محطات إيمانية في طريق التربية

لماذا صلاة الفجر خيرٌ من النوم؟

أحس بنور الشمس يتسلل من نافذة غرفته التي تغطيها ستارة غليظة لكنها سمحت لأشعتها بالمرور؛ فقام من نومه فزعاً يقلب بصره هنا وهناك يبحث عن هاتفه المحمول الذي ينام معه في غرفته على مقربة من سريره ينظر في الوقت، نفض عن عينيه النوم وهو يقفز من على السرير محدثاً نفسه: سوف أتأخر عن عملي، وبسرعة قام يتجهز.

توضأ ووقف على سجادة الصلاة ليصلي ركعتين هما فريضة الصبح وهو متعجل، دون خشوع أو اطمئنان؛ حتى لا يتأخر عن عمله، فهو حريص جداً ألا يتأخر عنه!

هذه للأسف صورة تتكرر كثيراً يقع فيها البعض رجالاً ونساء، حيث تفوتهم صلاة الفجر تقصيراً منهم، أو ظناً أن وقتها لم يخرج بطلوع الشمس، فينامون عنها دون الأخذ بأسباب الاستيقاظ في وقتها، بينما يكون الحفاظ على مواعيد العمل والدراسة والرياضة والسفر موضع اهتمام كبير منهم فيحرصون على ألا يتأخروا عنه!

فضل صلاة الفجر (الصبح)

إن صلاة الفجر لها منزلة عظيمة، وإن المحافظة عليها تتطلب منا مجاهدة كبيرة للنفس حتى ننزعها من جاذبية الفراش ودفئه، وننفض عن أعيننا غبار النوم وثقله، فهي صلاة مشهودة، وقد قال الله تعالى في كتابه: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (الإسراء: 78)؛ أي: صلاة الفجر، وسميت قرآناً، لمشروعية إطالة القرآن فيها أطول من غيرها، ولفضل القراءة فيها حيث يشهدها الله عز وجل، وملائكة الليل وملائكة والنهار. (تفسير السعدي بتصرف).

ولبيان فضلها وعظم مكانتها، فإن السُّنة القبلية لها عظيمة أيضاً، قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» (رواه مسلم)، فإذا كان هذا فضل النافلة وعظيم ثوابها فما ظننا بالفريضة كيف يكون ثوابها وفضلها؟! ويُفهم من هذا أن من فاتته الفريضة فقد فاته أكثر من الدنيا وما فيها.

إنها فريضة مباركة تأتي معها البشائر والجوائز لكل من حافظ عليها وأداها كما يحب الله عز وجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله»؛ أي في أمانه وضمانته. (رواه مسلم)، وقال: «لن يَلِجَ النارَ أَحَدٌ صلى قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها»؛ يعني الفجر والعصر. (رواه مسلم)، وقال: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تُضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلَبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس، وصلاةٍ قبل غروب الشمس، فافعلوا» (رواه البخاري).

حتى تكون نشيطاً طيب النفس

إن من يضيع صلاة الفجر وينام عنها حتى يخرج وقتها يحتاج إلى مراجعة نفسه ومحاسبتها بشدة، وتدريبها على قوة الإرادة والصبر، فهل يليق بالمسلم أن يحافظ على مواعيد الرياضة (الجيم) ومواعيد الأصدقاء والدراسة والعمل والسفر وينشط لها ويحافظ عليها، بينما تضعف إرادته وتقل عزيمته عند صلاة الفجر؟!

ألم يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة وأن صلاة الفجر خير من النوم؟ ولأنها خير من النوم فإن الشيطان يحاول بكل طرقه أن يمنع المسلم من الاستيقاظ لها وإدراك وقتها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَعْقِدُ الشيطان على قافية رأس أحدكم -يعني مؤخرة الرأس- إذا هو نام ثلاث عُقَدٍ يضرب كل عقدة عَلَيْكَ ليل طويل، فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» (رواه البخاري).

وقد ذُكِرَ عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله حتى أصبح، فقال صلى الله عليه وسلم: «ذاك رجل بَالَ الشيطان في أذنيه» (رواه البخاري)، فالمراد: أن مَن نام عن الصلاة ولم يستيقظ حتى يصبح، تمكَّن الشيطان منه، وتحكَّمَ به، وساقَه بعيداً عن طريق الطاعة وسبيل الرشاد. (الدرر السنية).

صلاة الفجر خير من النوم

إن هذه العبارة لا تُذكر في الأذان إلا في النداء لصلاة الفجر، لأنه وقت يكون الناس فيه نياماً، فإذا سمعوا ذلك نشطوا واستيقظوا لها وفضّلوها على نومهم؛ لأنها خير من النوم.

ولِمَ لا تكون صلاة الفجر خيراً من النوم وهي نور لصاحبها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بشِّرِ المشَّائين في الظُّلم إلى المساجد بالنُّورِ التام يوم القيامة» (رواه ابن ماجة).

لِمَ لا تكون خيراً من النوم وهي دلالة على إيمان العبد وإخلاصه وبراءته من النفاق، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر» (رواه مسلم)، وهذا يدل على أن من يصليها فهو مؤمن صادق.

لِمَ لا تكون خيراً من النوم وهي سبب لدخول الجنة؟ فقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم من يحافظ عليها فقال: «مَن صَلَّى البَرْدَيْن دخل الجنة» (رواه البخاري)، و«البردين» هما الفجر والعصر؛ لأنهما يأتيان في وقت إبراد الجو، وخصَّهما بالذكر لأن الفجر يكون عند لذة النوم، والعصر يكون عند اشتغال الإنسان بعمله، وللتأكيد على فضلهما. (الدرر السنية).

لِمَ لا تكون خيراً من النوم والتبكير لها سبب للبركة سائر اليوم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لأمتي في بكورِها» (رواه الترمذي)؟

لمَ لا تكون خيراً من النوم وصاحبها يبدأ يومه بالذكر والطاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كانت الآخرةُ همَّه، جعل اللهُ غناه في قلبِه، وجمع له شملَه وأتتْه الدُّنيا وهي راغمةٌ» (رواه الترمذي)؟

لمَ لا تكون خيراً من النوم وصلاتها في جماعة تعدل قيام الليل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ومَن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة» (صحيح ابن خزيمة)؟

حتى نستيقظ لصلاة الفجر

حتى نستيقظ لصلاة الفجر، فإن علينا أن نأخذ بالأسباب التي تعيننا على ذلك، ومنها: الدعاء والاستعانة بالله، وعقد النية الصادقة والعزم على القيام لها، وعدم السهر المتسبب في النوم عنها، والحرص على النوم على طهارة وذكر، وضبط المنبه على وقت الصلاة، وتعاون الأسرة والأصدقاء على إيقاظ بعضهم بعضاً، مع ترك المعاصي والتوبة إلى الله.

وحتى نستمر في الحفاظ على صلاة الفجر، فلنعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يَعرُجُ الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون» (رواه البخاري).

فلنحافظ على صلاة الفجر، ونغتنم بركتها وشهود الملائكة لها، ونلهج بالدعاء لأنفسنا ولأمتنا في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة