ماذا لو تحررت فلسطين؟!

في عشية وضحاها؛ تغلبت مصر على براثن الاحتلال الصهيوني، وتحررت الجزائر من قبضة الاستعمار الفرنسي، وتغلبت الهند على الاحتلال البريطاني، وسقط جدار برلين، وشيّدت الحرية في أوروبا الشرقية، وتحولت جنوب أفريقيا من سجنٍ عنصري إلى ديمقراطية ناضجة.

لم يكن أحد ليتوقع تلك اللحظات، لكنها حدثت، فهل من المستحيل أن تُكتب لحظة كهذه لفلسطين؟ أن يستيقظ العالم ذات يوم ليجد فلسطين حرة، بلا حواجز، بلا قصف، بلا مجاعة، بلا اعتقال، بلا محرقة، بلا احتلال، بلا تهويد؟ ماذا لو رفع الأذان بلا خوف، وتسابق أطفال غزة بدراجاتهم في شوارع يافا، وزارت الفتيات بحر حيفا لأول مرة، واحتفل المسلمون بعيدهم في ساحة القدس، وأصبحت الرواية الفلسطينية تُدرس في جامعات العالم بلا تحريف، ماذا لو تحررت فلسطين؟

الناحية الدينية.. ماذا لو تحررت فلسطين؟

تحرر فلسطين يعني تحرر المسجد الأقصى؛ أولى القبلتين ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم، أحد أعظم المقدسات الدينية في العالم، هذا المسجد الذي يضاعف الله سبحانه وتعالى أجر من صلى فيه، فعن عبدالله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلاة في بيت المقدس خير من ألف صلاة فيما حواله إلا في المسجد الحرام ومسجدي هذا»، وهناك أحاديث عدة أكدت فضل المسجد الأقصى، وفضل الصلاة فيه.

لو تحررت فلسطين لهرول المسلمون بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى؛ شوقًا، وإيمانًا، وتلبية، ومضاعفة للأجر والحسنات.

لو تحررت فلسطين لأعيد الحق إلى أهله، ولقطع دابر الفساد في أرض الأنبياء المباركة، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء: 1).

لو تحررت فلسطين لحُررت جميع بلاد المسلمين من كل ظلم وطغيان، ولعادت وحدة الصف، وقوة الإيمان، ولعاد حكم العالم إلى قبضة المسلمين كما كان.

الناحية السياسية.. ماذا لو تحررت فلسطين؟

إن تحرير فلسطين يعني نهوض الإرادة العربية من تحت ركام التشتت والتجزئة، وتحرير القرار الفلسطيني من التبعية، واستعادة هيبة الأمة مرة أخرى، وانكشاف زيف الاحتلال أمام المحافل الدولية، واستعادة تشكيل الخارطة السياسية للعالم بأكمله، وسيصبح الشرق الأوسط مركز ثقل دولي بعد أن يتم إعادة التوازن الإقليمي لصالح العرب والمسلمين.

أما الخطاب السياسي العربي، فسيكتسب وزنًا أكبر في المحافل الدولية، وسيتراجع الدور الأمريكي الوسيط المنفرد في ملفات الشرق الأوسط، وستُجبر قوى كبرى على مراجعة تحالفاتها مع الكيان الصهيوني.

الناحية الاقتصادية.. ماذا لو تحررت فلسطين؟

ستتكاتف الدول الإسلامية لإعادة البناء، وسيُفتح المجال أمام استثمارات عربية ودولية، وستتحول فلسطين إلى مركز اقتصادي نتيجة موقعها الجغرافي المتميز، وأرضها الزراعية الخصبة التي أنبتت برتقال يافا وزيتون القدس، إضافة إلى احتياطها من الغاز الطبيعي الذي لم يستغل بسبب الحصار، وستعقد اتفاقيات التجارة بعيدًا عن قيود الاحتلال، وتدخل الولايات المتحدة، وسيعاد ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإقليمي، وستعود الكفاءات الفلسطينية من الخارج لدعم اقتصادها المحلي.

أما السياحة الدينية، فستجلب لفلسطين المليارات إذا استقرت الأوضاع، وفتحت الأجواء والمعابر، وستتحول مناطق النزاع إلى مناطق جذب اقتصادي، والعرب سيمنحون فرصة لبناء نموذج اقتصادي متكامل في قلب المنطقة، إذا ما توافرت لديهم حوكمة جيدة، واستقرار أمني وسياسي.

الناحية الاجتماعية.. ماذا لو تحررت فلسطين؟

سيتمكن آلاف الفلسطينيين اللاجئين الموزعين في شتى دول العالم من الرجوع إلى ديارهم وأوطانهم، ستلتقى العائلات التي فرقها القصف ولم يتلاقوا منذ عقود على الرغم من أنهم على أرض واحدة، ستتراجع الاضطرابات النفسية لدى الأطفال، وستقوى الأجساد التي أكلها الجوع، وستعود الصحة لمن أنهكهم المرض، وترجع البسمة التي أخفاها الألم، ستعود المدارس والجامعات، سيدفن الجهل والفقر، ويرفرف علماء فلسطين في العالم أجمع، وتستعاد الرموز الوطنية، وتقوم النهضة، سيُمحى العنف، وتختفي الدماء، وتزدهر الحياة الاجتماعية والثقافية بعد زوال القمع والاعتقال، ستروى رواية فلسطين، وصبرهم، ونضالهم، وتمسكهم بأرضهم، سيزداد الشهداء فرحًا، وسترقص الأرض لأصحابها، لو تحررت فلسطين، لتحررت الحياة.

أليست هذه الثمار كافية لنبدأ المسير؟

إن لم نستجب اليوم لدموع الأمهات، وصرخات الأطفال، ونظرات الجوعى، وصمود الأسرى، فمتى نستجيب؟ متى سنغرس أول شجرة زيتون في أرض فلسطين بعد تحررها؟ ونصلي في «الأقصى» صلاة النصر ونحن نردد: الحمد لله الذي ألّف بين قلوبنا، وجمع شتاتنا، وأعاد للأمة روحها من جديد.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة