لماذا يريد نتنياهو حماية الأقلية الدرزية في سورية؟!

لم يخف رئيس
الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو اهتمامه أو إعلان حمايته للأقليات في المنطقة
العربية، وعلى رأسها الأقلية الدرزية في سورية، فقد أكد غير مرة أن الجيش «الإسرائيلي»
لن يتسامح مع أي تهديد لهذه الأقلية.
في 23 فبراير
الماضي، أكد نتنياهو، في كلمة مصورة له، أن الجيش «الإسرائيلي» سيبقى في منطقة جبل
الشيخ والمنطقة العازلة بسورية وبعض المواقع في الأراضي اللبنانية، فضلاً عن أنه
لم يكتف بذلك، ولكن طالب بنزع السلاح بشكل كامل في جنوب سورية مهددًا بعدم تسامح
الكيان الصهيوني مع أي تهديد للطائفة الدرزية، تحديدًا.
تصريحات
نتنياهو
أبرزت وسائل
الإعلام العبرية تصريحات نتنياهو، وصدرَّتها لعناوينها الرئيسة، ما بين صحف ومواقع
إلكترونية وكذلك كل وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرة أن تصريحه بعدم تسامح الكيان
الصهيوني مع أي تهديد للطائفة الدرزية هو الأبرز ضمن كلمته المهمة.
الواضح أن
تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني التي جاءت خلال حفل لتخريج دفعة جديدة من الضباط
الاحتياط بالجيش، وقال فيها: إن «على القوات الإرهابية التابعة لأحمد الشرع إخلاء
كافة عناصرها من الشريط الحدودي الجنوب غربي بمناطق (السويداء - درعا - القنيطرة)،
وأن الجيش «الإسرائيلي» لن يترك منطقة جبل حرمون (جبل الشيخ)»؛ قد جاءت بزعم
الحفاظ على الأمن القومي الصهيوني، رغم أن الجانب السوري كان أكثر الحدود الآمنة
للكيان منذ أكثر من 50 عاماً مضت، ولم تخرج طلقة رصاص واحدة من الأراضي السورية
تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة طيلة هذه العقود.
«إسرائيل» تعلن الحرب على سورية بعد نجاح ثورتها
جولة
في المثلث الحدودي السوري اللبناني الفلسطيني المحتل
والغريب أنه
تعليقًا على هذا الأمر، تجول دورون قادوش، المراسل العسكري لـ«إذاعة الجيش
الإسرائيلي»، قبل عدة أيام، في منطقة المثلث الحدودي السوري اللبناني الفلسطيني
المحتل، ووصل إلى مناطق لم تطأها أقدام أي إعلامي صهيوني منذ حرب السادس من أكتوبر
1973م، أوضح خلالها أن «التهديد الأمني الذي تشكله سورية لا يزال يشكل لغزاً فيما يحاول الجيش «الإسرائيلي» فهم ما
يحدث هناك»؛ لكنه في الوقت نفسه أكد أن الجيش الصهيوني يخطط في العام 2025م
لمواصلة الاحتفاظ بقوة عسكرية كبيرة داخل الأراضي السورية، حيث تتمثل تلك القوة
العسكرية في الوقت الراهن بـ3 ألوية تعمل داخل سورية، بمعنى أن الفرصة باتت مواتية
للكيان الصهيوني أن يخترق كامل الأراضي السورية، خطوة تلو الأخرى، استنادًا إلى «اللغز»
الذي كشف عنه دورون قادوش في تحليله للوضع في سورية!
ولم يكتف الصحفي
«الإسرائيلي» بذلك، بل أضاف في تغريدة له على حسابه الرسمي على «إكس»، أنه لا يوجد
تاريخ نهائي لاستمرار الاحتفاظ «الإسرائيلي» بالمنطقة الأمنية السورية، ولكن حتى
إشعار آخر، فضلا عن وبهدوء، دشنت «إسرائيل» منطقة أمنية داخل الأراضي السورية،
وهناك بالفعل 9 مواقع عسكرية في مراحل بناء متقدمة في تلك المنطقة الأمنية، اثنان
منها في جبل الشيخ السوري، و7 أخرى في المنطقة العازلة وما وراءها؛ وهو ما
يعرَِفنا بالنية الصهيونية المبيَّتة التي تقضي ببقاء الجيش «الإسرائيلي» داخل
الأراضي السورية، والتوغل والانتشار فيها بقوة، ما يحقق بدوره مكاسب جيوستراتيجية
بحكم تحكمه في منطقة جغرافية تتحكم في السيطرة على لبنان وسورية معًا.
«دروز
جرمانا» واستغلال نتنياهو
ومن هنا، كان
طبيعيًا أن نتعرف بسهولة على مدى الاهتمام الصهيوني بالدروز، الذي ظهر أكثر
للعيان، حينما هدد وزير الحرب الصهيوني يسرائيل كاتس، ومعه نتنياهو في الأول من مارس
الجاري، السوريين، بوجوب حماية الأقلية الدرزية؛ داعيًا الجيش «الإسرائيلي»
بالتجهيز لحماية مدينة «جرمانا» السورية في جنوب دمشق، ذات الأغلبية الدرزية؛ ما
أثار ردود فعل واسعة ضد هذا التهديد العلني، خاصة أن «تل أبيب» أعلنت أنها لن تسمح
للنظام الجديد في سورية بإيذاء الدروز في ريف دمشق وفي حال أذاهم ستؤذيه «إسرائيل»،
وهو ما صرح به نتنياهو أيضًا.
تهديد رئيس
الوزراء الصهيوني جاء على خلفية مقتل مواطن سوري درزي وإصابة 9 آخرين بجروح، جراء
اشتباكات بين عناصر أمن تابعين للسلطة السورية الجديدة ومسلحين محليين من الدروز
في ضاحية جرمانا قرب العاصمة دمشق، أطلقوا على أنفسهم «درع جرمانا»؛ حيث شدد
نتنياهو على أن بلاده مستعدة للتدخل عسكرياً وبصورة فورية لحماية «دروز جرمانا».
والثابت أن هذا
التهديد يأتي لاشتغال الحكومات الصهيونية المتعاقبة على زرع الفتنة بين مكونات
الشعب الواحد، وتأجيج النزاعات الطائفية والعشائرية بين أركانه، وتفكيك البنى
الاجتماعية والاقتصادي لهذا الشعب؛ فقد كان هناك تصريح لوزير الخارجية «الإسرائيلي»
جدعون ساعر، قبل توليه مهام منصبه العام الماضي، يقضي بأنه، شخصيًا، كانت له
علاقات وصداقات مع بعض الأقليات العربية، وعلى رأسها الدرزية في سورية، وهو ما
نقلته عنه القناة العبرية «124 news» في تقرير
مطوَّل لها.
فيما يسعى
نتنياهو، في المرحلة الراهنة، إلى استمالة الأقلية الدرزية في سورية، محاولاً فرض
الحماية الأمنية عليهم بالرغم من رفضهم البات والمعلن لهذه الوصاية الصهيونية
الزائفة، فقد رأينا احتشاد الآلاف من أبناء محافظتي درعا والسويداء ذات الأغلبية
الدرزية، في ساحة 18 آذار بمدينة درعا، وساحة الكرامة بمدينة السويداء، قبل أيام،
للتشديد على رفضهم التام لتصريحات نتنياهو، بعدما رأوا أن الغاية من هذه التصريحات
زرع الفتنة بين أبناء الشعب السوري، وشق الصف بين أبناء الوطن الواحد.
ولا ننسى فور
سقوط نظام بشار الأسد، في 8 ديسمبر الماضي، زعم صحيفة «معاريف» العبرية أن زعماء
الطائفة الدرزية في جنوب سورية طلبهم مساعدة الكيان الصهيوني في أعقاب الأحداث
التي وقعت في البلاد، بل والتدخل العاجل، وهو ما نقلته الصحيفة عن الجنرال عوزي
دايان، الذي شغل عدة مناصب عسكرية، أهمها رئيس الأركان ورئاسة مجلس الأمن القومي
الصهيوني؛ فيما يبدو أن الهدف من نشر هذا الخبر نشر الفتنة بين الشعب السوري،
ومحاولة شق صف الحلف السوري الإيراني، خاصة وأن الصحيفة العبرية قد لفتت إلى قول: «الإيرانيون
وأنصارهم يهاجموننا ويخنقوننا اقتصادياً من الشمال والغرب»، وذلك على لسان ما
ادعته الصحيفة بـ«زعماء الطائفة الدرزية».
ولم يقف خبر
الصحيفة العبرية عند هذا الحد، بل دعا الجنرال عوزي دايان -وهو ابن شقيق موشيه
دايان، وزير الدفاع الصهيوني السابق، كما أن عوزي مهندس خطة «الجنرالات» الخاصة
بتقسيم غزة وتهجير سكان شمال القطاع- إلى الطلب من حكومة نتنياهو بتقديم المساعدة
اللازمة للدروز في جنوب سورية على الفور، من خلال إمدادهم بالأسلحة والمساعدات
الاقتصادية، أو «تقديم المساعدة بعدة طرق»، وهو مصطلح مفتوح ويحمل أكثر من معنى،
لكن الغرض منه هو وضع أسفين بين مكونات الشعب السوري، ومحاولة تفكيك ما تبقى من
الحلف السوري الإيراني.
كيف يمكن للثورة السورية أن تعيد تشكيل الشرق الأوسط؟
مكاسب
جيوسياسية وأدوات للحركة الصهيونية
فيما جاء سقوط نظام الأسد ليحقق مكاسب جيوسياسية وأدوات للحركة الصهيونية، كفكرة يمكن تحقيقها
تتمثل في تفكيك الأراضي السورية، وجعلها لقمة سائغة بيد الكيان الصهيوني، باعتبار سورية
إحدى القوى الرئيسة في منطقة الشرق الأوسط، وما تصريح نتنياهو بتغيير منطقة الشرق
الأوسط إلا غيض من فيض.