كيف نستمتع بتربية أولادنا؟ (1)
ماهية التربية؟

أستاذي الكريم د. يحيى، جزاكم الله خيراً وفريق مجلة «المجتمع»، على دعمكم
للأسرة المسلمة، الحمد لله نحن زوجان منَّ الله عليهما بنعم جمة، ومنها الذرية؛
حيث توجت بها سعادتنا، وقد بذلنا جل الجهد لحسن تربيتهم، لا ندخر جهداً أو نفقة في
ذلك، سواء البرامج التعليمية أو الثقافية أو الرياضية، كما أننا نتابع مع أحد
الأطباء المتخصصين؛ لأن أحدهم يعاني من اضطراب الحركة المفرطة والتشتت وعدم
التركيز رغم ذكائه الفذ.
ورغم كل تلك الجهود، فإن حياتنا تحولت إلى جحيم! نعم نتيجة المتابعة
الدراسية والقيمية والإجهاد البدني والضغط النفسي، حتى انعكس ذلك على علاقتنا
كزوجين، حيث تنصبّ خلافاتنا في منهجية تربيتهم، كما أن نتيجة تقصيرهم عن أداء
التزاماتهم سواء الدراسية أو السلوك المنضبط ساءت علاقتنا بهم، حيث إنهم لا
يعطوننا فرصة لتهدأ أعصابنا ونتبادل معاً التعبير عن حبنا لهم، أو نشيد بهم؛ لأنهم
دائماً مقصرون، فكيف لنا أن نجلس معاً ونتسامر؟!
نصدقك القول: إننا نتابع إرشاداتك الطيبة، ولكن في ردك على إحدى المشكلات
التربوية قلت للوالدين: «استمتعا بتربية أولادكما»! هل لك أن تعيش واقعنا لترينا
كيف تستمتع بتربية الأولاد؟
التحليل
نعم، من المؤكد أنه ليس سهلاً أن نستمتع بتربية فلذات أكبادنا، ولكنه غير
مستحيل، كما أنه من المفهوم الإسلامي منطقي وطبيعي، كما سنوضح بمشيئة الله، قد أتناول
ذلك في عدة حلقات لأهمية ومسؤولية وقيمة التربية من المفهوم الإسلامي.
1- بعض المفاهيم الأساسية حول التربية.
2- محاور التربية.
3- الإطار العام لمنهجية التربية.
4- المنهج الإسلامي التربوي.
5- نماذج من الهدي النبوي التربوي.
أولاً: بعض المفاهيم الأساسية حول التربية:
التربية نشاط تفاعلي بين المربي والمربَّى، وبما يتناسب والبيئة التربوية
والموقف التربوي، بهدف توليد الدوافع واستثارة الرغبة لدى المربَّى نحو التزود
المعرفي واكتساب وتطوير المهارات وإطلاق القدرات الروحية والعقلية والوجدانية
والبدنية، وبما يتناسب والسمات النفسية والبدنية والعقلية للمربَّى والإبداع في
ذلك، ونظراً لأهمية فهم معنى التربية، سأتناول شرح كل محور بإيجاز.
أ- النشاط:
- لفظي: ليس المهم فقط الألفاظ المستخدمة، بل نبرة الصوت ومدى حدته وطريقة
الخطاب، والتأكيد على بعض الكلمات، وطبيعة الانفعال اللفظي.
- بدني: إن لغة جسد المربي من نظرة عيونه وتعابير وجهه وحركات يديه ومدى
مواجهته للمربَّى، قد تكون أكثر تأثيراً من الكلمات التي يوجهها للمربَّى.
- الحالة النفسية للمربي: نعم تعتبر الحالة النفسية أحد أنواع الأنشطة
التربوية، حيث يستشعرها المربَّى حتى قبل أن يبدأ المربي حديثه ويتأثر بها، ثم
تأتي قراءته وفهمه للغة جسد المربي عادة لتأكد لديه ما تلقاه من مشاعر سلبية أو
إيجابية.
ب- النشاط التفاعلي:
التربية ليست تفريغاً لانفعال المربي أو سلسلة من الأوامر والمواعظ، أو
تهديداً بعقاب، أو لوماً، أو غير ذلك من أنماط التربية العقيمة يلقيها المربي على
المربَّى وكأنه آلة صماء، ولكن على المربي أن يفهم ما يدور بنفسية وعقلية المربَّى
من خلال التعرف إلى حالته النفسية ولغة جسده وألفاظه وتفهم رد فعله على كل نشاط
تربوي وجِّه له، وبحيث تتناسب الخطوات التربوية مع كل رد فعل للمربَّى.
جـ- الموقف التربوي:
هو تفاعل ونتاج بين:
- الحالة النفسية للمربي ودوافعه التربوية (العقاب/الإشادة كأحد منهجيات
التلقين، الحث/التحذير من فعل، التدريب على المناقشة أو أبداء الرأي..).
- الحالة النفسية والإدراكية للمربَّى.
- البيئة التربوية: ويقصد بها الإطار النفسي الذي حدث فيه الموقف التربوي
(المنزل، المسجد، السوق، المربي مع المربَّى منفردين/مع بيئة داعمة للمربَّى/
أقرانه..).
د- أمر/نهي أم توليد الدوافع واستثارة الرغبة لدى المربَّى؟
ما أسهل على المربي أن يأمر أو ينهى المربَّى! ولكن ما لم تتولد القناعات
لدى المربَّى بقيمة أثر ما أُمر به أو ما نُهيَ عنه فإنه إما يرفضه أو يتفلت منه
أو يفعله خوفاً من العقاب أو طمعاً في الثواب، وسيحتاج المربي إلى الاستمرار في
الأمر أو النهي، وبذلك لم يحقق الموقف التربوي الغرض منه.
أما استثارة الرغبة لدى المربَّى من خلال القناعات (الدينية، العقلية،
المنفعية، الوجدانية، النموذج، الصحبة، الصورة الذهنية عن الذات) تستغرق وقتاً
وتحتاج إلى تفهم طبيعة شخصية المربَّى وميوله وقدرة من المربي على الحوار
والإقناع، ولكنها تربي وتبني شخصية تدير حياتها من خلال ما تكتسبه من معارف خلال
الحوار، وتكون تصرفاتها من خلال قناعاتها وليست تحت ضغوط خارجية.
هـ- الاهتمام والتركيز على الفعل أم الاهتمام والتركيز
على التزود المعرفي واكتساب وتطوير المهارات وإطلاق القدرات؟
إن تصرفاتنا محصلة منظومة معارفنا التي تطلق قدراتنا فنعبر عما نريد
بمهارات جوارحنا، فإن اهتم المربي وركز على الفعل دون أن يبني ويطور منظومة
المعارف المرتبطة به ويفعِّل القدرات اللازمة له وينمي مهارات التعبير عنه، فإن
المربَّى قد يفعل المطلوب منه دون أن يكتسب الخبرات الحياتية بذاته؛ لأن، كما
سنوضح، التربية تراكمية.
و- شمولية التربية:
يجب أت تتضمن التربية كل محاور الإنسان:
- الروحية:
التأكيد على علاقة المربَّى بالله تعالى وحبه له سبحانه، والشعور بقبس من
آلائه، عقيدة سليمة والاهتمام بفقه المقاصد ويُعلم كما يُعلم فقه أداء العبادات، القرآن:
نقرأ لنفهم، نفهم لنتدبر، نتدبر لنعمل وندعو، نولد لدى المربَّى المسؤولية عن
الأمة ليكون قيمة مضافة، وبرنامج شامل متكامل للحياة بالقرآن والسُّنة المطهرة.
- العقلية:
العقل من النعم الجليلة، تعتبر مرحلة الطفولة من أهم المراحل لتدريب المربَّى
على تنمية وتطوير قدراته العقلية؛ لذا كثيراً ما نكرر: «أسأله ولا تلقنه».
- البدنية:
إن البدن أمانه سنسأل عنها، مهما قرأنا عن نموذج الحياة الصحية إلا أن
النشأة تؤدي الدور الرئيس في نمط حياتنا الصحية.
- الوجدانية:
إن الشعور بالحب وتبادله بين المربَّى والمربي ليس فقط مفتاحاً للتربية، بل
هو احتياج نفسي كما نحتاج للأكسجين للحياة، رغم قيمة القناعات سواء أكانت دينية أو
عقلية أو منفعية أو عقلية، فإن القناعات الوجدانية تمثل المقدمة لكل باقي القناعات،
وتعتبر التربية الوجدانية من أكثر أنواع التربية حساسية وتأثيراً، خاصة وأنها
مرتبطة بالوالدين، حيث يمكن لهما توكيل مربين ثقة لباقي أنواع التربية، ولكن هل
يمكن للوالدين توكيل من يحب أولادهما نيابة عنهما؟ أيضاً يجب على كل مربٍّ (مدرس، شيخ،
مدرب رياضي..) أن يولد الحب بينه وبين من يتولى أمانة تربيتهم، ولكن يظل ما يتلقاه
الأولاد من حب ورعاية وجدانية من والديهم، وكذلك تعبير الأولاد عن حبهم لوالديهم
هو العامل الأكثر تأثيراً في نموهم الوجداني، والأهم من كل أنواع التربية لأنه هو
مفتاحها جميعاً.
ز- هل يوجد نموذج تربوي عام، أم أنه يجب أن يصاغ بما
يتناسب والسمات النفسية والبدنية والعقلية للمربَّى وكذلك البيئة التربوية؟
لا يمكن أن يكون هناك نموذج تربوي عام يمكن لكل مربٍّ أن يطبقه على كل من
يتولى أمانة تربيتهم، لأن لكل إنسان بصمة نفسية خاصة به منفرداً، كما أنه لا يمكن
صياغة نموذج تربوي للمربَّى يمكن اتباعه، حيث إن البصمة النفسية لذات الإنسان
تتغاير من وقت لآخر؛ ولذا يجب على المربي أن يصيغ النموذج التربوي المناسب للسمات
النفسية للمربَّى وكذلك إمكانياته البدنية وقدراته العقلية.
- الإبداع:
من المهم بمكان أن يلم المربِّي بالمعارف التي تمكنه من أداء هذه الأمانة
العظيمة، وكذلك اكتساب وتنمية المهارات والقدرات اللازمة لطبيعة المرحلة التربوية
المنوطة بها مسؤولياته التربوية، وهنا من المهم أن نركز على أنه مهما قرأنا من كتب
تربوية وحضرنا من محاضرات وشاركنا في ورش عمل.. فكل ذلك رغم أهميته، فإنه لا يغني
عن الإبداع! نعم المربي الناجح لا يستفيد فقط من تجارب الآخرين وأفكار المتخصصين،
ولكنه يبدع في تربيته بما يتناسب والمهمة التربوية التي يؤديها.