قد سمع (1)
لو كنتَ رجلاً طلقني.. خطورة طلب الطلاق في الغضب وأسرار عودة البيوت!
يلاحظ المتابعون لأحوال المجتمعات
الإسلامية والمهتمون بالأسرة المسلمة أن معدلات الطلاق في الأسر المسلمة تزداد
بشكل مطرد، وأن كثيراً من العقبات والمشكلات تكتنف عملية تكوين البيت المسلم في
مراحل ما قبل العقد ومراحل ما قبل الزفاف، ثم مراحل ما بعد الزفاف واكتمال الأسرة
بالأولاد، وهذا يدعو إلى تحرك نذير الخطر لمحاولة تصحيح هذه الأوضاع قبل أن يتفاقم
الأمر ويصبح متعذر الإصلاح.
لذا، فنحن نتقدم بما لدينا من خبرة على
مدى عقود لحل المشكلات الأسرية بالكتاب والسُّنة، وبعد أن وفقنا الله في هذا الأمر
في كثير من الحالات، نقدم خبرتنا بلسماً فيه كبسولة الحل لكثير من هذه المشكلات.
وسيتوالى الحديث عن ذلك في سلسلة «قد سمع»،
نتكلم فيها عن تلكم المشكلات، وكمثال منها بعض المشكلات التي أدت إلى الطلاق
ومعاناة الأطفال والأهل والمجتمع، وكان سبب ذلك طلاق إخوة وأخوات، وعند معرفتنا
وقتها بالسبب دمعت العين؛ لأن الحل كان جداً سهلاً وبسيطاً، ومن كتاب الله العظيم،
وكيف لو أن كلاً من الزوجين كان قد تحرك بآية أو حديث فيه حل للمشكلة وطبق متطلبات
الآية أو الحديث لتجنبا المشكلات من أساسها.
ولكن، للأسف، فإن الإنسان أحياناً يحصر
نفسه في مجرد التلاوة وأحياناً التدبر، ولكن بدون معرفة كيفية التحرك والعمل
والتطبيق، فتصبح تصرفاته في منأى عن دينه.
1- معنى الرجولة:
كنت على موعد لزيارة أخت لنا، ولكن عندما
ذهبت كان المنزل متوتراً جداً، بعد فترة انفجرت أختنا في البكاء؛ فقد طلقها زوجها
للتو، وطلبت مني مساعدتها لترتيب حقيبتها وتوصيلها إلى أهلها.
انعقد لساني وأردت أن أسعى ليحتضن القرآن
هذه الأسرة برحمته وشفائه لما في القلوب التي أصابها ران من فتن الدنيا، وتصويب
وجهتهم لتكون على المحجة البيضاء.
طلبت منها الهدوء، وأردت أن أسمع منها ما
حدث لوضع القصة تحت المجهر، ولنجد مجرى تسير فيه الآيات والأحاديث بيسر وسهولة.
قالت: حدثت بيني وبينه مشادة؛ فطلبت منه
الطلاق؛ لأنه لا يفهمني! قلت لها: لنقف قليلاً عند هذه الجزئية وعرضها على الدين؛ فنرى
انتهاكاً واضحاً لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اعتدلت في جلستها ونظرت لي في ذهول: فأين
فيروس المعصية؟
قلت لها متجاهلة نظراتها: ألم تسمعي أبداً
تحذير النبي صلى الله عليه وسلم للنساء، حيث قال: «أيُّما امرأةٍ سألَتْ زوجَها
طلاقَها في غيرِ ما بَأْسٍ؛ فحرامٌ عليها رائِحَةُ الجنةِ» (الموسوعة الحديثية، عن
ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، المحدث: الألباني، المصدر: هداية
الرواة، 3215).
فهل كل رجال الدنيا يساوون هذا العقاب يا
أختي ألا تشمي رائحة الجنة؟! فمثلاً لو أمرك زوجك بترك فرض من فروض الله غير
المختلف عليها ممكن أن تصري في طلب الانفصال، أما الأمور العادية الطبيعية في كل
بيت يوم ملح ويوم سكر فهذه الأمور تحتاج إلى صبر وترويض النفس على بعض عيوب الزوج
كما يصبر هو على عيوب الزوجة.
قالت: أول مرة أسمع هذا الحديث، وفعلاً
على أتفه الأمور أطلب منه طلاقي، ولكن في مشاجرة اليوم صممت على ذلك وقلت له: لو
كنت رجلاً طلقني! عندها نطق بها.
قلت لها: للأسف، من أول مرة طلبت منه
طلاقك فقَدَ زوجك الثقة في قدرتك على الاستمرار معه، وبدأ يفكر في هذه الكلمة
وأنها ممكنة وقريبة وليست بعيدة.
لذلك، كل زوجة عليها ألا تنطق أبدًا بذلك،
ولا تطلبه إلا في حضور حكم من أهله وحكم من أهلها، وليس بشكل منفرد مع زوجها.
قالت، وهي تضع وجهها بين كفيها: اللهم اغفر
لي، وددت لو رجع الزمن ساعات قليلة ورأيت هذا الحديث ينهاني ما كان ذلك يحدث مطلقاً.
قلت لها: بالفعل، هذا هو الفرق بين وجود
القرآن في حياتنا حركة وتطبيقاً، ووجوده مجرد ترديد.
أما بالنسبة للرجل فنقول له: لو كنت
رجلًا حقًا ما طلقت بشكل فردي مع زوجتك، نسمع أغلب الرجال يقولون: لقد استفزتني
زوجتي فطلقت، وهي حجة تثبت أنه ليس بالرجل الشديد؛ لأن الشديد ليس بالصرعة، وكما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما
الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ» (رواه أبو هريرة، صحيح البخاري 6114).
فهو عندما تزوج ذهب لخطبة زوجته ومعه
أهله واتفقوا مع أهلها حتى تمت الخطوبة، ثم العقد مع ترتيبات الفرح وإعداد عش
الزوجية، كل هذا أخذ وقتاً وجهدًا ومالًا، فلو حدث ما قد يؤدي للفراق فينبغي ألا
يتم بشكل منفرد مع الزوجة، بل أيضاً يأتي من أهله وأهلها من يحاول الصلح ويشهد على
الطلاق إن كان هو الحل الوحيد أمامهم؛ (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ
وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) (النساء: 35).
فإن كان رجلًا بحق واستفزته زوجته،
فالمنتظر منه أن يقول لها: تمام يا بنت الحلال، فسأطلب حكماً من أهلي واطلبي حكماً
من أهلك يفصلان بيننا، إن أردت الخير والصلح بمشيئة الله ووفق حكمه وشريعته.
والأمر الآخر؛ أنه لو طلقها لا يخرجها من
بيتها ولا يسمح لها بالخروج، فهي ما زالت زوجته يرثها وترثه، وعليه أن ينفق عليها
في هذه الفترة نفقة كاملة، وهي في بيته تتزين ويحاول كلا منهما الصلح من جهته من
أجل عدم خراب بيتهم.
يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ
رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن
يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ
بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا) (الطلاق: 1).
فهل للرجل المسلم بعد تلك الآيات أن
يتجرأ على الله ويخالف، بل إننا نجد بعضهم يقول لزوجته بعد طلاقها وهي في عدتها:
لو عندك كرامه ارجعي لأهلك!
عليه أن يعلم أن كرامتها في طاعة ربها
وما أطاعته هو يوماً إلا بأمر الله، وفي المقابل تبادر بعض الزوجات على مخالفة
أوامر اللَّه في هذا الشأن، فنجدها تسارع بغضب في مغادرة منزل الزوجية وهي في
عدتها.
ألا يخشى هؤلاء حسابهم عند ربهم وقد
خالفوا أوامره، وتسببوا في تعاسة أولادهم وتشويه حالتهم النفسية لآخر عمرهم.
الموضوع ليس بالهزل، ولكنه خطير جداً
وفيه حساب وعقاب، ومن خلال تجاربنا وجدنا أن أكثر من 90% من الحالات التي مكثت
المرأة في بيتها فترة عدتها ترجع المرأة لزوجها، أما مع اتباع الهوى فأكثر النساء
اللائي يخرجن من بيوتهن لا يرجعن إلا قليلًا.
نسمع الرجل والمرأة يتم طلاقهما بغير
اتباع الأصول الإسلامية وأوامر الله ورسوله، ثم يقول كل منهما: سيجعل الله لي
مخرجًا ويرزقني من حيث لا أحتسب ويكفيني همي!
إن كل هذه العطايا الربانية لمن يتقي
الله ويتبع أوامره، أما من اتبع ما وجد عليه الناس وما يراه في الأفلام والمسلسلات
فلا يلوم إلا نفسه، ولا تلوم إلا نفسها، فتعويض الله لهما ينطلق أساساً من التقوى
التي هي الطاعة والخوف من الله.
ولو رجع الزمن ساعات قليلة وكان الرجل
بمعنى الكلمة رجلًا ما طلق بهذه الكيفية، ولكان قد أخذ وقته وسار في الخطوات
الصحيحة التي فيها رضا الله تعالى.
دخل طفل من أطفال المرأة ووجهه أصفر
شاحب، غالبًا بسبب ما سمع وما شاهد وبسبب حسرته على ما حصل عليه الشيطان من مكافأة
لتفريقه بين أبيه وأمه، نظرت للطفل ورأيت كمية الانكسار قد تراكمت عليه.
طفل على حافة التيتم وأبواه على قيد
الحياة.
هذا نموذج يتكرر في بيوتنا كثيرًا، وفيه
الحل الواضح الصريح المبين في ديننا لمن التزم ولاذ به.