بتطوير التعليم، كانت هناك جهود طيبة لإنشاء مدارس إسلامية تتبع أحدث المناهج والتقنيات التربوية على أسس من القيم الإسلامية، ومن ذلك يتضح دور الأسرة في اختيار المدرسة التي لا تهدم، بل تبني مع الأسرة جيلاً راسخ العقيدة ومتقناً لعلوم العصر ويكون قيمة مضافة للأمة، نعم لم تنتشر بعد المدارس الإسلامية بما يلبي الطلب عليها، بالإضافة إلى أنها مكلفة لأنها لا تأخذ دعماً من الحكومات، ولمعالجة هذه المعضلة، هناك حلان:

1- المدارس المنزلية: حيث يتم تكوين مجموعات دراسية من الأسر التي لديها أولاد في نفس المراحل الدراسية، والاستعانة بمتخصصين تربويين علميين لتربيتهم تربية إسلامية مع البرامج التعليمية المعتمدة، يتم ذلك من خلال تأجير أحد الأماكن أو بالتناوب في بيت الطلاب.

2- المدارس العامة: بشرط المتابعة اليومية، ونؤكد المتابعة اليومية مع الأولاد؛ لمراجعة أي قيمة سلبية وتعديلها.

لذا، كان وعي الوالدين بقيمة وأثر دور المدرسة في ترسيخ القيم الإسلامية هو الذي يدفعهما لاختيار المدرسة المناسبة، ويمتد دورهما في متابعة وتقيم هذا الدور المهم.

كذلك الصحبة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صاحِبِ المِسْكِ وكِيرِ الحَدَّادِ؛ لا يَعْدَمُكَ مِن صاحِبِ المِسْكِ إمَّا تَشْتَرِيهِ أوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أوْ ثَوْبَكَ، أوْ تَجِدُ منه رِيحًا خَبِيثَةً»، ويقول: «المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ».

حيث يوضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم الأثر الطيب للصحبة الصالحة والأثر السيئ للصحبة الفاسدة، ولماذا يجب أن يحرص المسلم على أن تكون صحبته صالحة تعينه على أمور دنياه وتذكره بآخرته والعمل لها.

ومن المجالات المهمة التي يجب على الوالدين الحرص عليها، تهيئة البيئة الطيبة التي يمكن لأولادهما أن يختاروا من خلالها أصدقاءهم؛ لذا يجب على الوالدين أن يوطدا علاقاتهما بالأسر الطيبة التي بها أولاد يمكن أن يكونوا أصدقاء لأولادهما، كذلك تعليم وتدريب الأولاد كيف يختارون أصدقاءهم، كما يجب التعرف على أصدقاء الأولاد وأسرهم، وبناء على ذلك يمكن الإشادة بالولد الذي لديه صحبة صالحة وإقناع من لديه صاحب طالح بتقييد علاقته به، لأنه كما يقال: الصاحب ساحب!

طبعاً، مع الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت «الميديا» من أكثر العوامل المشكّلة لثقافة وقيم أولادنا بتأثيراتها الإيجابية والسلبية، وقلَّت قدرتنا على متابعة الأولاد، ونمت قدرتهم على إخفاء ولوغهم في هذه الشبكة التي بها الخير والشر الكثير؛ لذا كان من أهم أدوار التربية الذي على الأسرة والمدرسة والمسجد القيام بها توليد الدوافع نحو الاستخدام الأمثل للإنترنت.

إن استخدام الإنترنت أصبح سمة أساسية لهذا العصر ولا يمكن حجبه عن الأولاد، ولكن من خلال تقنين استخدامه وتوليد الدوافع نحو خشية الله وتذكيرهم بمعنى الإحسان؛ «الإحْسَانُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ»، مع تدريبهم على كيفية تعبد الله من خلال استخدام الإنترنت في تنمية المعارف الإسلامية والتعرف على قبس من قدرة الله والدعوة والانضمام إلى المجموعات الافتراضية الإسلامية والقيمية والعلمية عبر العالم.

لذا، أيضاً يرجع تأثير الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي على أولادنا بناء على دور التربية في الأسرة، فالأسرة التي تسمح بالمحمول لصبية أو تفتح الإنترنت بالمنزل دون رقابة فقد باءت بإثم عظيم وتحمل أوزار أولادها ولم تعمل بالآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم).

رغم قيمة وأهمية تأثير العوامل المؤثرة في التربية بعد الأسرة؛ وهي المدرسة والمسجد والصحبة والإعلام، فإننا نعيد تأكيدنا أن دور الأسرة هو الأكثر تأثيراً، فلا ينحصر دورها في ممارستها في تربية الأولاد، بل أيضاً في كيفية التعامل مع باقي العوامل التربوية، وبناء على دور الأسرة تكون هذه العوامل مؤثرة تأثيراً إيجابياً أو سلبياً.

فلن يستطيع الآخر أن يؤثر في ولدك، إلا بالقدر الذي تغفل أو تتغافل فيه عن ولدك، حيث لا يمكن الادعاء بأن الإنترنت أكسب الأولاد قيماً سلبية ونحن قد أعطيناهم الهاتف دون أن نطمئن إلى قيمة مراقبة النفس لديهم، وقوة الوازع الديني في عدم اتباع هوى النفس والشيطان، ودون رقابة تصرفاتهم ومناقشتهم -دون خوف منا- لمعرفة اهتماماتهم وكيف يقضون أوقاتهم على الإنترنت.

فلا يمكن الادعاء بأن الأولاد يتكاسلون عن الذهاب إلى المسجد أو المشاركة في أنشطته، ونحن لم نحببهم إلى المساجد ولن نصحبهم منذ طفولتهم، أو لم نكن نموذجاً لهم.

ولا يمكن الادعاء بأن أصحاب السوء دمروا ابني، ونحن لم نهيئ لهم البيئة الاجتماعية الطيبة التي يمكن من خلالها بناء الصحبة الطيبة، أو أننا غفلنا عن التعرف على أصدقائهم وعائلاتهم، أو تغافلنا عن التصرفات السلبية التي حدثت لهم ولم نسعَ لمعرفة أسبابها وعلاجها.

ولا يمكن الادعاء بأن الأولاد لم يعودوا يأنسون بالتنزه معنا أو صحبتنا، وإنهم حتى بالمنزل يعيشون في كهوفهم، ونحن لم نسعَ لبناء صداقة معهم أو نسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم.

ولا يمكن الادعاء بأن المدرسة أكسبتهم أفكاراً وقيماً غير إسلامية، وقد ألحقناهم بمدرسة أجنبية أو علمانية وإن اضطررنا، فلم نراجع ونقيم سلوكياتهم ونعدل ما يجب تعديله.

المسجد:

كان للمسجد الدور الفعال في التربية، وكان محضناً تربوياً مؤثراً في بناء المعرفة والقيم الدينية وممارستها، وكان دوره متوافقاً مع جهود الأسرة ومكملًا لها، ولكن اقتصر دوره الآن على أداء الصلاة في معظم البلاد الإسلامية.

المدرسة:

لم يقتصر دورها على التعليم، بل كانت في معظم البلاد الإسلامية تحت وزارة التربية والتعليم؛ ما يعظم رسالتها التربوية، وقد عمد المخربون إلى تدمير هذا الصرح العظيم من خلال ما عُرف بتطوير التعليم، وهو تغريب وطمس الهوية الإسلامية في مدارسنا.

الإعلام:

كان مجرد جريدة ومذياع، وأصبح شبكة عنكبوتية وحجماً هائلاً من المعلومات متباينة شديدة التباين سواء من حيث الثقة أو الموضوع أو المصدر.. ولكن أخطر ما فيه هو عدم الشفافية؛ أو بمعنى أكثر وضوحاً حالة الظلام، حيث من يتعامل مع الإنترنت وكأنه دخل حجرة مظلمة، فإن لم نربِّ أولادنا على ضوابط التعامل مع الإنترنت ونقيم سلوكهم فقد يضيعوا.

الصحبة:

ظهرت صحبة جديدة من خلال الإنترنت، صحبة مجهولة بالكامل عبر كل مكان في العالم! ويعالج ذلك من خلال ضوابط التعامل مع الإنترنت.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة