لماذا يحدث الكسوف والخسوف؟


يطلق الكسوف على: ذهاب ضوء الشمس أو بعضه بسبب مرور القمر بينها وبين الأرض. ويطلق الخسوف على: ذهاب ضوء القمر أو بعضه بسبب وقوع الأرض بينه وبين الشمس.

هل الكسوف والخسوف غضب من الله على عباده؟

يظن بعض الناس أن الهدف من الكسوف والخسوف هو إظهار الغضب الإلهي على الناس، فيقولون: إن الكسوف والخسوف لا يقعان إلا غضبا من الله. والحقيقة أن الكسوف والخسوف ليسا من علامات غضب الله، لأنهما وقعا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل معنى هذا أن الله غضب على النبي والصحابة؟ حاشا وكلا.. ثم إن الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة لم تأت بهذا الكلام، وإنما بينت بعض الحكم من وقوع هذه الظواهر. ومن ذلك ما يأتي:




الكسوف والخسوف آيتان للدلالة على قدرة الله وعظمته.

أجرى الله سبحانه وتعالى الكون كله في نظام بديع ومسيرة لا تختل أبدا، قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) ‌لَا ‌الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: 37-40]. هذا النظام المحكم يألفه الناس ويصبح لديهم عادة لا تختلف، ولهذا يأتي الله سبحانه وتعالى ببعض الظواهر كالكسوف والخسوف، للدلالة على أن الله الذي أجرى الكون بهذا الإحكام قادر على تغييره وهدمه في أي وقت. فالكسوف والخسوف علامة على قدرة الله تعالى. ثم إن هذا الكون بما فيه من شمس وقمر وغيرها إنما هو ملك لله تعالى يتصرف فيه كيف يشاء، وعلى الناس أن يعلموا ذلك ويعتبروا به، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ‌وَالشَّمْسَ ‌وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل: 12]، وقال عز وجل: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ‌وَالشَّمْسُ ‌وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فصلت: 37].

الكسوف والخسوف إنذار من الله لتخويف عباده.

إنهما إنذار من الله تعالى، يخوف بهما عباده، حتى يقلع عن المعصية من يفعلها، قال تعالى: ﴿‌وَمَا ‌نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: 59]. فالكسوف والخسوف من علامات يوم القيامة، حيث قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) ‌وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ﴾ [القيامة: 7-10]. فالكسوف والخسوف آيتان من آيات الله، يقعان تخويفا من الله تعالى لعباده، وإنذارا لهم حتى يعودوا إلى ربهم ويعتبروا بآياته وموعظته.

الكسوف والخسوف وسيلتان للحث على التوبة والرجوع إلى الله.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ ‌أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا، يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ، وَقَالَ: هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ، لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ ‌فَإِذَا ‌رَأَيْتُمْ ‌شَيْئًا ‌مِنْ ‌ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ». ففي الحديث بيان لما يجب على المسلمين عند وقوع الكسوف أو الخسوف، وهو الاعتبار بقدرة الخالق سبحانه وتعالى، والخشية من وقوع القيامة، والفزع إلى التوبة والرجوع إلى الله.

واجبات عند وقوع الكسوف والخسوف.

يفزع بعض الناس عند وقوع الكسوف والخسوف إلى ما ورثوه من خرافات لا أصل لها، وهي تختلف بحسب ما ورثه الناس من الأقدمين. إلا أن المسلم حين يقع ذلك لا يرجع إلا إلى كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فيستمد منهما المنهاج العملي والسلوك الإسلامي الذي يقوم به. ومن الأعمال التي يجب القيام بها عند وقوع الكسوف أو الخسوف ما يأتي:

1-صلاة الكسوف والخسوف. حيث يجتمع الناس لأداء الصلاة، وهي ركعتان، في كل ركعة ركوعان وسجودان.

2-تصحيح المعتقدات الفاسدة. فحين وقع الكسوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل إن الشمس كسفت لموت إبراهيم، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أعلن بطلان ذلك القول، ففي صحيح البخاري ومسلم عَنْ ‌قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ‌أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ ‌لِمَوْتِ ‌أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا».

3-الدعاء والذكر والاستغفار. ففي صحيح البخاري ومسلم عَنْ ‌أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقع الكسوف صلّى، وَقَالَ: «هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ، لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ ‌فَإِذَا ‌رَأَيْتُمْ ‌شَيْئًا ‌مِنْ ‌ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ».

4-الصدقة والإحسان إلى الفقراء. فهذا مظهر من مظاهر العبادة، والتخلي عن الدنيا، والاستجابة لموعظة الآخرة. ولهذا كان مما يفعله الصحابة إذا وقع الكسوف أن يبادروا إلى عتق الرقاب. ففي صحيح البخاري عَنْ ‌أَسْمَاءَ رضي الله عنها قَالَتْ: «لَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‌بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ». وعنها أيضا قالت: «كُنَّا نُؤْمَرُ عِنْدَ الْخُسُوفِ ‌بِالْعَتَاقَةِ».


الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة