ماركو روبيو والصليب على جبهته.. أي رسالة يحملها لغزة؟

سيف باكير

08 مارس 2025

126

أثار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو جدلًا واسعًا بعد ظهوره في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، وقد رُسم على جبهته الصليب، جاء ظهوره هذا في توقيت حساس، حيث تحدث خلال اللقاء عن موقف الإدارة الأمريكية من الحرب على غزة، ناقلًا تهديدات الرئيس دونالد ترمب للفلسطينيين ومؤكدًا دعمه المطلق للكيان الصهيوني.

هذا المشهد أثار تفسيرات متعددة: هل كان مجرد تعبير عن إيمانه الشخصي بمناسبة «أربعاء الرماد» الذي يرمز لبداية الصوم الكبير عند المسيحيين الكاثوليك؟ أم أن ظهوره بهذه الهيئة كان رسالة سياسية تحمل دلالات أعمق، خاصة في ظل تصاعد الخطاب الديني المرتبط بالحرب الصهيونية على غزة؟


السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي المنتخب ترمب تجاه الشرق الأوسط


الصليب في سياق التهديدات الأمريكية

ماركو روبيو ليس مجرد سياسي أمريكي، بل هو أحد أكثر المسؤولين الأمريكيين تأييدًا للكيان الصهيوني، وصاحب مواقف حادة ضد الفلسطينيين، في نوفمبر الماضي، عندما سُئل عن موقفه من وقف إطلاق النار في غزة، رد بعبارات قاطعة: أرفض أي وقف لإطلاق النار، وأشجع «إسرائيل» على القيام بكل ما تراه ضروريًا للقضاء على «حماس»، حتى لو كان ذلك يعني استمرار القصف بلا هوادة.

تصريحاته هذه، مترافقة مع ظهوره الأخير وهو يضع الصليب على جبهته، أثارت تساؤلات حول مدى ارتباط السياسة الأمريكية الحالية بنزعة دينية متطرفة تبرر العدوان على الفلسطينيين تحت غطاء «الحرب المقدسة».

في هذا السياق، اعتبر الكاتب د. نائل بن غازي أن ظهور روبيو بالصليب بينما يتحدث عن غزة ليس تفصيلًا عابرًا، بل هو تأكيد لما أصبح جليًا بأن الحرب على غزة تحمل أبعادًا دينية، حيث قال: «وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يرسم الصليب على وجهه بينما يتحدث عن تهديدات ترمب لغزة، إنها أبرز دلالة على الحرب الدينية التي يقودها العالم ضد كتيبة الإيمان وأولياء الرحمن في فلسطين».

وأضاف بن غازي مستشهدًا بكلمات القائد الفلسطيني يحيى السنوار، الذي أكد مرارًا أن المعركة التي تخوضها المقاومة ليست مجرد حرب سياسية أو عسكرية، بل هي «حرب دينية أراها رأي العين».


أثار ظهور روبيو بهذه الهيئة ردود فعل واسعة، خاصة بين النشطاء والمفكرين المسلمين والمسيحيين على حد سواء، فقد كتب الإعلامي مراد علي مستنكرًا: «وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يخرج للإعلام راسمًا على جبهته الصليب، بينما يهدد أهل غزة بالجحيم الذي توعدهم به ترمب، المسيح عليه السلام بريء من هؤلاء المجرمين! هل المسيحية التي تدّعون الانتماء إليها تقبل بمنع الطعام والدواء عن مليوني إنسان؟!».

أما الناشط الليبي أحمد، فذهب أبعد من ذلك، معتبرًا أن روبيو يمثل الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية التي لا تفصل بين الدين والمصالح السياسية، وقال: «وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لا يخشى أن يُظهر انتماءه الديني الصليبي في السياسة، فقد ظهر الصليب على جبينه وهو يهدد أهلنا في فلسطين بالتهجير والقتل، مرددًا عربدة رئيسه بضرورة إنهاء المقاومة الفلسطينية، مع انحياز تام للاحتلال الصهيوني».

من جانبه، انتقد رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، المطران عطا الله حنا، رسم وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، علامة الصليب على جبهته احتفاءً بـ«أربعاء الرماد».

واعتبر المطران حنا أن هذا الفعل يتناقض مع تعاليم المسيحية، في ظل الدعم الأمريكي المستمر للكيان الصهيوني، الذي يساهم في ارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين.

وفي منشور على صفحته الشخصية في «فيسبوك»، أرفق المطران حنا صورة لوزير الخارجية الأمريكي وهو يرسم الصليب على جبينه، وأوضح أن المسيحي الحقيقي يجب أن يكون منحازًا للمظلومين والمتألمين، وليس للظالمين الذين يمارسون العنف والقمع ضد الشعوب، وفق ما نقلت وكالة «الأناضول».


كما استنكر المطران حنا إصرار بعض السياسيين على تشويه رسالة المسيحية من خلال مواقفهم التي تتناقض مع تعاليم الإنجيل، واعتبر ذلك عدوًا داخليًا يستهدف الكنيسة من الداخل.

وأضاف المطران حنا، قائلًا: «من يفتخر بالصليب ويجاهر بمسيحيته، عليه أن يعترف بأن هناك ظلمًا تاريخيًا وقع على الشعب الفلسطيني، ويجب أن يزول هذا الظلم ليحظى الفلسطينيون بالحرية والسلام الذين يستحقونهما».

روبيو.. تاريخ من الولاء المطلق للكيان الصهيوني

لا يمكن فهم موقف ماركو روبيو الحالي دون العودة إلى تاريخه السياسي، فهو أحد أبرز وجوه التيار اليميني الداعم للكيان الصهيوني بلا تحفظ، بل يعتبر من أكثر الشخصيات الأمريكية تشددًا في تأييد «تل أبيب»، ففي عام 2019م، كان أحد أبرز المروجين لقانون مكافحة حركة المقاطعة (BDS) التي تدعو لفرض عقوبات اقتصادية على الاحتلال بسبب انتهاكاته بحق الفلسطينيين.

كما أنه من أشد المعارضين لأي اتفاق سلام لا يمنح الكيان السيطرة الكاملة على الأمن في الأراضي المحتلة، وكان من أوائل السياسيين الذين دعموا قرارات ترمب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالسيادة «الإسرائيلية» على الجولان السوري المحتل.

10 علامات للطغيان والنفاق الأمريكي في الحرب على غزة


بين الرمزية الدينية والرسائل السياسية

ظهور ماركو روبيو بالصليب في هذا التوقيت، وبالتزامن مع تصريحاته العدائية تجاه الفلسطينيين، يثير التساؤلات حول مدى تأثير النزعات الدينية في صناعة القرار الأمريكي، خاصة في ظل تصاعد خطاب الحرب الصليبية في الأوساط اليمينية المتطرفة داخل الولايات المتحدة.

فهل كان الصليب مجرد ممارسة دينية عفوية من روبيو؟ أم أنه رسالة ضمنية تؤكد أن الإدارة الأمريكية الحالية ترى الحرب على غزة في إطار أوسع من السياسة والمصالح، بل كجزء من صراع ديني ممتد؟


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة