مؤتمر قيادة المدارس وتحديات تعليم «جيل الألفية»

همام الطوالبة

01 أكتوبر 2025

85

في الثامن والتاسع من سبتمبر 2025م، وتحت شعار «قيادة المدارس عبر تلاقي الأجيال»، اجتمع في العاصمة الأردنية عمّان أكثر من 500 معلم ومعلمة وقائد مدرسة للمشاركة في منتدى التطوير المهني المستمر للمعلمات والمعلّمين.

ومؤتمر قادة المدارس من الفعاليات الرئيسة التي ينظمها المجلس الثقافي البريطاني لشبكة المدارس الشريكة؛ بهدف محاولة معالجة أحد أبرز تحديات قطاع التعليم في العالم اليوم، ألا وهو إعداد «جيل زد» و«جيل ألفا» للمستقبل.

يقدر التربويون أن «جيل زد» هو الجيل الذي تمتد سنة ولادته بين عامي 1996-2010م، أما «جيل ألفا» فهو الجيل الذي تمتد سنة ولادته بين عامي 2011-2025م، ويطلقون على كل منهما اسم «جيل الألفية»، وذلك تمييزاً لهم عن كل الأجيال التي سبقتهم، وذلك أن هذين الجيلين تعاملا مع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بصورة مباشرة وشخصية من أول سنوات الوعي والإدراك غالباً، وتميز «جيل ألفا» عن «جيل زد» بأنه تعامل بشكل شخصي ومباشر مع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الحديث من أول سنوات الطفولة، وذلك إذا قدرنا أن عام 2005م كان بداية دخول هذه الوسائل التكنولوجية إلى الفضاء العام.

لم يكن الإنترنت وما تبعه من منتجات في عالم التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي مجرد حدث عادي في تاريخ البشرية، ولكنه كان نقطة تحول رئيسة، تركت آثارَها في الأجيال المختلفة، وجعلت لكل جيل فيها سمات خاصة بناء على تفاعله مع تلك التكنولوجيا، وقد تأثرت القطاعات المختلفة بهذا التأثير في الأجيال، ومن أهم هذه القطاعات كان قطاع التعليم، الذي يواجه اليوم تحديات جمة بسبب ذلك.

ففي عصر الإنترنت والعولمة والقرية العالمية الصغيرة والسيولة المعرفية والذكاء الاصطناعي، يجد المعلم نفسه أمام جيل مختلف في طبيعة تلقِّيه للمعرفة، وفي طبيعة تعبيره عنها.

الذكاء الاصطناعي

«جيل الألفية» اليوم له سمات تكاد تكون واحدة في العالم كله، فهو يعتمد على ذاته كثيراً في تحصيل المعرفة، خاصة عن طريق محرك البحث «google» وأشباهه من الموسوعات الإلكترونية وإجابات الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الذكية.. وغيرها.

في نظر هذا الجيل الحصول على المعلومة سهل وسريع، والخيارات المتاحة كثيرة؛ مرئية ومسموعة ومقروءة وتفاعلية، لذلك قلل هذا الجيل من الاعتماد على المعلم أو الشيخ أو الموجه التربوي كما كان عند الأجيال السابقة، وضعُفتْ عنده السلطة المعرفية، وما ينتج عنها من تقديس للأشخاص والأفكار والمذاهب.

وهو مع هذه السيولة المعرفية والوفرة قليلُ الصبر كثيرُ الملل، لا جَلَد عنده على تفهم الأفكار ولا على معاناة تأملها، تعجبه مقاطع «الريلز» السريعة ويَتطبَّع بأخلاقها، وإذا لم تعجبه بداية المقطع حرَّك إبهامه راحلاً عنه، مهما كانت قيمة الجهد العلمي والتقني فيه.

«جيل الألفية» عجول في كل شيء، ولا يفهم معنى قول العرب: «في العجلة الندامة وفي التأني السلامة»؛ لأن الذكاء الاصطناعي والتصحيح التلقائي قادر على معالجة أخطائه وتصحيح آثار سرعته.

«جيل الألفية» منجذب إلى التكنولوجيا غارق في لذة رغباته؛ لأن الذكاء الاصطناعي يحلل طريقة تفكيره عن طريق تحليل كل حركاته الإلكترونية؛ ما الذي يجذبه ويتوقف عنده ويعيده أكثر من مرة، وما الذي يتجاوزه ولا يحظى بإعجاباته ومتابعاته، ثم يقدم له كل ما يبقيه منجذباً إلى صفحات الإنترنت، مهما طال ذلك الجذب.

تحديات تربوية

كيف للمعلم الذي لا ينتمي لهذا الجيل أن يقوم بدوره في التعليم؟ وكيف له أن يتغلب على تلك التحديات ويحقق تلك النتاجات التعليمية والتربوية؟ ما الطرق والوسائل والأدوات التي عليه أن يفعلها ليحافظ على دور المعلم وتركيز المتعلم؟ أحسب أن الأمر يحتاج إلى كثير من الابتكار والإبداع، لتجسير تلك المسافات وملء تلك الفراغات، ليحصل تلاقي الأجيال المطلوب في الغرفة التعليمية، ومما يمكن أن نقترحه في هذا المضمار ما يلي:

أولاً: لا بد من تطوير مهارات هذا الجيل في مجال التقنية بشكل مستمر، ليواكب هذا التطور الهائل في الحقل الرقمي، ويتعاون بفاعلية مع أدواته ووسائله العالمية.

ثانياً: لا بد من تطوير مهارات «جيل الألفية» في فنون التفكير الناقد الذي لا يخضع لسلطة الجديد والقديم والقوة والضعف وغيرها من السلطات والمغالطات، وذلك لتمكينه من التعامل مع سيل البيانات الهائل الذي تضعه التقنية بين يديه، وليستطيع تمييز المعلومات القيمة والموثوقة من غيرها.

ثالثاً: على المؤسسات التعليمية والتربوية واجب تبني منصات رقمية تضم في ثناياها مناهج تربوية تفاعلية مدمجة بالألعاب ومدعومة بالذكاء الاصطناعي، تلبي حاجة وشغف جيل الألفية ومستقبله المتغير.

رابعاً: على البيئات التعليمية والتربوية أن تراعي القيم النفسية والإنسانية والاجتماعية حتى تعوض نقص تلك التكنولوجيا، ولا تساهم في ترسيخ هشاشة نفسية عند جيل يخدشه ما يخدش تلك الشاشات الرقيقة التي يتعامل معها.

إن هدف كل الأساليب التعليمية والتربوية في التاريخ أن يَعبر المعلم من عقله وحاجته إلى عقل الطالب وحاجته، ليفهمه ويحسن تعليمه، هذا الأمر ليس سهلاً اليوم، ولذلك نحتاج إلى مزيد من التحليل والبحث والتجربة وتبادل الخبرة.



اقرأ أيضاً:

التعليم عن بُعد.. تجربة الأردن

التعليم في العالم العربي.. رؤية استشرافية

الذكاء الاصطناعي في مناهج التعليم.. تفوق معرفي أم كسل عقلي؟

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة