محللون: «إسرائيل» تواجه عزلة غير مسبوقة في الساحة الدولية
في تطور دبلوماسي غير مسبوق، وجهت بريطانيا وفرنسا وكندا صفعة سياسية
مدوّية لحكومة بنيامين نتنياهو، عبر سلسلة من المواقف والإجراءات التي تعكس
تحوّلًا جذريًا في سياسة الدعم غير المشروط للكيان الصهيوني، وذلك على خلفية
استمرار حرب الإبادة في قطاع غزة.
بريطانيا كانت في طليعة هذا التحول؛ إذ أعلنت تعليق مفاوضات اتفاقية
التجارة الحرة مع الاحتلال، واستدعت السفيرة «الإسرائيلية» في لندن لتوبيخها
رسميًا على جرائم الحرب المرتكبة بحق المدنيين في غزة، كما فرضت عقوبات على شخصيات
ومؤسسات تنشط في المستوطنات غير القانونية، أبرزها دانيئيلا فايس، رئيسة حركة «نحالا»
الاستيطانية، التي مُنعت من دخول الأراضي البريطانية.
وفي لحظة وُصفت بأنها فارقة، خرج رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن صمته، مهاجمًا سياسات حكومة نتنياهو في البرلمان، ومنددًا باستهداف الأطفال ومنع دخول المساعدات، قائلاً: ما يجري في غزة لم يعد يُطاق.
جاء هذا التحول الأوروبي في سياق ضغط شعبي متصاعد، وتظاهرات غاضبة تجتاح العواصم الأوروبية للمطالبة بوقف الحرب وإنهاء الحصار على غزة.
وتعليقًا على الموقف البريطاني الجديد، تساءل أستاذ العلوم السياسية د.
عبدالله الشايجي: هل فعلاً ضاق الأوروبيون وترمب ذرعًا بحرب نتنياهو الوحشية على
غزة؟! معتبرًا أن هذه «الصحوة الجزئية» جاءت بعد 19 شهرًا من حرب إبادة ممنهجة،
استخدم فيها الاحتلال سلاح التجويع والحصار الشامل، مانعًا الغذاء والدواء والماء
عن أكثر من مليوني إنسان في غزة.
وفي تغريدة عبر حسابه على منصة «إكس»، أشار الشايجي إلى أن بريطانيا، التي
تتحمّل تاريخيًا مسؤولية نكبة فلسطين، بدأت أخيرًا بإبداء مواقف رافضة لغطرسة
الاحتلال، ولو بشكل متأخر، وأكد أن وزير خارجية بريطانيا وجّه تحذيرًا واضحًا
لحكومة نتنياهو، مطالبًا برفع الحصار فورًا والسماح بدخول المساعدات الإنسانية.
انهيار «الحصانة الأخلاقية»
من جهته، رأى المحلل السياسي أحمد الحيلة أن هذا التحوّل الغربي يعكس
شعورًا بالحرج الشديد من سلوك الاحتلال، في ظل ضغط شعبي داخلي متواصل، في وقت
تلتزم فيه دول عربية الصمت، وتمتنع عن تفعيل أي أوراق قوة سياسية يمكن أن تُحدث
فرقًا في وقف الكارثة.
واعتبر الحيلة أن فشل الكيان الصهيوني في حسم المعركة عسكريًا، وتحوّل
عدوانه إلى مشروع تهجير جماعي، أثار قلقًا أوروبيًا حقيقيًا من زعزعة استقرار
المنطقة، وأضاف: العدوان فقد صوابه، وتحول إلى جنون عبثي يستهدف الأطفال
والمدنيين، ما أحرج الحكومات الغربية أمام شعوبها.
وأشار إلى أن التوحّش «الإسرائيلي» أسقط ما تبقى من السلطة الأخلاقية
للغرب، الذي لطالما تغنّى بالقيم وحقوق الإنسان، ويرى الآن في تعديل موقفه وسيلة
لاستعادة مصداقيته المتآكلة.
كما نوّه بتقاطع هذا التوجّه الأوروبي مع رغبة أمريكية مترددة في وقف إطلاق
النار، لكنها لم تُترجم حتى اللحظة إلى ضغوط حقيقية على الاحتلال.
الخبير في الشأن الصهيوني إيهاب جبارين أكد أن الكيان الصهيوني يفقد اليوم،
ولأول مرة منذ عقود، ما وصفه بـ«الحصانة الأخلاقية» التي تمتع بها في الغرب.
وقال جبارين: إن الغرب لم يعد يرى في «إسرائيل» تلك الدولة الاستثنائية
التي يُسمح لها بخرق كل القوانين الدولية بذريعة الأمن القومي.
وأضاف أن ما يحدث الآن يتجاوز حدود التعاطف مع غزة، إلى انهيار فعلي للعقيدة السياسية التي وفّرت الغطاء لـ«إسرائيل» لعقود.
دبلوماسية شعبية
وفي سياق متصل، دعا الباحث الفلسطيني علي أبو رزق إلى استثمار هذا التحوّل
الدولي عبر إطلاق دبلوماسية شعبية يقودها وفد فلسطيني يجوب العالم، ويقدم رواية
الشعب الفلسطيني بعيدًا عن الحسابات الرسمية والمواقف المترددة.
واقترح أن يضم هذا الوفد شخصيات تحظى بإجماع وطني وقبول دولي مثل مروان
البرغوثي، وغسان أبو سِتّة.. وغيرهما، بهدف كسر الحصار السياسي المفروض على
الرواية الفلسطينية الرسمية.
وقال أبو رزق، في تغريدة على منصة «إكس»: التضحيات الهائلة التي قدّمها
شعبنا لا بد أن تتوّج بمنجز سياسي، لا يمكن أن تذهب كل هذه الدماء والأثمان
الباهظة في الفراغ، ولنا في تجربة جنوب أفريقيا الملهمة خير دليل.
تابعنا
