كيف نصنع القدوة الصالحة لأبنائنا؟

تعد القدوة الطيبة أساس بناء الأسرة القوية، التي تعد اللبنة الأولى لبناء
مجتمع متماسك وصالح، لكن المنظومة الأسرية والقيمية تعاني من غياب القدوة والمثل
والنموذج، ما يمثل خطراً حقيقياً على الفرد والأسرة والمجتمع.
كيف نصنع القدوة الصالحة لأطفالنا؟ وما مواصفاتها؟ وما دور الوالدين في
ذلك؟ تساؤلات يجيب عنها هذا التحقيق.
في البداية، يقول د. جمال شفيق، رئيس قسم الدراسات النفسية للأطفال– جامعة
عين شمس: إن القدوة عصب الاستقرار الأسري، حيث يعد الآباء هم القدوة للذكور،
والأمهات القدوة للإناث، ولهذا فإن تصرفات الأب والأم وعلاقتهما تنعكس تلقائياً
على نفسية وسلوكيات وأخلاق أبنائهما وبناتهما، ولست مبالغاً إذا قلت: إن غالبية
الأبناء والبنات نسخة معدلة من الآباء والأمهات، وصدق الشاعر العربي الكبير أبو
العلاء المعري:
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
السماوات المفتوحة
وينبه شفيق خلال حديثه لـ«المجتمع»، إلى أن عصر السماوات المفتوحة والإنترنت
والهاتف الجوال سحب البساط من الألفة الأسرية، وتراجع دور الوالدين كقدوة مؤثرة
بشكل كبير في تشكيل شخصية الأطفال الذين أصبح لديهم الولع الكبير بتعلم ومتابعة
الجديد في تكنولوجيا الاتصال والتواصل، ولذلك تؤكد الأبحاث الاجتماعية تراجع دور
الأسرة في تقديم القدوة الطيبة، وهذا يمثل خطراً كبيراً على الأمن والسلام والتآلف
الأسري.
الإنترنت والهاتف
والفضائيات أضعفت دور الأسرة في التربية
ومع هذا، والكلام لشفيق، يمكن للأسرة العمل على استعادة دورها، وصنع القدوة
الطيبة لأبنائها وبناتها من خلال تمسك الوالدين بالأخلاق الحسنة التي تدعو إليها
الأديان، وطبقها الرسل والأنبياء من خلال تطبيق الصدق، والأمانة، والعدل،
والإيثار، وحب الخير، وغيرها من مكارم الأخلاق، وتطابق الأقوال الطيبة مع الأفعال.
التنشئة السليمة
وتؤكد د. منى كمال، أستاذ الاجتماع- جامعة عين شمس، أهمية القدوة الحسنة في
تربية الأجيال الناشئة في ظل طوفان التغريب الذي يهدم القيم والأخلاق والعادات
والفضائل في حياتنا، قائلة: إنه من المهم أن نعرف أن الطفل يميل بفطرته منذ نعومة
أظفاره إلى التقليد والمحاكاة للمحيطين به وخاصة الوالدين، باعتبارهما الأكثر
التصاقاً به؛ لذا يجب أن يهتم الآباء والأمهات بجعل أنفسهم وغيرهم من المحيطين بهم
داخل الأسرة وخارجها قدوة حسنة لهم.
وتضيف لـ«المجتمع» أن صنع القدوة من الصناعات التربوية الثقيلة وخاصة في
عصرنا الذي يشهد صراعاً حضارياً ودينياً، وعلى الوالدين تقديم النموذج الحسن في
أقوالهم وأفعالهم، والحرص على تأدية العبادات، واصطحاب الأبناء للمساجد وكافة
الأنشطة الخيرية والثقافية والفنية التي تتناسب مع أعمارهم وهوايتهم، والحزم عند
الضرورة، ومن الأقوال المأثورة: لا تكن صلباً فتكسر، أو ليناً فتعصر، فالوسطية
كلها خير في كل أمور الحياة.
صنع القدوة من
الصناعات التربوية الثقيلة في عصرنا الحالي
وتطالب كمال الآباء بمعرفة نقاط القوة والضعف لدى أبنائهم، وتجنب كل ما
يشعرهم بالإحباط، وعدم الثقة بالنفس، وكذلك تدريبهم على كيفية ضبط النفس وقت
الأزمات أو التعرض للتنمر، والتفرقة بين السلوكيات الصحيحة والخاطئة، وتعليمهم
أهمية صلة الرحم، وحسن معاملة الجيران والأصدقاء، واحترام الآخرين، والحرص على
النظام والنظافة والتصرف بمسؤولية وتحمل تبعات تصرفاتهم.
ضوابط شرعية
ويقول د. رمضان حسان، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة–
جامعة الأزهر: إن سيرة الأنبياء وخاصة السيرة النبوية لرسولنا صلى الله عليه وسلم
فيها ما يسهم في بناء القدوة الطيبة، ويكفي أن نذكر وصف الله تعالى لرسوله بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4).
ويطالب حسان بضرورة عمل برامج وعي وتثقيف أسري تنظمها المؤسسات الدينية
والاجتماعية والثقافية للمقبلين على الزواج لتزويدهم بالثقافة الدينية، وكيفية
إعداد أنفسهم ليكونوا قدوة لأطفالهم مستقبلاً، مع الاهتمام بمعايير اختيار
الأصدقاء أو الشلة، وضبط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك الفضائيات وغيرها.
التربية عملية
متواصلة تتطلب تخطيطاً وعلماً وأخذاً بالأسباب
يتابع: صناعة القدوة عملية متواصلة تتطلب تخطيطاً وليست عشوائية، وبقدر ما
يبذل فيها من جهد يتم جني الثمار على الفرد والمجتمع والأمة كلها، باعتبار الأسرة اللبنة
الأولى لبناء المجتمع، ولا بد أن يستشعر الوالدان دورهما كقدوة ومسؤوليتهما أمام
الله عن أولادهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن
رعيتِهِ، فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم والرجلُ راعٍ على
أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ
عنهم وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم
مسؤولٌ عن رعيتِهِ» (متفق عليه).
وينصح حسان بأن يتم تعليم الأبناء الدين بيسر وسهولة وصبر، ويكفي أن نذكر
أن الله عز وجل قال لنبيه ولأمته من بعده: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه: 132)، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)
(التحريم 6).