مدرسة المقاومة الفلسطينية.. دروس للأمة وعِبَر للتاريخ

هند معوض

28 يوليو 2025

295

تتوجه العيون في شتى بقاع الأرض صوب مدينة غزة، حيث تشتعل معارك ضارية بين الشعب الفلسطيني متجسداً في مقاومته والمحتل الصهيوني، في معركة «طوفان الأقصى»، وكأنها طوفان هادر انطلق ليجتث في طريقه المحتل وأعوانه، ويلقن الأمة الدروس في العقيدة والثبات وحسن الإعداد، وإذ بآيات الله تتجسد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك»، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس».

إن تاريخ فلسطين المعاصر زاخر بصور المقاومة والصمود في وجه الاحتلال الصهيوني منذ نكبة عام 1948م وحتى اليوم، فعقب إعلان قيام دولة للكيان المحتل انطلق الشعب الفلسطيني في انتفاضة عارمة بدأت برفع الحجارة مروراً بالسكين ثم الأحزمة الناسفة والعمليات الاستشهادية وانتهاء بالصواريخ وقذائف «الياسين» وبندقية القنص «الغول» التي صنعت بأيدي المقاومة، رغم الحصار الخانق على غزة منذ عام 2003م وحتى يومنا هذا.

سلاح العقيدة

إن الصراع المحتدم على أرض غزة هو حرب عقيدة، والنصر حليف المقاومة المدافعة عن الأرض والمقدسات كما وعد الله عز وجل.

فما مصدر قوة المقاومة في مواجهة المحتل رغم الحصار والخذلان والتواطؤ الدولي؟! إنها العقيدة التي تملكت القلوب وصدقها الفعل يقول تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ) (التوبة: 14)؛ تمنحنا الآية الطمأنينة والثبات، فالله يجعل عذابه للظالمين على أيدي أوليائه ويبشرهم بالنصر لهم والخذلان لعدوهم.

لقد استعادت «طوفان الأقصى» مشاهد الصمود والثبات للمسلمين الأوائل، فغزوة «الخندق» تبادرت للأذهان ونحن نستحضر التآمر اليهودي على النبي صلى الله عليه وسلم وحصار الأحزاب للمدينة، والمسلمون يعانون الخوف والحصار، ولقد وصف الله تعالى حالهم في قوله: (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا {10} هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً) (الأحزاب).

فالله وصف حالهم بالابتلاء والزلزلة الشديدة، ورغم تلك الحالة المهيبة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يبشرهم بمفاتيح الشام واليمن، وتلك هي العقيدة السليمة التي تفسرها الآية: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) (الأحزاب: 22).

ونرى ذلك واقعاً اليوم في غزة، فهؤلاء المحاصرون منذ عقدين ما زالوا يديرون المشهد ويكبدون العدو الخسائر الباهظة، ويصدرون الصورة الأمثل للعالم بقوة الإيمان في مواجهة الباطل، وليست المقاومة وحدها هي من تتصدر المشهد، بل يدعمها شعب مؤمن ثابت على أرضه لا ترهبه آلة القتل الصهيونية رغم ضراوتها.

فهذا الشيخ يستقبل استشهاد ابنه بركعتي شكر لله، وتلك المرأة تزغرد عقب استشهاد فلذة كبدها، وذلك الرجل الذي فقد جميع أبنائه يرفع أشلاءهم للسماء ويقول: «اللهم خذ من دمائنا وأبنائنا حتى ترضى».

تلك المشاهد تكشف للعالم أن المؤمن قوي بعقيدته في مواجهة الباطل، وتعطينا الدرس الأعظم في العقيدة التي تثبت القلوب وتقوي العزائم وقت المحن.

كيف صاغت حماس معادلة الثبات في زمن الانكسارات؟ |  Mugtama
كيف صاغت حماس معادلة الثبات في زمن الانكسارات؟ | Mugtama
 الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم كتابه:...
mugtama.com
×

وأعدوا لهم

الإسلام دين العمل ثم التوكل على الله، فالإعداد الجيد ووضع الإستراتيجيات المناسبة هما أساس النصر، يقول تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ) (الأنفال: 60).

إن إعداد القوة والاستعداد للمواجهة أمر رباني واضح، وهذا ما وعته المقاومة، التي انشغلت بالإعداد الجيد والاستعداد للمواجهة رغم الحصار الجائر، فعلى مدار 7 عقود تجلت تلك القوة في تصنيع الصواريخ وبنادق القنص والطائرات المسيرة وكل أسباب القوة، لتلقين العدو درساً قاسياً بأن صاحب الحق هو الأقوى، وتلقن أمتنا الدرس الأكبر في صحة العقيدة، وأن الحق لا ينتصر لكونه حقاً فحسب، بل يحتاج لقوة تعينه.

التوحد حول غاية عظمى

على الرغم من التنوع الثقافي والسياسي والاجتماعي للشعب الفلسطيني، فإنه خلق نوعاً فريداً من الوحدة والالتفاف حول المقاومة؛ ما أكسبها حاضنة شعبية كانت السلاح الأقوى خلال المواجهة.

فنحن نتابع يومياً مشاهد القصف والقتل التي يمارسها الاحتلال بحق الفلسطينيين، ورغم ذلك لا يخرج أحدهم ليتبرأ من المقاومة أو يدعوها لرفع يدها عنهم، بل يلتف الشعب حولها ويدعمها، وذلك الدعم هو السبب في صمودها على الأرض، وهو ما أفقد العدو صوابه فمارس المزيد من القمع والتنكيل بحق المدنيين الآمنين، وذلك يعطينا الدرس الأروع في الوحدة حول غاية عظمى، وهل هناك غاية أعظم من تحرير المسجد الأقصى؟!

عدالة القضية وحشد الرأي العام

نجحت المقاومة في عرض القضية الفلسطينية في إطارها الصحيح، وسجلت كل ما حققته من إنجازات، وكذا جرائم المحتل بحق الآمنين بالصوت والصورة لتعرضه على الرأي العام العالمي؛ ما جعل التعاطف العالمي مع «إسرائيل» يتضاءل.

كما أحسنت الخطاب الإعلامي من خلال اختيار المتحدثين باسمها وأبرزهم أبو عبيدة الذي أصبح ملهماً للشعوب، فالصوت المميز ووضع الكلمات في نصابها الصحيح وقوة الحجة جعل العدو قبل الصديق ينتظر تصريحاته للمصداقية.

ولقد نجحت في كسب التعاطف العالمي لعدالة قضيتهم، وفضح جرائم الاحتلال؛ ما يعكس أهمية بناء شبكة تضامن قوية والاستفادة من الدعم الدولي لتحقيق العدالة، ويجعلنا نعي دور الإعلام في حشد الرأي العام لعدالة القضية الفلسطينية وإجرام المحتل.


بناء الإنسان.. وهدايا الأسرى! |  Mugtama
بناء الإنسان.. وهدايا الأسرى! | Mugtama
يحمل مشهد الهدايا التذكارية التي قدمتها حركة المقا...
mugtama.com
×

مكارم الأخلاق

حرص الإسلام على ترسيخ الأخلاق السامية لدى أتباعه، فهو الدين الوحيد الذي جعل آداباً للطعام والشراب والطريق، وآداباً للذبح وحتى الحرب، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال: «اخرجوا باسم الله قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، ولا تعتدوا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع».

التزمت المقاومة بالأخلاق الإسلامية خلال تلك الحرب غير المتكافئة، فأحسنوا معاملة أسرى العدو وقدموا لهم الدواء والطعام، ولم يعذبوهم أو يمتهنوا كرامتهم، عكس معاملة الصهاينة مع الأسرى الفلسطينيين من تعذيب ومنع للغذاء والدواء، ولعل حديث بعض الأسرى الصهاينة عن حسن تعامل المقاومة معهم من منطلق ديني قدم الدعوة الأجمل للإسلام، وكانت تلك المعاملة السبب في إسلام الكثيرين في الغرب، على عكس الأسرى الفلسطينيين الذين يخرجون من سجون المحتل فاقدين نسبة كبيرة من أوزانهم، وتبدو عليهم آثار التعذيب البشع.

ونتعلم من ذلك أننا حينما نتعامل حتى مع العدو فإننا نتعامل بأخلاق الإسلام لا بتدني أخلاق العدو.

الحق منتصر

المقاومة الفلسطينية قدمت دروساً عظيمة للأمة والتاريخ، حيث تعلمنا منهم أن الأمة الإسلامية لا تركع سوى لله تعالى، وأن عدالة قضيتنا مع إعداد القوة هما سبيلنا للنصر، وأن التحرر لا يتحقق بالأمنيات بل بالنضال والمقاومة.

وتعلمنا أن انتصار الحق يستوجب التضحيات الجسام، لكننا وفي طريقنا لتحقيق النصر لا نتخلى عن أخلاق الإسلام.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة