لا نامت أعين الجبناء

الكاتب: عبدالقادر عثمان حافظ
والصلاة والسلام على سيد المجاهدين الذي جاهد بماله ونفسه، وكان معه المؤمنون حقًّا فجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، قال تعالى (لَـٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ليقوم الناس بالقسط، وعلى آله المجاهدين: سيدتنا فاطمة الزهراء التي هي بضعةٌ منه وأخوه الإمام علي عليه السلام وسبطيه الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة عليهما السلام لتكون الشورى والحرية والمساواة والعدل، كي لا تُنقَض عُرَى الحكم إلى التغلب والتوريث.
لا نامت أعين الجبناء : قالها من نَفِذ صبرُه من أُمَّةٍ لم تتبع سبيل الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام، بل اتّخذت فلانًا خليلًا وهجرت كتاب ربها، قال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) (يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا) (لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا) (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) فكانت أُمَّةً ظالمةً.
قالها لأُمّةٍ لم يُبَيِّن فقهاؤها وعلماؤها ودعاتها كل ما بيَّنه الله عز وجل ورسوله سيِّدُنا محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) فعلى علمائها ومفكريها وفقهائها ومثقفيها تبيين ما بين الله ورسوله.
كما ركنت إلى الذين ظلموا من البغاة المستبدين قال تعالى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) فاستحقّت العذاب والخزي والذلّ في الدنيا، وفقدت ولاية الله عز وجل، فضاع منها النصر.
لا نامت أعينُ الجبناء، قالها أهلُ غزة، الذين قاموا بواجبهم الذي كلفهم الله عز وجل به في مدافعة هذا العدو الظالم قال تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ)، وحقَّ لهم أن يقولوا.
لا نامت أعينُ الجبناء، وعدوّنا تمدّه أقوى القوى الظالمة في العالم بقوافل لا تتوقف من السلاح والذخيرة والمال وكلّ ما يحتاج، وأمّةُ المليارَين تتفرّج على أشقّائها في أرض الرباط، وهم يُقتلون بعشرات الآلاف، ويُجوَّعون، ويُمنَعون من الماء والدواء، ويُشرَّدون، فتخلّت عن واجبها، ولن يعفيها الله عز وجل من مسؤوليتها، وسيحاسبها.
لا نامت أعينُ الجبناء، نقولها للتاريخ، وبكل مرارةٍ وألم، وأمام كلّ أبناءِ الأمّة، نقول: يا قادةَ هذه الأمّة الإسلامية والعربية، ويا شعوبها، ويا نُخبها وأحزابَها الكبيرة، ويا علماؤها، ويا رجالَ المال، أنتم خُصماؤنا أمام الله عز وجل، أنتم خصماء كلِّ طفلٍ يتيم، وكلّ ثكلى، وكلّ نازحٍ، ومشرَّد، ومكلوم، وجريح، ومُجوَّع.
لا نامت أعينُ الجبناء، واعلموا أن رقابَكم مُثقَلةٌ بدماء عشراتِ الآلاف من الأبرياء الذين خُذِلوا بصمتكم، وأنَّ هذا العدوَّ المجرمَ النازيَّ لم يكن ليَرتَكِبَ هذه الإبادة على مسمعٍ منكم ومرأى، إلا لأنه آمِنَ العقوبة، وضمن الصمت، واشترى الخذلان.
لا نامت أعينُ الجبناء، ونقول: إننا لا نعفي أحدًا من هذا الدمِ النازف، ولا نستثني أحدًا ممّن يملك القدرة على التحرّك، كلٌّ بحسب قدرته وتأثيره. أفلا تستطيع أمةٌ كبيرةٌ عظيمةٌ مجيدةٌ أن تُدخِلَ طعامًا وماءً ودواءً إلى المُجَوَّعين والمحاصَرين في شعب غزة؟
لا نامت أعينُ الجبناء، ونقول: ألا تستطيع أمّةُ المليارَين أن توقف شلّالَ دماءِ أهلِ غزّة، الذي يُهدَرُ لإرهابِ أُمّتِنا، وطمعًا في كسرها، من أجل إقامةِ إمبراطوريةٍ صهيونيةٍ على أرضِ العروبةِ والإسلام، عاصمتُها قِبلتُكم الأولى، ومسرى نبيِّكم عليه الصلاة والسلام؟ فلا نامت أعينُ الجبناء.
أمّةٌ لم يُبَيِّن فقهاؤُها وعلماؤُها...
قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) فعندما زحف الأعداءُ من بني إسرائيل والكفرة بالعلم والتفوق العسكرى وعلوم التكنلوجيا وعلوم الفضاء ولّى أكثر المسلمين الأدبار بل عاونهم من المنافقين والمرجفين، وزيّن لهم الشيطانُ سوءَ أعمالهم، فقعدوا ولم يُعِدّوا العدّةَ للخروج، وتركوا إخوانهم في غزة يجوعون ويُقتَلون، وهؤلاء هم الذين في قلوبهم مرضٌ، قال تعالى عنهم: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) وبوجود الشِّركِ والنفاقِ في قلوبهم، كَرِهَ اللهُ خروجَهم، لأن اللهَ طيِّبٌ لا يَقبلُ إلا طيِّبًا.
أُمّةٌ لم يُبَيِّن فقهاؤُها وعلماؤُها...
صفاتُ المؤمنين حقًّا، أهلُ التقوى، قد بيَّنها اللهُ عزّ وجلّ في كتابه المجيد، وهي صفاتُ المهاجرين والأنصار، قال تعالى عنهم: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)، وبيّن أوصافهم ليقتدي بهم من يأتون بعدهم، قال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) هذه من صفاتِ المؤمنين حقًّا، وهم موجودون في غزّة، وقليلٌ جدًّا خارجها.
أُمّةٌ لم يُبَيِّن فقهاؤُها وعلماؤُها...
أنَّ المؤمنين، وهم أهلُ التقوى الذين يحبُّهم الله عزَّ وجل، يجب أن يكونوا كالبُنيان المرصوص، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) فتكون الأمة مع أهلِ غزّة ولا تتركهم وحدَهم، لأنهم في حرب مع عدو الله وعدوهم.
أُمّةٌ لم يُبَيِّن فقهاؤُها وعلماؤُها...
إنّ الأمّة تنقسم إلى ثلاثة أقسام، وهم يتعاونون على نُصرة هذه الأمّة، وكلٌّ منهم مُكلَّف، وسيُحاسب. وذلك لكي تكون الأمّة محميّة من أعدائها.
القسم الأول والثاني: هم الذين يجاهدون بأموالهم وأنفسهم، أو يجاهدون بأموالهم فقط، أو بأنفسهم فقط، وقد قدّم الله عزّ وجلّ جهاد المال على جهاد النفس في أكثر من موضع، قال تعالى: (لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِوَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةًۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ) (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُواأَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَاتَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) (لَـٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَـٰئِكَهُمُ الصَّادِقُونَ) وكذلك جاءت آيات عديدة تُعظّم من شأن الإنفاق في سبيل الله: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُبِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْأَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
لم يُبَيِّن الفقهاء والعلماء أن المال مالُ الله، وأنه يجب التصرّف فيه كما أمر الله، ومن أعظم ما أمر به: الإعدادُ للقوة التي تُرهب العدو وعدوَّ الله، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) فلا يجوز الإستثمارها فى دول الأعداء من اليهود والنصارى ليحاربوا بها المسلمين، وإنما الإنفاق الحقّ هو في الإستثمار فى بلاد المسلمين وفي سبيل الله، وفي بناء مراكز الأبحاث لفهم العدو ومواجهته، وفي إنشاء مصانع الأسلحة والإنتاج، لتوفير كل ما تحتاجه الأمة في كل مقومات الحياة، والقوة العسكرية لتحقيق الاستقلال، وإنه محرّم صرفُ أموال الأمة في نشر المنكرات والفواحش، أو عند أعداء المسلمين، لأن في ذلك ضياعًا للأمة، وتمكينًا للعدو، ولم يُبيِّن الفقه أن كنز المال حرام، وأن صاحبه يُعذَّب به في النار، ولم يُبيِّن أن من أسباب هلاك الأمة: التخلّي عن فريضة الإنفاق، قال تعالى: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ). ومن صور الكنز المحرّم: استثمار الأموال وجني الأرباح في بلاد بني إسرائيل [اليهود والنصارى]، بدلًا من استثمارها في الدول الإسلامية الفقيرة المحتاجة، فذلك خيانة للرسالة، وتضييع للأمانة، وتفريط في فريضة.
القسم الثالث: وهي عبادةٌ يقوم بها كلُّ مسلم، حتى من لا يملك المال ليجاهد به، ولا القوة الجسدية ليجاهد بنفسه. فالأمّة كلُّها مُكلَّفةٌ بأن تُجاهد بالحضِّ على الإطعام ومساعدة المحتاجين، وقد بيّن الله عزّ وجلّ عِظَمُ هذه العبادة في ثلاثة مواضع من كتابه الكريم.
[1] فى سورة الماعون: بيّن الله عزَّ وجلَّ في هذه السورة أنَّ من لا يحضّ على طعام المسكين، فكأنّه كذّب بالدين، أي بيوم الحساب، ولم تنفعه صلاته، لأنه لم يُحقّق مقصودها، فكأنّه لم يُصلّ، قال تعالى: (أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ) (فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ) (وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ) (فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ) (ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ) (ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ) (وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ). فكلُّ مؤمنٍ صادقٍ، من عباد الرحمن، لا يخاف إلا الله، عليه أن يحضَّ الناس على الإطعام لأهل غزة، فذلك من أعظم القربات، ومن صفات المؤمنين الذين لم يكذّبوا بالدين.
[2] فى سورة الحاقة: بيَّن الله عزّ وجل في هذه السورة شِدّة العذاب الذي ينتظر من لا يحضّ على طعام المسكين، فقد جاء في وصف من يؤتى كتابه بشماله يوم القيامة أنه يتمنّى لو لم يُعطَ كتابه، وذلك لما ينتظره من عذابٍ عظيمٍ، لا لأنّه فقط كفر بالله، بل أيضًا لأنه لم يحضّ على طعام المسكين، قال تعالى: (وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِشِمَالِهِۦ فَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُوتَ كِتَٰبِيَهۡ) (وَلَمۡ أَدۡرِ مَا حِسَابِيَهۡ) (يَٰلَيۡتَهَا كَانَتِ ٱلۡقَاضِيَةَ) (مَآ أَغۡنَىٰ عَنِّي مَالِيَهۡۜ) (هَلَكَ عَنِّي سُلۡطَٰنِيَهۡ) (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) (ثُمَّ ٱلۡجَحِيمَ صَلُّوهُ) (ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ) (إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ ٱلۡعَظِيمِ) (وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ) (فَلَيۡسَ لَهُ ٱلۡيَوۡمَ هَٰهُنَا حَمِيمٞ) (وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنۡ غِسۡلِينٖ) (لَّا يَأۡكُلُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡخَٰطِـُٔونَ)، فالعذاب هنا من جنس التقصير كما لم يُطعم المسكين في الدنيا، حُرِم هو من الطعام في الآخرة، وكما لم يُشفق، لم يُشفق عليه.
[3] في سورة الفجر: بيّن الله عز وجل في هذه السورة أنه يُهين من أعطاه المال والجاه، إذا لم يُكرم اليتيم، ولم يحضّ على طعام المسكي، قال تعالى: (وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ) (كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ) (وَلَا تَحَٰٓضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ) (وَتَأۡكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكۡلٗا لَّمّٗا) (وَتُحِبُّونَ ٱلۡمَالَ حُبّٗا جَمّٗا)، فكيف بمن أُعطي المال، ثم لا يدفع منه شيئًا لأهل غزة؟ إن الله، سبحانه، سيهينه ويمنعه من التصرف في ماله، ويُسلّط عليه المجرمين من الحُكّام الظالمين، فيصير ذليلًا بأمواله، مقيّدًا بما يملك، وقد خسر الأمانة التي استُؤمن عليها.
أُمّةٌ لم يُبَيِّن فقهاؤُها وعلماؤُها...
أن الخوف لا يكون إلا من الله، وأن الخوف من غيره شركٌ يُفسد الإيمان، قال تعالى: (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚوَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) فالمؤمن يحذر لكنه لا يخاف إلا من الله، ويقوم بما أمره الله عز وجل دون تردد، ولا ينصاع لأوامر الحكام أو الملوك إن أمروه بمعصية الخالق، كأن يُمنع من نصرة إخوانه في غزة، أو يُؤمر بأن تكون مساعدته عبر وسائل لا تصل إلى المحتاجين فعلًا، فكثيرٌ من الأموال تُجمَع باسم الدعم، لكنها لا تصل، لأنها تمر عبر قنوات الأنظمة المتواطئة التي تُعيق ولا تُيسر، وتُجمل صورتها ولا تنصر أهل الحق.
أُمّةٌ لم يُبَيِّن فقهاؤُها وعلماؤُها...
إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ كلّف المؤمنين بالعمل، لا بالقول فقط، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ). وأنَّ الدعاءَ من دون عملٍ ومجاهدةٍ وأخذٍ بالأسباب لا يقتل ظالمًا قد أخذ كلَّ الأسباب لامتلاك القوة، من مالٍ وسلاحٍ وتخطيط. لقد أمات بعضُ العلماء بفكرهم روحَ العمل في الأمة حين ربطوا النصر بالدعاء فقط، وغفلوا عن سنة الله في الكون، وهي أن العملَ شرطٌ لقبول الدعاء، فأصبح كثير من الناس، من الجهلة الذين يتبعون الآباء والأئمة المضلين دون تدبُّر أو تفكُّر، يُردّدون ما يقوله بعض الأئمة المُضلين من غير وعي، مكتفين بالدعاء، وناسين أن الدعاء يأتي بعد العمل، وبعد بذل الجهد والجهاد بالمال والنفس والجاه.
وقد بيَّن الله عزَّ وجلَّ أنَّه ليس للإنسان إلَّا ما سعى، قال تعالى: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ) (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ) (ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ) (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ). فالله عزَّ وجلَّ يُجازي الإنسان على عمله لا على أقواله ولا أمانيه، قال تعالى: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)
أُمّةٌ لم يُبَيِّن فقهاؤُها وعلماؤُها...
كيفيةَ الإعدادِ لحمايتِها من عدوِّها وعدوِّ الله عز وجل، فتركوا مدينةَ القدسِ تُستباحُ من قِبَلِ بني إسرائيل، وتُقامُ فيها المستوطناتُ لتهويدِها وتحقيقِ نبوءاتهم الضالة، فأصبحت أموال المسلمين تُدفع لمساعدة التهويد.
لقد ضيَّعوا ثاني الحرمين وأولى القبلتين بفتاوى تصبُّ في صالح العدو الصهيوني، ومن خلال أحاديث في أكثرها ضعيفة، جعلوا الأمة تقول ولا تعمل، فمن قال كذا وكذا غُفرت ذنوبه – ولو ترك أهل غزة يُقتلون – ومن صام كذا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، فأصبح العُبَّاد الجُهَّال ينطقون بما لا يعلمون، وتركوا المجاهدة في طلب العلم قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
الخلاصة: أن العلماء والفقهاء أوجدوا فقهًا سلطانيًا يخدم الحكام والاستبداد، وقد تعاون الحكام مع هؤلاء العلماء على إنشاء كليات سُمّيت "إسلامية"، لكنها في حقيقتها تُخرّج "علماء سلاطين"، لأنّه من غير المعقول أن تبني الدول الباغية، التي تحارب منهج سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كليات يُقال فيها "قال الله" و"قال الرسول" ليتحقق مراد الله عز وجل لتكون خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر قال تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ)، ولكن للأسف الأمة في ضعف وذل هو نتاج فقه جعل الأمة لا تنمى قدراتها العقلية وكما يقال [الحاضر زراعة الماضى] قال تعالى (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ) وقال تعالى (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) (وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، وبما أن الناتج أمةٌ ذليلة، فإن علمائها وفقهائها وحكامها بنوا أمة وشعوب لا تحقق مراد الله عز وجل، فأصبح أغلب شعوبها من العُبَّاد الجُهَّال، وأغلب حكّامها مستبدّون بغاة، يتولّون اليهودَ والنصارى.
كما أن العلماء قد اتخذوا التقدير بدلًا من طاعة الله وطاعة الرسول، فطبقوا فقهًا وحديثًا وتفسيرًا وتاريخًا يخدم الحكام وأجبَروا الأمة على اتباعه، كُتب في ظل أنظمةٍ يحكمها حكامٌ بالحديد والنار والسجون والقتل، وقد عطّلوا عروة الحكم وهي الشورى، فأصبح الحكم والحكام غير شرعيين، قائمين على التوريث والقتل والتغلّب، فأصبحت الدولُ دولَ استبدادٍ وبغيٍ لأن البغاة على غير أمر الله قال تعالى (فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ) وبما أنها على غير أمر الله أمر الله عز وجل أن يقاتلوها، لأن التوحيد الخالص لله عز وجل يحقق في الحرية والقسط، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ).
ثم جاء من بعدهم مَن يُقلِّد ويَحفظ بلا تفكُّر، فجُمِّد العقل، وأصبحت الأمة - في أغلبها - كما قال ربنا جلّت قدرته: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) وهذا التشبيه لأن الأنعام تستعمل عقلها في التقليد والحفظ، وقد ذَكر أنهم أضلُّ، لأن الله عز وجل أعطى الإنسان قدرات عقلية، فمن لم يُنمِّها فهو أضلُّ من الحيوان، وأصبحوا يقولون - كما قالت كلُّ الأمم من قبلهم - وإذا دُعوا إلى ما قال الله وقال الرسول، كما في قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) فيتبعون آبائهم كما كانت الأمم السابقة.
على الأمة أن ترجع إلى طاعة الله عز وجل وطاعة رسولها سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكتاب الله عز وجل يشير إلى هذا في أكثر من سبعين آية، لتُدرك أن البُغاة ليسوا على أمر الله، بل على أمر إبليس، ويجب مقاتلتهم حتى يفيئوا إلى الحق ليتحقق مراد الله عز وجل وتكون أمة قوية عزيزة، كما أن البغاة يدعون إلى النار عن طريق إيجاد فقه لا يحقق مراد الله قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ). ويجب على الأمة أن تبتعد عن تأويلات المضلين من المتأولين الذين حرفوا المفاهيم، فجعلوا الأمة تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فضعفت، واستُبيحت، وضاعت نخوتها، وتبلدت مبادرتها.
على الأمة ترك الأبائية، وأن لا تتخذ "فلانًا" خليلًا، بل تعود إلى سبيل النبي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإلى القرآن الكريم، وألا تهجر هذا الكتاب العظيم، وألا تؤمن ببعضه وتكفر ببعضه، بل تؤمن وتعمل بكل ما جاء فيه، ويجب أن تبتعد عن التحزّب والعنصرية والتفرق، وعن تحريف الكلم عن مواضعه، فالهداية في اتباع الحق، لا في التقاليد، والنصر في وحدة الصف لا في الفرقة.
على العلماء أن يحترموا عقول الناس، وألا يُبيحوا الظلم ونقض العهود، والقول لمن فرق الأمة وخرج على الإمام المنتخب بالشورى، وقتل أهل بدر واهل بيعة الرضوان وكبار المهاجرين والأنصار وسادة التابعين، من سن التوريث وهي سنة جاهلية، بأنه إجتهد واخطأ وله أجر بكل هذه الجرائم، أن يُقال في حقه: "اجتهد فأخطأ وله أجر"، وكأنّ تلك الجرائم تُكافَأ، لا تُدان، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول (مَن سَنَّ سُنَّةً حَسنةً فعمِلَ بِها ، كانَ لَهُ أجرُها وَمِثْلُ أجرِ مَن عملَ بِها ، لا يَنقُصُ مِن أجورِهِم شيئًا ومن سنَّ سنَّةً سيِّئةً فعملَ بِها ، كانَ عليهِ وزرُها وَوِزْرُ مَن عملَ بِها من بعده لا ينقصُ من أوزارِهِم شيئًا) أخرجه ابن ماجة، ومسلم ، والترمذي، وقال (أَبْغَضُ النَّاسِ إلى اللَّهِ ثَلاثَةٌ: مُلْحِدٌ في الحَرَمِ، ومُبْتَغٍ في الإسْلامِ سُنَّةَ الجاهِلِيَّةِ، ومُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بغيرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ) صحيح البخاري، والتوريث هو من سنن الجاهلية.
لقد نُقِضَت عروةُ الحكم التي أمر الله عز وجل بها، وهي الشورى، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) فاستُبدلت منذ العام الأربعين للهجرة بالحكم القائم على التغلب والتوريث، ولم تُستعد بعد ذلك، وهو ما أدى إلى نقض الإسلام، كما أنذر بذلك النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: (لتُنْقَضَنَّ عُرَى الإسلامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكلَّما انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ الناسُ بِالَّتِي تَلِيها ، فأولُهُنّ نَقْضًا الحُكْمُ ، و آخِرُهُنَّ الصَّلاةُ) وقد بيّن الله تعالى أن من لم يحكم بما أنزل الله فقد وقع في الظلم والفسق والكفر، قال تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ). ولقد تغاضى كثير من العلماء عن هذا النقض لعروة الحكم، فكان ذلك إيذانًا بنقض الإسلام عروةً عروة.
التوصيات:
[1] لأن الواجب يفرض علينا أن نمدّ إخواننا في غزة بما نستطيع، كما يمدّ اليهود والنصارى والمنافقون والكفار عدوهم بلا انقطاع.
[2] حتى لا يكون المسلم خصيمًا أمام الله عز وجل، وخصمًا لكل يتيم وثكلى ونازح ومشرد ومكلوم وجريح وجائع من أهل غزة.
[3] حتى لا يظل ملياران من المسلمين واقفين موقف المتفرج، يشاهدون أشقاءهم في أرض الرباط يُذبحون ويُجَوَّعون ويُمنعون من الماء والدواء، دون حراك.
[4] حتى يؤدي قادة الأمة الإسلامية والعربية، ونخبها وأحزابها، وعلماؤها وفقهاؤها، وأغنياؤها وشعوبها، ما افترضه الله عليهم من واجب النصرة.
[5] حتى لا تظل رقاب هذه الأمة مثقلة بدماء عشرات الآلاف من الأبرياء الذين خُذلوا بالصمت، وقُتلوا على مرأى ومسمع من العالم الإسلامي.
[6] حتى نعفي أنفسنا أمام الله عز وجل من هذا الدم النازف، إذ يملك كل واحدٍ منا التحرك حسب استطاعته، ولنعمل على إيصال الطعام والماء والدواء للمحاصَرين الجائعين في غزة.
[7] حتى نوقف شلال الدم الذي يُسفك في غزة لإرهاب الأمة وطمعًا في كسرها، تمهيدًا لإقامة إمبراطورية صهيونية على أرض العروبة والإسلام، عاصمتها قبلة المسلمين الأولى، ومسرى نبيهم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، على المؤمنين حقًا، أهل التقوى واليقين باليوم الآخر، يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، أن يقوموا بواجبهم، وأن يكونوا من الذين وصفهم الله عز وجل بقوله: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا). فهؤلاء هم عباد الله أولو البأس الشديد الذين يبعثهم الله عز وجل لمواجهة الظالمين والانتقام من المعتدين. ثم بيّن الله عز وجل أن الظالمين إذا عادوا إلى الإفساد، فإن من يتصدى لهم مرة أخرى هم عباد الله أنفسهم، أولو البأس الشديد، فقال تعالى: (ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا).
وهنا نذكر كل من يقف في وجه هؤلاء الظلمة، ويشد من أزر أهل غزة، هم عباد الله المخلصين، الذين اختصهم بالبأس الشديد والتقوى واليقين، والذين وعدهم الله عز وجل بالنصر والتغيير وهم.
[1] الفقهاء والعلماء : ليتذكّروا سنة الله تعالى في العلم والعلماء، فيزهدوا في المناصب، ويبيّنوا للناس ما بيّنه الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويعملوا بما يقولون، ويخرجوا إلى الميدان، ليكونوا قدوةً للناس، ويدعوا الأمة إلى اتباع أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليخرج علماء [الإتحاد العالمى لعلماء المسلمين] والعلماء الربانيين وليذهبوا إلى غزة ومعهم المخلصون من الأمّة، فيقودوا الأمة بالعنل لا بالبيانات، وليكفّوا عن المقابلات التلفزيونية والتصريحات الهشّة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، ويبيّنوا للناس أن العمل هو الأساس، وأن الدعاء من دون عملٍ لا يُجدي ولا يُقيم الحق، قال تعالى (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ) (وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب) يبين الله عز وجل أنه بعد العمل والإعداد والجهادة بالمال والنفس والجاه يقف العبد بالدعاء ليوفقه وليقين المؤمن أن كل توفيق هو من عند الله وأن لا يتكل العبد إلى عمله بل يتكل على الله ليكون حيبه قال تعالى (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ).
أيها العلماء والفقهاء، لا تكونوا من الذين وصفهم الله عز وجل بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، ولا تكونوا من الذين حذّر منهم نبيُّكم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قال: (أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون).
[2] الملأ : وهم وجهاء القوم وكبراؤهم وأغنيائهم، وهم الذين يمتلكون الصفة التشغيلية لحركات الحياة المختلفة وأهمها الاقتصاد، وهؤلاء عليهم أن يكونوا من عباد الله أولى بأس شديد، يحبون الله عز وجل والجهاد في سبيله قال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ) وأن لا يخافوا إلا من الله عز وجل.
وبيّن الله عز وجل أن "الملأ" الذين يكذبون ويكفرون هم من أشد الناس عداوة للحق، لأنهم يشجعون الساسة على الظلم بأموالهم، ويرتكبون المعاصي، ويفتنون المؤمنين باستخدام نفوذهم وثرواتهم، ولهذا ذَكرهم الحق سبحانه في كتابه العزيز في عدد من المواضع، كلها جاءت في سياق الذم والإنكار، منها قوله تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۚ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ) (وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ).
ولذلك، فعلى الملأ من أمة سيّدنا محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يحذروا، وأن يقوموا بواجبهم، وأن يُنفقوا في سبيل الله، وألا يُلقوا بأنفسهم إلى التهلكة، كما أمرهم الله تعالى بقوله: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، فعلى الأغنياء وأصحاب النفوذ أن يسارعوا للإنفاق والنصرة، وألا يركنوا إلى الدنيا، فإن الركون تَهلُكة، والإنفاق نجاة، والله يحب المحسنين.
[3] الدعاة والمصلحون وقادة الجماعات الإسلامية والأحزاب: عليهم أن يتبيَّنوا سنة الله تعالى في العمل الصالح المُصلح، وأن يقرؤوا ويتدبّروا السنن الشرطية التي بيّنها الله عز وجل في كتابه الكريم، فيُسارعوا إلى تحرّي أخلص الأعمال وأصوبها في آنٍ واحد، ليكونوا من عباد الله أولي البأس الشديد. وليُبيّنوا للمؤمنين من هو العدو الذي يجب أن يُحارَب، وليُعينوا من يقف في وجهه بالمال والنفس والحضّ على القتال والدعم، فإن الجهاد لا يكون فقط بالسلاح، بل أيضًا بالكلمة والبيان والتوجيه والنصرة بكل الوسائل المشروعة.
[4] التربويون والمشرفون على المؤسسات التربوية: عليهم أن يتبيّنوا سنة الله تعالى في التغيير، كما قال عز وجل: (إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فيعملوا على ترسيخ قيم التزكية والتفكر، ومراجعة المعتقدات والعادات الموروثة، ويحرّروا الناشئة من قيود الآبائية والتقليد الأعمى، والصنمية الفكرية التي عطّلت العقول وجمّدت الهمم، ليكون جيل الأمة القادم أكثر وعيًا، وصلابة، واستعدادًا للنهضة ومواجهة التحديات.
[5] الملوك والرؤساء: عليهم أن يتبعوا قول الله عز وجل: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)
فيقيموا العدل ويصلحوا أحوال العباد والبلاد، ويبتعدوا عن مظاهر الفسق والفجور، وعن موالاة أعداء الأمة، وعن النفاق والشرك، وأن لا يكونوا عونًا للعدو في حصاره وعدوانه على أهل غزة، بل واجبهم أن يدعموهم بكل ما يستطيعون، ويقفوا إلى جانبهم قولًا وفعلًا، فإنّ المسؤولية عظيمة، والتاريخ لا يرحم، والله سائِلهم عنها يوم الدين.
[6] الشعوب : على الشعوب المسلمة أن تنهض بمسؤوليتها التاريخية والدينية، وألا ترهبها سطوة الحكام البغاة، بل تكون حذرة منهم، واعية لمكرهم، وألا تنساق خلف العلماء المضلين الذين يبررون الاستبداد ويخذّلون عن نصرة المظلوم، لقد أصبح الجهاد بالمال والنفس والحضّ على ذلك فرضًا لا يسقط عن أحد، وعلى الشعوب أن تخرج إلى الميادين والساحات، تعبّر عن غضبها، وتطالب بفتح طرق الإغاثة والدعم للمحاصرين في غزة، فالموقف بلغ من الخطورة ما يجعل كل تقاعس خيانة، كما يجب الحذر من فتنتين مهلكتين: فتنة العالم الفاجر الذي يبيع دينه للحكام، وفتنة العابد الجاهل الذي يزين للناس القعود عن نصرة المظلومين باسم الزهد وطاعة ولي الأمر الباغى، فطريق النجاة أن تكون الشعوب يقِظةً، متصلة بربها، قائمة بحقوق إخوتها، قائمة بالحق، لا تخشى في الله لومة لائم.
ملا حظة: لقد جاء هذا الخطاب بصيغة التعميم، لأنه رسالة موجَّهة إلى كل من ألقى السمع وهو شهيد، إلى من لا يزال في قلبه وعيٌ وإيمان، إلى من يتفكر ويتدبر ليكون من عباد الرحمن أولي البأس الشديد، الذين وصفهم الحق سبحانه بقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)، بل يخرّون سُجَّدًا وبُكِّيًا، ويقولون: آمَنَّا، ويعملون بمقتضى ما أمرهم به الله ليحققوا مراده وتكون خير أمة أخرجت للناس.
ولتسأل : [لماذا] وتبقى هذه الـ [لماذا] مفتوحة في وجه الأمة كلّها… وعلى أولي الألباب وأولي النهى أن يتأملوا هذا السؤال الكبير: لماذا خذلت الأمة الإسلامية إخوانها في غزة؟ لماذا تُركوا بلا سلاح ولا طعام ولا ماء ولا دواء؟ لماذا لم تُمدّ لهم يد العون لإعداد القوة كما أمر الله؟ لماذا تُركت فئة قليلة – يعرفها الجميع – تقاتل وحدها، مع فئة قليلة تموّلها، وتُسلّحها، بالقليل القليل، بينما الأكثرية تكتفي بالبيانات أو الصمت؟ لماذا انصاعت دولنا لقرارات ظالمة تمكّن العدو من التزود بأحدث الأسلحة الفتاكة، بينما يُمنع على أهل غزة حتى شحن دواء أو علبة حليب؟ وأين العلماء؟ لماذا سكتوا؟ لماذا اكتفوا بالاجتماعات والخطب دون عمل؟ أين الجهاد؟ أين الحثّ على الإنفاق؟ أين التبيين الصادق الذي لا يخشى في الله لومة لائم؟ أم أنهم – كما قالت الأمة المغيبة – يتكلمون ثم ينامون؟
والآن علينا أن نبين [لماذا] لأننا فى معظم الأحداث لا نسئل [لماذا حدث هذا] مع أن الله عز وجل أمرنا أن نسأل لماذا وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم علمنا نسأل لماذا ولذلك الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقولون [لماذا] ليعرفوا الخطأ ليتوبوا وليبتعدوا عنه ويعملوا الصالحات وهي الرجوع لأوامر الله وتحقيق مراده عز وجل، وهذا ما حدث في غزوة أحد عند الهزيمة [تسائل الصحابة لماذا نُهزَم ومعنا نبي الله ونحن المؤمنون] فكان الجواب من الله عز وجل [ليتعلم المؤمنون عند الأحداث التى يهزموا فيها أو يسلّط الله عزّ وجلّ عذابات] ما سببها قال تعالى (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فجاء الجواب [هو نتيجة أنكم ظلمتم أنفسكم بأعمال قمتم بها، وهي معصية الرسول، وأنكم فشلتم وتنازعتم وهربتم، فقتل منكم نفس العدد الذي قتل من الكفار في معركة بدر]، إذًا ما حدث لكم أنتم المتسببون فيه، وكذلك الحال اليوم، خذلان أهلنا في غزة، وعدم نصرتهم، هو أيضًا من أنفسنا. لأننا لم نأمر بالمعروف، ولم ننهَ عن المنكر، ولم نفضح الظالم، ولم نُبين للناس الحق من الباطل، ولم نحمل أمانة العلم، وسكتنا عن الاستبداد والفساد. سكت العلماء، وصمت المفكرون، وتبلّدت الشعوب، وضيّع كثير من الناس كتاب الله، وتبعوا علماء السلاطين، وغرقوا في الجهل، وسلّموا أمرهم للباطل. إنها الحقيقة التي بيّنها الله في كتابه العزيز: (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ) (ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ). فلو أردنا التغيير… فلا بد أن نبدأ من أنفسنا، نطهرها من الجبن، والخوف، والسكوت، والركون إلى الظالمين. ولا بد أن نعود إلى سؤال "لماذا؟" لنصل إلى "كيف نُصلح؟"..
فكل ما فيه الأمة هو من الانحراف الذى أصابها وخرجت عن منهج الله عز وجل،
إن كل ما تعانيه الأمة اليوم من ضعفٍ وذلٍ وخذلان، إنما هو نتيجة مباشرة لانحرافها عن منهج الله تعالى. وقد أصاب هذا الانحراف جذور الأمة، فابتعدت عن روح الوحي، واتبعت طريق التقليد الأعمى، والآبائية المقيتة، والصنمية الفكرية التي أغلقت باب الاجتهاد ووأدت العقل، وسلبت الإرادة، وجعلت من الأمة جسدًا بلا روح. لذلك على أولي الألباب وأصحاب العقول النيرة والسليمة في كل العالم أن تبحث في [لماذا].
لقد عطّل الناس فريضة [الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]، تلك الفريضة التي هي صمام أمان للأمة، ومصدر عزّها وسبيل نهضتها، فحلّت اللعنة كما حلت على من قبلنا، حين تركوا هذا الركن العظيم من الدين. قال تعالى (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ) (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) وفي الحديث الشريف، يحذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته من عاقبة هذا التقصير فيقول: (والَّذي نفسِي بيدِه، لتَأمُرنَّ بالمعروفِ، ولتَنهونَّ عَنِ المنكرِ، أو ليوشِكنَّ اللهُ أن يبعثَ عليكم عِقابًا منه، ثمَّ تدعونَه فلا يُستجابُ لكم) رواه الترمذيُّ. إن التراخي في هذه الفريضة هو ما مكّن الأئمة المضلين من قيادة الناس بغير هدى، وهو ما جعل العبّاد الجهلاء وقودًا للفتن، يزين لهم الشيطان السكوت على الظلم، ويستبدل العمل بالدعاء، والجهاد بالتصفيق، والحق بالرماد. ولهذا كله، يجب على أولي الألباب وأولي النهى – أصحاب العقول النيّرة والقلوب الواعية – أن يرفعوا راية السؤال المصيري:
"لماذا انحرفت الأمة؟" وأن يبدأوا رحلة التصحيح الجذري، وأن لا يهابوا في الله لومة لائم، وأن يكونوا من الذين قال الله فيهم: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ).
الخاتمة : إن ما يعيشه أهل غزة اليوم من حصار وقتل وتجويع ليس مأساة محلية، بل جريمة أممية في حق أمةٍ بأكملها، خذلت واجبها وسكتت عن الحق، وإن استمرار هذا الحال هو علامة على انحراف خطير في الوعي والإيمان والولاء، لقد آن الأوان أن تعود الأمة إلى ربها، لتسترد دورها، وأن تراجع سؤال: [لماذا؟] لتعرف مكمن الخلل، وتبدأ مسيرة التصحيح بالرجوع إلى كتابها الكريم الذى فيه الهدى للمتقين واليقين باليوم الآخر لتكون قال تعالى (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ولا تهجره لأنه يهدى للتى هي أقوم قال تعالى (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)، وإلى أوسوة نبيها سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال تعالى (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) و ترك الخلاف فيما بينها لتكون أمة واحدة قال تعالى (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) ولا تكون شيع وطوائف ومذاهب قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ).
فالأمانى والخطب والشجب والدعاء بلا عمل والإجتماعات والندوات والبيانات لا تعيد الحق ولا ترهب العدو، فـ"لا نامت أعين الجبناء" ليست مجرد مقولة، بل ميزان يُفرز به الصادقون من المدّعين، والمجاهدون من المتواكلين، والركع السجود من الراضين بالهوان، فهل من مستجيب؟.
النصيحة : إن ما يحدث لغزة هو فتنه للمؤمن ليعرف من قال أنه مؤمن هل هو صادق في إيمانه، أو كذاب قال تعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).
فإن لم يتفاعل مع أهل غزة ويساعدهم بالجهاد بماله ونفسه أو يحض على مساعدتهم فهو كاذب، وهو من الذين قالو آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم قال تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ)، أو من المؤمنين الخبثاء قال تعالى (مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ) وما حدث في غزه هو من هذا التمايز، أو المؤمنين المشركين الذين يخافون من الحاكم أكثر من خوفهم من الله قال تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ).
ومن تفاعل مع أهل غزة وجاهد بماله ونفسه وحض على مساعدتهم فهو صادق فى إيمانه ليرتقى إلى التقوى والإحسان قال تعالى (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
لذلك كل من تقاعص عن مساعدة أهل غزة عليه أن يتوب إلى الله ويعمل لمساعدتهم ولا يكتفي بالدعاء بل يعمل ويحض المؤمنين للعمل.
وهناك مراكز تسمى [لجنة الزكاة] في كل بلده وكل حي يمكن الإتصال بها، لإيصال المساعدات لها وهذه اللجان هي تدل المؤمنين الذى هم من عباد الرحمن وأولى بأس شديد كيف يوصلو المساعدات لغزة.
ملاحظة : الرجاء نشر أرقام الهواتف للجان الزكاة المتواجدة في غزة على قنوات التلفزيون أو التواصل الإجتماعى أو عن طريق اليوتيوب أو أي وسيله لتصل لكل مؤمن حق.